كانت تصنع الخير دوماً، لكنَّها حُورِبَت من أقرب النَّاس لها، فماذا كانت نتيجة فِعل الخير على حياتها؟
يُحكى أنَّ سيِّدة عاشت في منزلٍ صغيرٍ وسط الغابة وكانت تُربِّي عائلتها بخوفِ الله، وفي كل ليلة كانت تضع قنديلاً مُضاءً أما منزلها كي يستدِلّ على الطَّريق من تاهَ في الغابة، وكم عانت من انتقاد زوجها لها حين كان يقول: أنتِ تُسرِفين الزَّيت كي تُضيئي الطَّريق التي قد لا يمُرّ عليه أحد. وكانت دوماً تُجيبه: أنا موقِنة بأنَّ النُّور الذي أُضيئه سيَهدي دربنا ودرب أطفالنا حين تُباغتنا الظُّلمة يوماً ما. كانت متأكِّدة أنَّ الخير الذي تصنعه سيعود بالبرَكة عليها وعلى عائلتها.
وبعد سنينٍ طوال، ماتَ زوجها ودُفِن في الغابة بالقرب منزلهم، ثمَّ غادر أولادها الغابة ليَشقُّوا دروبهم في الحياة، وبقيَ ابنها الصَّغير يعيش معها في منزل الغابة. وذات تعرّف على فتاة من إحدى القُرى القريبة فأحبَّها وتزوجَّها وأسكنها مع والدته، لكنَّ عروسه كانت تشتكي يوميّاً من وجود أُمِّه معها في نفس المنزل وتقول إنَّ وجودها ينغِّص عليها عَيشها. ولشدَّة إصرارها ومع مرور الأيّام تقسّى قلب الاِبن على والدته وأراد أن يتخلَّص منها إرضاءً لزوجته، وصار يرى أنَّ سعادته المستقبليَّة ستكون مع زوجته فقط، وأنَّه لم يعُد بحاجة لأُمِّه.
قرّر الاِبن الصَّغير المُدلَّل أن يأخذ والدته إلى عُمق الغابة ويتركها وحدها هناك، وهو يعرف أنَّ امرأةً في مثل سنِّها لن تستطيع العودة، وهكذا سوف يُخبِر إخوته بأنَّ والدته تاهت في الغابة وفُقِدت. فسأل والدته قائلاً: يا أُمِّي هل تُرافقينني إلى عُمق الغابة غداً وتُعلِّميني أين أجد الأعشاب الثَّمينة التي كان والدي يقطفها كي آخُذ منها وأبيعها؟ فكما تعلمين أنا أصبحتُ رَجُل البيت الآن والمسؤول عن المصروف وحاجات المنزل. أجابته والدته مسرورة: أبشِر يا بُنَيّ فأنا خبيرة في الأعشاب كما تعلم، وسأدلُّك على العُشبة البرِّيَّة الثَّمنية التي اعتاد والدك على تجميعها.
الطريق إلى الغابة
غادرت مع ابنها في الصَّباح وحين وصَلا إلى عُمق الغابة تركَ والدته تبحث عن العُشبة، وهربَ عائداً إلى المنزل مطمئنّاً بأن أُمَّه غير قادرة على العودة وحدها. لكنَّه تفاجأ حين رآها تفتح باب المنزل عند منتصَف اللَّيل وتحمل بيدها سلَّة مملوءة بالأعشاب الثَّمينة، فركضَ ملهوفاً يقول لها: ظننتُ أنَّك قد تُهتِ في الغابة يا أُمِّي، فابتسمت وقالت: داهمتني الظُّلمة يا ولدي لكنَّ يراعاتٍ مضيئة كالقناديل الصَّغيرة أضاءت لي دربي ورافقتني إلى باب المنزل.
فأسرع الاِبن مع طلوع الفجر وأخذ الأعشاب وقصدَ رَجُلاً خبيراً بجميع أصنافها وباعها له بمبلغ كبير من المال. عاد للمنزل شاكراً والدته، وقد أحسَّ بالنَّدم بعدما صارت هذه الحادثة تُذكِّره بعاطفة والدته عليه. وحين رأت زوجته ذلك، اغتاظت جدّاً وقرَّرت أن تُرافق حماتها ليلاً لتتنزَّه معها، وكانت مُصمِّمة بأنَّها ستدفعها عن جُرفٍ عالٍ وستقول لزوجها بأنَّ أُمَّه تعثَّرت وحدها وسقطت. لكنَّها كانت تتعثَّر في الظَّلام كُلَّما حاولت أن تدفع حماتها، أمَّا الحماة فكانت تمشي وكأنَّ ضوء النَّهار يُضيء طريقها. وبعد عدَّة محاولات فاشلة، تعثرَّت الكنَّة وسقطت عن جُرفٍ عالٍ فأسرعت حماتها لطلَب النَّجدة وتخليص كنَّتها، لكنَّ الأوان كان قد فات وفارقت الكنَّة الحياة.
العبرة
الخير الذي كانت تزرعه هذه المرأة لم يذهب سُدىً، بل حَماها من مكايد الشَّرّ التي حيكَت ضدَّها، والقنديل الذي كانت تُضيؤه للتَّائهين في الغابة، كان سبباً في إضاءة العديد من اليراعات التي أنارت لها طريقها. لذلك اِفعل الخير دون تردُّد، وتأكَّد بأنَّ هذا الخير سيعود عليك بالمنفعة حتماً يوماً ما. وكما تقول كلمة الرَّب:
“اطْرَحْ خُبْزَكَ عَلَى وَجْهِ الْمِيَاهِ، فَإِنَّكَ تَجِدُهُ بَعْدَ أَيَّامٍ كَثِيرَةٍ.” (سِفر الجامعة 1:11)