الصَّوم في المسيحِيَّة هو الاِمتِناع عن الطَّعام لوَقت مُحَدَّد. ويجِب أن يُرافَق الصَّوم بالصَّلاة ويَكون لهَدَف مُعَيَّن، إمَّا لطَلَب مَشورة وقِيادَة إلهية، أو للتوبة عن ذنب ما، أو لطَلَب تَدَخُّل إلهي، أو كفِعل عِبادة.
في المَسيحِيَّة يجِب أن يَقتَرِن الصَّوم بالصَّلاة والتَّقوى. والكِتاب المُقدَّس يَذكُر لنا العَديد من المَرَّات التي صامَ فيها أُناسٌ من شَعب الرَّب ولأسبابٍ مُختَلِفة، كَصَوم بَني إسرائيل في يَوم الكَفَّارة (سِفر اللَّاوِيِّين 29:16) للتَّذَلُّل أمامَ الله طالِبينَ مِنهُ التَّوبة. وصَوم المَلِك يَهوشافاط وطَلَبه من الشَّعب أن يَصوم لأنَّهُ كانَ يُريد من الرَّب أن يَستَجيب لَهُ ويُنقِذهُ من الآرامِيِّين (سِفر أخبار الأيَّام الثَّاني 3:20). وصَوم الرُّسُل من أجل مَشورَة الرَّب في اختِيار الخُدَّام الذينَ سَيَتِمَّ فَرزهُم للخِدمة (سِفر أعمال الرُّسُل 2:13). وصَوم دانيال لأجل عَودَة المَسبِيِّين من بابِل إلى أورُشَليم كَتَتميم لِوَعد الرَّب (سِفر دانيال 3:9). ومَواضِع كَثيرة أُخرى في الكِتاب المُقدَّس نَقرَأ فيها عن شَخصِيَّات وجَماعات كانَت تصوم بشَكل فَردي أو جَماعي.
بركات الصوم
الصَّوم هو فِعل عِبادة غَير مُرتَبِط بزَمان مُعَيَّن، ويجِب أن يَكون مَصحوباً بالصَّلاة، لكي يحصُل المؤمِن على برَكة روحِيَّة وذلك لأنَّ:
- الصِّيام يُزيد من إحساسِنا بِحاجَتِنا إلى الله ويُعَلِّمنا أن نتَواضَع، لأنَّ ضَعف الجسَد في فَترَة الصَّوم يُذَكِّرنا كيفَ أنَّ لا قُوَّة لنا بِمُفرَدِنا بَل يجِب أن نَعتَمِد على الرَّب لأنَّهُ مَصدَر قُوَّتنا.
- يُعَلِّمنا الصَّوم أن نُرَكِّز أكثَر على الصَّلاة، لأنَّنا عندما نَصوم نُمضي وَقت أكثَر في الشَّرِكة الرُّوحِيَّة مع الله.
- يُذَكِّرنا الصَّوم دائِماً بضَرورَة التَّضحِية في راحَتِنا الخاصَّة من أجل الله، وذلك عبرَ الاِمتِناع عن الطَّعام، مِمَّا يُعَلِّمنا أن نَتَكَرَّس بالكامِل لشَخصِهِ المُبارَك.
- الصَّوم هو تَدريب مُمتاز لنا لكي نَتعَلَّم الاِنضِباط، لأنَّنا عندما نَمتَنِع عن الطَّعام الذي يَحتاجهُ جسَدنا فهذا يزيد من قُدرَتِنا على السَّيطَرة على رَغَباتِنا الجسَدِيَّة والاِمتِناع عن ارتِكاب الخَطايا.
- إن كُنَّا مُستَعِدِّين أن نُعاني من الاِمتِناع عن الطَّعام في سَبيل الرَّب فهذا سَيُعطينا القُوَّة على مُواجَهَة المُعاناة الأصعَب التي قَد تَعتَرِضنا في حَياتِنا الرُّوحِيَّة.
- يزيد الصِّيام من يَقَظَتنا الرُّوحِيَّة مِمَّا يُعطينا إحساس دائِم بوُجود الله، لأنَّنا بالصَّوم يَقِلّ تَركيزنا على الأشياء المادِّيَّة، ويَكبُر تَركيزنا على الحَقائِق الرُّوحِيَّة.
- يُعَبِّر الصَّوم عن مَدى جِدِّيَّتِنا وإلحاحِنا أمامَ الله في طَلَب الأمر الذي نَصوم من أجلِه واهتِمامنا بتَتميمِه.
