الكنز الفاني

عبثاً حاولت سميرة أن تُثني ابنتها سوسن عن سَعيِها في زيادة تكلفة الإيجار على سُكَّان البيت الآخر الذي ورَّثها إيَّاه والدها قبل وفاته. كانت سميرة تقول لابنتها دائماً: يا ابنتي نحن لسنا بحاجة إلى ثمَن إيجار ذلكَ المنزل، وهؤلاء المُستأجِرون هم أناسٌ فقراء فلا تزيدي عليهم التَّكلفة. لكن ابنتها كانت تجيبها بشكل متكرِّر: يا أُمِّي إنَّ ثمَن الإيجارات في ارتفاعٍ مستمرّ، ونحنُ صابرون على أولئكَ المُستأجِرين منذ مدَّة، وما نأخذهُ منهم يكاد لا يُذكَر، فإلى متى نصبر عليهم؟ ولماذا لا نزيد مدخولنا أو نبيع البيت ونستثمر في ثمنه؟

وبعد فترة من الحيرة في أمر ذلكَ البيت، اتَّفقت سوسن مع أحد الأشخاص كي يشتريه منها بمبلغ جيِّد دونَ موافقة والدتها، وقبضَت ثمَن المنزل وحوَّلت المبلغ للعُملَة المحلِّيَّة ثمَّ وضعته في المصرف لتحصل على فائدته الشَّهريَّة. أمَّا الشَّاري فطرَدَ المُستأجِر وعائلته من المنزل دون أيّ وازع ضمير، وراحَ المُستأجِر يُعاني الأمَرَّين كي يجد منزلاً يؤويهِ مع عائلته بإيجار مناسب في خِضم الأزمة الاقتصاديَّة التي تعمّ البلاد.

وبعد أقلّ من شهرين، بدأت تظهر بوادر الأزمة الاقتصاديَّة على المصارف كلّها، ولم تعُد سوسن تستطيع أن تسحب المبلغ الذي وضعته في البنك، وتدَهورَت قيمة العُملَة المحليَّة فأصبحَ المبلغ الذي باعت الشقَّة فيه لا يؤمِّن مصروفها لشهرٍ واحد.

كادت سوسن أن تنهار أمام هذه المشكلة، فقالت لها والدتها: ماذا كَسِبتِ الآن سِوى أنَّكِ آذَيتِ أُناسٌ فقراء كانوا يحتَمون في ذاكَ المنزل؟ والآن خَسِرتِ خَسارة أعظم من خَسارتهِم، وها أنتِ تدفعينَ ثمَن قساوة قلبك وجشعك للمال، فكانَ حَرِيّاً بكِ أن تكسبي ثواب هؤلاء النَّاس طالما أنَّ الله يسدِّد احتياجاتك ولا يُعوِزكِ شيء، وأن تكنِزي لكِ كَنزاً في السَّماء لا يفنى.

العبرة

قال الرَّب يسوع:
“لاَ تَكْنِزُوا لَكُمْ كُنُوزاً عَلَى الأَرْضِ، حَيْثُ يُفْسِدُهَا السُّوسُ وَالصَّدَأُ، وَيَنْقُبُ عَنْهَا اللُّصُوصُ وَيَسْرِقُونَ. بَلِ اكْنِزُوا لَكُمْ كُنُوزاً فِي السَّمَاءِ، حَيْثُ لاَ يُفْسِدُهَا سُوسٌ وَلاَ يَنْقُبُ عَنْهَا لُصُوصٌ وَلاَ يَسْرِقُونَ. فَحَيْثُ يَكُونُ كَنْزُكَ، هُنَاكَ أَيْضاً يَكُونُ قَلْبُكَ!” (إنجيل متَّى 19:6-21)

لنجعل من كلمات هذه الآية أساساً نحيا عليه، ولا نتَّكِل على أموالنا وكُنوزنا الأرضيَّة، لأنَّ كل شيء في الدُّنيا يتغيَّر إلَّا الله وكلمته الصَّادقة، فلنعملِ الخير مع الجميع ونكنِز كُنوزاً في السَّماء حيث لا يُفسدها سُوس ولا يَطالها صَدأ.

---

مقالات مُشابِهة

الشاهد
عدالة السماء
قصة سارة

---