من خِلال الإيمان بالمسيح يحصُل المؤمن على طَبيعة جَديدة تَسعى لطاعَة الله، حيثُ يتَبَرَّر أمام العَدالة الإلهيَّة لأنَّ المسيح دفَعَ عنهُ الثَّمَن بالكامِل. وبالإضافة إلى ذلك يُعطى المؤمن سُلطاناً بأن يُدعى “اِبن الله”، ويُسَمّي بولُس الرَّسول هذه البُنُوَّة بالتَّبَنّي الإلهي، لكن ماذا يعني ذلك؟ سنَعرِف أكثَر في المقال التالي.
إنَّ التَّبَنّي إذا أرَدنا تَفسيره بحَسَب مَدلول الكَلِمة اليونانِيَّة كما جاءَت في الكِتاب المُقدَّس، يَعني “اتِّخاذ الإنسان كَإِبن”. وعندما نَقول التَّبَنّي الإلهي للمؤمنين يَعني ذلك “اتِّخاذهُم أبناءً لله”¹، ويُشير هذا التَّبَنّي إلى الحُقوق والاِمتيازات التي حَصَلوا عليها في المسيح. حيثُ أنَّ يوحَنَّا البَشير يُنَوِّه في أكثَر من مَوضِع بأنَّ المؤمنين هُم أبناء الله، فنحنُ قَد وُلِدنا من الله عندَ إيماننا بالمسيح (إنجيل يوحَنَّا 12:1).
يقول ويليام إيفانز: “يرتَبِط التَّجديد بالتَّغيير في طَبيعَة الإنسان، والتَّبرير بالتَّغيير في مَكانَة الإنسان، والتَّقديس بالتَّغيير في الشَّخصِيَّة، أمَّا التَبَنّي فيَرتَبِط بالتَّغيير في المَركَز الاِجتِماعي (روحِيّاً). ففي التَّجديد نُصبِح أبناء الله، وفي التَّبَنّي نحصُل على مَكانَة الاِبن البالِغ…”² ويَقصِد في (الاِبن البالِغ) هو أنَّ كَنيسَة العَهد الجَديد كما يُشَبِّهها بولُس في رِسالة غَلاطية أصبَحت هي الاِبن البالِغ القادِر أن يَرِث من أبيه، لأنَّ النَّاموس يُشَبَّه بأنَّهُ كانَ للقاصِرين وأنَّ هَدَفَهُ كانَ تَحضيرهم ومُساعَدتهم على البُلوغ الرُّوحي، وهذا ما تَمَّ عندَ مَجيء المسيح. فقَبلَ ذلك كانَ اليَهود قاصِرين والأُمَم كانوا غُرَباء، أمَّا بعدَ مَجيء المسيح فقَد صارَ كُل من يؤمن بهِ يحصُل على امتِياز أن يُدعى “اِبن لله” سَواء كانَ يَهودِيّاً أم أُمَمِيّاً.
لقَد تَفَرَّدَ بولُس الرَّسول في التَّعليم عن تَبَنّي المؤمنين في الكِتاب المُقدَّس، أمَّا باقي الأسفار المُقَدَّسة في العَهد الجَديد فَلا تَذكُر التَّبَنّي بشَكل مُباشَر، لكِنَّها تَتَحَدَّث عن بَرَكات التَّبَنّي التي يُخبِرنا بِها بولُس والتي نَحصُل عليها عَبر التَّجديد والتَّبرير. إنَّ كَلِمَة “تَبَنّي” لم تَرِد سِوى 5 مَرَّات في الكِتاب المُقدَّس من خِلال رَسائِل بولُس فقَط. وقَد أطلَقَ بولُس هذا التَّعبير مَرَّة واحِدة على بَني إسرائيل (رسالة روما 4:9)، وفي مَوضِع آخَر عَزا إتَمام تَحقيق التَّبَنّي بالكامِل إلى المَجيء الثَّاني للمسيح (رسالة روما 23:8)، أمَّا في المَواضِع الثَّلاثة الأُخرى فأعلَنَ أنَّ التَّبَنّي هو حَقيقة حاضِرة في حَياة الإنسان المَسيحي.