متى يصوم المسيحيون؟
على الرَّغم من أنَّ الكِتاب المُقدَّس لا يُحَدِّد لنا وَقت مُعَيَّن أو شَهر مُحَدَّد لنَصوم فيه، إلَّا أنَّهُ علينا أن نَصوم لأنَّ يسوع قَالَ لتَلاميذِهِ أنه سَيأتي وَقت وتَصومونَ فيه (إنجيل مَتَّى 15:9). وكَيفِيَّة هذا الصَّوم نَتَعَلَّمها مِمَّن صاموا في الكِتاب المُقدَّس. فالمسيح صامَ لِمُدَّة أربَعينَ يَوماً لَم يَأكُل فيها شَيئاً، لكِنَّهُ لَم يَصُم عن الماء بَل عن الطَّعام فقَط، لأنَّهُ مَكتوب أنَّهُ بعدَ مُرور أربَعينَ يَوماً “…جاعَ أخيراً” (إنجيل مَتَّى 2:4)، ولم يَكتُب لنا الوَحي أنَّهُ عَطِش أخيراً، كَما أنَّ الاِمتِناع عن الماء لفَترة طَويلة يَضُرّ بصِحَّة الإنسان ويُسَبِّب لَهُ الجَفاف. لذلك يوجَد بَعض المؤمِنين يَصومون لأكثَر من يَوم دونَ طَعامٍ البَتَّة، لكنَّهُم يَشرَبونَ ماءً في صِيامِهِم فقَط. والبَعض الآخَر يَصومونَ عن الطَّعام والشَّراب لِمُدَّة يَومٍ كامِل. فَليسَ المُهِمّ المُدَّة التي نَصوم بِها لأنَّ لِكُل جسَد قُدرة مُعَيَّنة على الاِحتِمال عندَ الصِّيام. لكن المُهِمّ أن تَتَوَفَّر بالصَّوم الأُمور التي سَبَقَ وذَكَرناها، وضَرورَة أن يُشعِرنا الصَّوم بِعَجزِنا وضَعفِنا وحاجَتِنا للرَّب ومَدى رَغبَتِنا الشَّديدة بِتَحقيق ما نَطلُبهُ مِنهُ لكي يَعود الصَّوم علينا بالنُّمُو الرُّوحي، وكَما يَقول أحَد اللَّاهوتِيِّين: “إن واصَلنا الصَّوم ففي النِّهاية سَنَموت. لذلك وبِصُورة رَمزِيَّة، يُعَبِّر الصَّوم عن أنَّنا مُستَعِدُّون للتَّضحِية بِحَياتِنا لكي يَتَغَيَّر الوَضع الذي نحنُ فيهِ بَدَلاً من أن يَستَمِرَّ على حالِهِ، من هذا المُنطَلَق يَكون الصَّوم مُناسِباً عندما تَكون الحالة الرُّوحِيَّة للكَنيسة مُنخَفِضة” 1
الصوم الحقيقي
الصَّوم كَما العَديد من المُمارَسات الدِّينِيَّة مُعَرَّض لأن يُصبِح مُجَرَّد شَكلِيَّات وطُقوس دونَ تَأثير روحي. ففي إحدى المَرَّات في مَركَز عَمَل تَفاجأنا بمُوَظَّف غاضِب يَصيح بالنَّاس ويَتَذَمَّر على الآخَرين، وتَساءَلنا عن سَبَب استِيائِهِ الكَبير وغَضَبِه، إلى أن وَصَلَ إلَينا الجَواب من أحَدِهِم قائِلاً: “اصبِروا عليهِ قَليلاً فهو غاضِب لأنَّهُ صائِم”. والسُّؤال الذي يَطرَح نَفسهُ هُنا تُرى ما الذي تَعَلَّمَهُ هذا الرَّجُل من الصَّوم؟ وما الفائِدة الرُّوحِيَّة التي تَعود عليه في صِيامِهِ؟ فهو يُعَذِّب جَسدهُ دونَ مَغزى ويَصوم دونَ هدَف ظَنّاً مِنهُ أنَّ صِيامَهُ هذا مَقبولٌ لدى الله، وكأنَّ الله هو الذي يَحتاج لصِيامِنا وليسَ نحنُ من نَحتاجهُ لِمَنفَعَتِنا الرُّوحِيَّة.لذلك يُدين الرَّب المَظاهِر الشَّكلِيَّة في العِبادة بِقَولِهِ للشَّعب الذينَ كانوا يُعَبِّرونَ عن نَدَمِهِم على ذُنوبِهِم بِتَمزيقِ ثِيابِهِم دونَ تَغيير حقيقي لقُلوبِهِم:
“مزِّقُوا قُلُوبَكُمْ لاَ ثِيَابَكُمْ…” (سِفر يوئيل 13:2)
يجِب أن نَحذَر من أن يَكونَ صِيامَنا مُجَرَّد مَظاهِر وشَكلِيَّات كالمُرائينَ الذينَ نَوَّهَ إلَيهِم يسوع، فليسَ الغاية أن نَظهَر للنَّاس بأنَّنا صائِمين ونَستَوفي أجرَنا مِنهُم، بَل الهَدَف أن يَبقى الصَّوم أَمر خاص بَينَنا وبينَ الله فقَط.
يجب أن نَحذَر من أن يَكونَ صِيامَنا مُجَرَّد مَظاهِر وشَكلِيَّات
“وعِنْدَمَا تَصُومُونَ، لاَ تَكُونُوا عَابِسِي الْوُجُوهِ، الْمُنَافِقُونَ الَّذِينَ يُغَيِّرُونَ وُجُوهَهُمْ لِكَيْ يَظْهَرُوا لِلنَّاسِ صَائِمِينَ. الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ إِنَّهُمْ قَدْ نَالُوا مُكَافَأَتَهُمْ. أَمَّا أَنْتَ، فَعِنْدَمَا تَصُومُ، فَاغْسِلْ وَجْهَكَ، وَعَطِّرْ رَأْسَكَ، لِكَيْ لاَ تَظْهَرَ لِلنَّاسِ صَائِماً، بَلْ لأَبِيكَ الَّذِي فِي الْخَفَاءِ. وَأَبُوكَ الَّذِي يَرَى فِي الْخَفَاءِ، هُوَ يُكَافِئُكَ. ” (إنجيل مَتَّى 16:6-18)
- Systematic Theology, Second Edition: An Introduction to Biblical Doctrine. Grudem, Wayne A.
- The MacArthur Bible Commentary. John MacArthur.
مقالات مُشابِهة
صفحة الصوم الكبير
الهدف الحقيقي من الصوم
ما هو مفهوم الصوم في الإيمان المسيحيّ؟
الأساسيات في المسيحية