شوكة وسكين على منضدة تمثل الصيام

يُعتبر الصوّم من المُمارسات المعروفة حتى قبل الأديان والعقائد المُختلفة. فقد عَرِف الإنسان مُنذ فجر التاريخ مُمارسة الصوّم. فقد عرفه الفراعنة المصريين والديانات الابراهميّة والديانات الشرقيّة وغيرها من المُعتقدات والأيدولوجيَّات المُختلفة. ولكل منها مفهومه الخاص عن الصوّم.

إن تعريف كلمة “الصوّم” في المُعجم الوجيز هو الكف والإمساك عن الشئ. أما مُعجم المُصباح المُنير فيقدم معنى “الصوّم” على أنه الإمساك عن الطعام والسيرة. أما معنى كلمة “الصوّم” في اليونانيّ تعني الإمساك أو ضبط النفس. فما هو مفهوم الصوّم في الإيمان المسيحيّ؟

إن الصوّم في المسيحيّة ليس هدف في حد ذاته لكنه وسيلة. فالإنسان الذي يتبع المسيح لا يصوم لكي يعذب جسده، ولا يصوم لأنه خائف من الله، ولا يصوم لكي يكنز حسنات على الأرض، ولا يصوم لكي يشعر بالفقراء، ولا يصوم لأن الصوم فريضة، ولا يصوم لكي يظهر أمام الناس بمظهر البر والتقوى. فهذه كُلها مفاهيم خاطئة عن الصوّم. فالمسيح أنتقد هذا المفهوم عن الصوّم الذي كان سائدًا في المُجتمع اليهوديّ قائلًا:

وَعِنْدَمَا تَصُومُونَ، لَا تَكُونُوا عَابِسِي الْوُجُوهِ، الْمُنَافِقُونَ الَّذِينَ يُغَيِّرُونَ وُجُوهَهُمْ لِكَيْ يَظْهَرُوا لِلنَّاسِ صَائِمِينَ. الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ إِنَّهُمْ قَدْ نَالُوا مُكَافَأَتَهُمْ. أَمَّا أَنْتَ، فَعِنْدَمَا تَصُمْ، فَاغْسِلْ وَجْهَكَ، وَعَطِّرْ رَأْسَكَ، لِكَيْ لَا تَظْهَرَ لِلنَّاسِ صَائِماً، بَلْ لأَبِيكَ الَّذِي فِي الْخَفَاءِ. وَأَبُوكَ الَّذِي يَرَى فِي الْخَفَاءِ، هُوَ يُكَافِئُكَ.
إنجيل متى 6: 16

لذلك فإن الصوم هو مُمارسة خاصة بينك وبين الله. فالصيام في المسيحية ليس هدف في حد ذاته ولا فرض لكن وسيلة. نرى ذلك بوضوح عندما صام المسيح على الجبل، ثم جاء له الشيطان وحاول ان يجعله يتوقف عن صوّمه ويحول الحجارة إلى خبز فرد عليه المسيح قائلًا:

فَأَجَابَهُ قَائِلاً: «مَكْتُوبٌ: لَيْسَ بِالْخُبْزِ وَحْدَهُ يَحْيَا الإِنْسَانُ، بَلْ بِكُلِّ كَلِمَةٍ تَخْرُجُ مِنْ فَمِ اللهِ!»
إنجيل متى 4: 4

فالصيام هو الوسيلة التي يقول بها الإنسان المؤمن للجسد والنفس أن الخبز ليس هو ما يُحيي الإنسان، لكن ما يُحيي الإنسان هو العلاقة مع الله، وأن الإحتياج الحقيقيّ للإنسان هو غذاء حياة الإنسان الداخليّ الروحيّ. فالإحتياج الحقيقيّ هو للحياة الحقيقيّة الروحيّة في العلاقة مع الله التي لا تموت وللفرح الحقيقيّ والغنيّ الحقيقيّ والشبع الحقيقيّ في المسيح. وحياة الإنسان الداخليّ تُروَّى فقط بالعلاقة مع الله فكما قال القديس أغسطينوس: ” ستظل نفوسنا قلقة إلا أن تجد راحتها فيك”

لذلك فدائمًا تكون الصلاة هي المرافق الأول للصوم. فغرض الصوم بوجه عام هو غرض روحي حيث يرتفع الصائم عن مستوى الجسد ليصل الى مستوى روحيّ مُرتفع عند طريق التوقف عن وضع الجسد في محور اليوم، والتفرغ للصلاة والعلاقة مع الله، فيستطيع الإنسان أن يتمتع بالعلاقة مع الله.

الكاتبة: لمياء نور

Masters of Arts in Theology, ETSC


مقالات مُشابِهة

كيف يصوم المسيحيّون؟
الهدف الحقيقي من الصوم
كيّف يكون الصوّم مقبولًا عند الله؟
طرق للصيام


تبغى تتواصل مع مسيحي؟ تواصل معنا بكل امان الحين.