كُلَّما قَرأتُ في سِفر اللَّاوِيِّين عن تَقديم الذَّبائِح في خَيمَة الاِجتِماع، أتَخَيُّل لو أنَّي كنتُ في ذلكَ الزَّمان والمَكان فسَيكونُ عليَّ أن أُقَدِّم الذَّبائح عن خَطاياي بنَفس الطَّريقة التي يَذكُرها لنا السِّفر، فأجِدُ نَفسي أقول: ما هذه المَجزَرة! دِماء مَسفوكة حَول المَذبَح وعلى الحِجاب، رائِحَة الجِلد واللَّحم المُحتَرِق تَملَأُ المَكان، عِظام الذَّبائِح التي تُحاوِل النِّيران المُستَعِرة على المَذبَح أن تَلتَهِمها، والحَيوانات التي تَقِف مُنتَظِرَةً دَورها كي تُذبَح لا لِذَنبٍ ارتَكَبَتهُ هي بَل فقَط لكي تَدفَع ثَمَن ذُنوب ارتَكَبها الإنسان.
في الحَقيقة هو مَشهَد مُخيف، غير جَميل على الإطلاق، لكنَّ الله هو من طَلَبَ من شَعبهِ في العَهد القَديم أن يُمارِسوا العِبادة بهذه الطَّريقة، وكانَ يَقصِد أن تَترُك الذَّبائِح هذا الاِنطِباع لدى الشَّعب لكي يُدرِكوا مَدى قَباحَة خَطاياهُم. وكأنَّ الله يقول لنا من خِلال تِلكَ الذَّبائِح بأنَّ هذه هي رائِحَة خَطايانا وشِدَّة بَشاعَتها في نَظرِه.
“إِنَّمَا خَطَايَاكُمْ أَضْحَتْ تَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ إِلَهِكُمْ، وَآثَامُكُمْ حَجَبَتْ وَجْهَهُ عَنْكُمْ، فَلَمْ يَسْمَعْ،” (سِفر إشَعياء 2:59)
نعَم خَطايانا بَشِعة جِدّاً ومُلَوَّثة بالدِّماء ورائِحَتها نَتِنة، وهي جَرائِم بكُل ما تَحمِل الكَلِمة من مَعنى، جَرائِم ضِدّ الله أوَّلاً، لأنَّ الخَطيئة هي تَمَرُّد مُباشَر على الله، وعِصيان كامِل لشَريعَته ووَصاياه، ومُجَرَّد ارتِكابها يَحكُم علينا بالمَوت الأبَدي. لكن العِبادة بتِلكَ الطَّريقة لم تَكُن قادِرة أن تُخَلِّص بالتَّمام أو تُكَفِّر حَقّاً عن الذُّنوب المُرتَكَبة، لأنَّها كانَت رُموزاً أرادَ الرَّب من خِلالها أن يُهَيِّئ الشَّعب للأُضحِية الحَقيقيَّة العَظيمة التي سَتأتي لاحِقاً (أُضحِيَة المسيح) والقادِرة أن تُكَفِّر عن كُل الذُّنوب.
وقَد أتى يسوع الذي هو الحَمَل الكامِل بِلا عَيب، الطَّاهِر الذي لم يَعرِف الإثم، البارّ الذي لم يَفعَل خَطيئة، فَحَمَلَ آثامَنا وتَحَمَّلَ بَشاعَة خَطايانا المُنتَنَّة وصارَ خَطيئَةً لأجلِنا دونَ ذَنبٍ ارتَكَبهُ هو، بل فقَط لكي يُكَفِّر عنَّا ويُنقِذنا من العِقاب ويُخلِّصنا من المَوت الأبَدي عبر الإيمان به.
“إِلاَّ أَنَّهُ كَانَ مَجْرُوحاً مِنْ أَجْلِ آثَامِنَا وَمَسْحُوقاً مِنْ أَجْلِ مَعَاصِينَا، حَلَّ بِهِ تَأْدِيبُ سَلاَمِنَا، وَبِجِرَاحِهِ بَرِئْنَا. كُلُّنَا كَغَنَمٍ شَرَدْنَا مِلْنَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى سَبِيلِهِ، فَأَثْقَلَ الرَّبُّ كَاهِلَهُ بِإِثْمِ جَمِيعِنَا.” (سِفر إشَعياء 5:53-6)
إنَّ التَّأمُّل في هذا الأمر يُرينا مَدى عَظَمَة إلهنا ومَحَبَّته الباذِلة وتَتميمه لوُعوده. ويُعَلِّمنا أنَّ علينا ألَّا نتَهاوَن بالخَطيئة ولا نَتَساهَل مَعها. فأحياناً نُخطِئ دونَ أن نَشعُر بذلك، وإن شَعَرنا بخَطَئِنا فرُبَّما نُسَخِّفهُ ونَعتَبِرهُ غير مَحسوب من وجهَة نَظَرنا، لكنَّ كَلِمَة الله تقول أنَّ كُل من يَفعَل الخَطيئة هو عَبدٌ لها بِغَضّ النَّظر عن حَجمها، وفي مِقياس قَداسَة الله لا يوجَد كَبائِر وصَغائِر في الذُّنوب، فالخَطيئة تؤدِّي بنا إلى اِنفِصالِنا عن الله مَهما كَبُرَت أو صَغُرَت في عُيونِنا.
“لأَنَّ أُجْرَةَ الْخَطِيئَةِ هِيَ الْمَوْتُ، وَأَمَّا هِبَةُ اللهِ فَهِيَ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا.” (رسالة بولُس إلى أهل روما 23:6)
فلنَشكُر الله في كُل حين على العَهد الجَديد الذي قَطعَهُ بدَمِه ليُنقِذنا من الجَحيم الأبَدي الذي نَستَحِقّ، ولنَعِش حَياة الإيمان بكُل قَداسة، ولنَكُن أُمَناء في عَلاقتنا مع هذا الإله المُحِبّ الذي ضَحَّى بنَفسهِ لكي يُعطينا الحَياة، ولنُمَجِّد اسمهُ دائِماً وأبَداً على خَلاصهِ العَظيم الذي قَدَّمَهُ لنا دونَ أن نَستَحِقّه.
وَلاَ عَجَبَ! فَوَفْقاً لِلنِّظَامِ السَّابِقِ، كَانَ دَمُ الثِّيرَانِ وَالتُّيُوسِ يُرَشُّ عَلَى الْمُنَجَّسِينَ، مَعَ رَمَادِ عِجْلَةٍ مَحْرُوقَةٍ، فَيَصِيرُونَ طَاهِرِينَ طَهَارَةً جَسَدِيَّةً. فَكَمْ بِالأَحْرَى دَمُ الْمَسِيحِ الَّذِي قَدَّمَ نَفْسَهُ لِلهِ بِرُوحٍ أَزَلِيٍّ ذَبِيحَةً لاَ عَيْبَ فِيهَا، يُطَهِّرُ ضَمَائِرَنَا مِنَ الأَعْمَالِ الْمَيِّتَةِ لِنَعْبُدَ اللهَ الْحَيَّ. (الرِّسالة إلى العِبرانِيِّين 13:9-14)
مقالات مُشابِهة
الأضحية الحقيقية
الخطيئة والفداء (الجزء الأول)
الخطيئة والفداء (الجزء الثاني)