بوظة مرمية على الأرض

بعد أن كان مصيرها البقاء في دور الأيتام بعيداً عن حنان الأُمّ، كيف تغيَّرت حياتها؟

اسمُها فرح، هذا كل ما تَعرفهُ عن نفسها، وليسَ بحَوزتها إلَّا دُمية من قُماش بقِيَت معها حين تُرِكَت وحيدة على مقعد في حديقة عامَّة يومَ ترَكَتها والدتها بعد أن أعطتها المُثلَّجات التي اشترتها لها قائلةً انتظريني هُنا ريثما آتي، لكنَّ أُمَّها ذهبت ولم تعُد.

تنقَّلت فرح بعد ذلك بين دور الأيتام وقد تمَّ طردها والتَّخلِّي عنها أكثر من مرَّة بسبب شراسة طِباعها وقلَّة أخلاقها، فهي مُتنمِّرة صغيرة تضرِب وتسرِق وتؤذي الأطفال الآخرين من حولها. ظلَّت هكذا إلى أن التَقت بسيِّدة عجوز أتت إلى الميتم كي تتبنَّاها، وكانت تلك السَّيِّدة قد خسِرَت كل من تُحِبّ فابنها الوحيد وزوجته وأطفاله ماتوا جميعهم بحادث مُروري منذ سنة وبقِيَت وحيدة في هذه الحياة فقرَّرت أن تتبنَّى طفلة وحين رأت فرح اختارتها فوراً، لكنَّ فرح سألتها: لماذا تُريدين أن تأخذيني للعيش معكِ؟ فأنا لا أحد يُريدني أو يُحبّني لأنّي شرِّيرة وقبيحة، فتقدَّمت منها العجوز وغمرتها بحُب وعاطِفة لم تعرفهما فرح يوماً وقالت لها: أنت لستِ قبيحة بل أنتِ ذكيَّة وجميلة وأنا سوفَ أُساعدكِ كي تُخرجي الجمال الذي تُخفيه في داخلك وكي تستخدمي ذكاءكِ لمساعدة الآخرين، فتفاجأت فرح من هذا الكلام الذي كانت تسمعه لأوَّل مرَّة وتأثَّرت وأجهشت بالبُكاء.

التأثير الإيجابي

وها هي فرح بعد أن ارتَوَت من الحُبّ والحنان والرِّعاية الذين قدَّمتهُم لها السَّيِّدة العجوز، تتخرَّج طبيبة جرَّاحة للقلب وحين يسألها أحدهم لماذا اخترتِ هذا الاختصاص؟ تُجيب: لكي أُداوي القُلوب المجروحة لأنَّي ذُقت كم هو موجع ألم القُلوب المتروكة والوحيدة. ماتت العجوز قريرة العين بين يدَي فرح التي اعتنت بها حتى آخر لحظة من حياتها.

نحن نتسلَّح بالعُنف أحيانأ لكي نُخفي ضعفنا وقهرنا وعطَشنا للحنان، لكنَّنا بكلمة حُب وتشجيع نستطيع أن نتغيَّر ونُغيِّر ما حولنا ونصنع المستحيل، لأنَّ العطف والحنان هو أمر أساسي في أيّ إنسان، وهذا تماماً ما يفعله معنا الرَّب كمؤمنين.

“كَإِنْسَانٍ تُعَزِّيهِ أُمُّهُ هَكَذَا أُعَزِّيكُمْ أَنَا…” (سِفر إشَعياء 13:66)

الكاتبة: الأخت غادة

Author & Novelist


مقالات مُشابِهة

عدالة السماء
من اليأس إلى الفرح
المنتشل من النار


تبغى تتواصل مع مسيحي؟ تواصل معنا بكل امان الحين.