وبحَسَب بولُس الرَّسول يَتِمّ هذا التَّبَنّي في ثَلاثة أزمِنة، وهي
أولاً: تَبَنّي المؤمنين قَد تَمَّ منذُ الأزَل، لأنَّ الله قَدَّرَ لَهُم هذا المَركَز قَبلَ بَدء الخَليقة.
“إِذْ سَبَقَ فَعَيَّنَنَا فِي الْمَحَبَّةِ لِيَتَّخِذَنَا أَبْنَاءً لَهُ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ…” (رسالة بولُس الرَّسول إلى أهل أفَسُس 5:1)
ثانياً: على المُستَوى الشَّخصي الفَردي يَنال المؤمن التَّبَنّي فِعلِيّاً حينَ يؤمن بيسوع المسيح رَبّاً ومُخَلِّصاً.
“لأَنَّكُمْ جَمِيعًا أَبْنَاءُ اللهِ بِالإِيمَانِ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ..” (رسالة بولُس الرَّسول إلى أهل غَلاطية 26:3)
ثالثاً: لن تَتَحَقَّق البُنُوَّة تَماماً إلَّا بمَجيء المسيح الثَّاني، لأنّ حينَها فقَط سَوف يَكتَمِل التَّبَنّي، حيثُ تَنجو أجسادنا من الفَساد والفَناء وتَتغَيَّر.
“أَمَّا نَحْنُ، فَإِنَّ وَطَنَنَا فِي السَّمَاوَاتِ الَّتِي مِنْهَا نَنْتَظِرُ عَوْدَةَ مُخَلِّصِنَا الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي سَيُحَوِّلُ جَسَدَنَا الْوَضِيعَ إِلَى صُورَةٍ مُطَابِقَةٍ لِجَسَدِهِ الْمَجِيدِ، وَفْقاً لِعَمَلِ قُدْرَتِهِ عَلَى إِخْضَاعِ كُلِّ شَيْءٍ لِنَفْسِهِ.” (رسالة بولُس الرَّسول إلى أهل فيلِبّي 20:3-21).
نتائج التبني
لهذا التَّبَنّي ثَلاث نَتائِج، وهي:
أولاً: افتِداء الذينَ هُم تحتَ النَّاموس، أي تَحرير المؤمنين من عُبودِيَّة النَّاموس وفَرائِض الشَّريعة الطَّقسِيَّة.
ثانياً: حُصول المؤمن على عُربون الميراث الذي يَهَبهُ الله لأبنائهِ أي “الرُّوح القُدُس”، وهو عُربون مَبدَئي من الميراث الكامِل الذي سيَنالهُ المؤمنون عندَ المَجيء الثَّاني للمسيح.
ثالثاً: سُلوك المؤمن بحَسَب مَشيئة الله وقِيادَة الرُّوح القُدُس، فعندَما يُدرِك المؤمن قيمَة هذه العَطِيَّة السَّامِية، عليهِ أن يَعمَل على طاعَة الآب ويُبدي لَهُ روح البُنُوَّة. فتَكون النَّتيجة ازدِياد التَّشابُه مع صُورَة اِبن الله (المسيح). وفي المُستَقبَل سَوف يُستَعلَن المؤمن كأحَد أبناء الله أي سيكون مع المسيح في المَجد.
إذاً لهذا التَّبَنّي بَرَكات عَديدة في حَياة المؤمن، فهو يُظهِر لنا مَحَبَّة الله العَظيمة ورِعايته الأبَوِيَّة لأنَّنا صِرنا جُزءاً من هذه العائِلة المُبارَكة، وقَد أعطانا الله روح التَّبَنّي الذي بهِ نَصرُخ يا أبّا الآب، وهو لا يَزال يَعمَل في حَياتِنا كُل يَوم لكي نَنمو أكثَر فأكثَر إلى صورَة المسيح الذي هو البِكر بينَ إخوة كَثيرين (رسالة روما 29:8).
- Strong’s Greek 5206. υἱοθεσία (huiothesia) adoption.
- The Doctrines of Salvation: Adoption. William Evans.
مقالات مُشابِهة
آيات عن التبني
ليش تجسد الله؟
الأساسيات في المسيحية