اعتقدت عبلة أنَّ آمالها بأن تصير أُمّاً قد تلاشت، لكنَّها لم تكن تعلم ما يُخبَّأ لها. فما الذي حصل معها ليلة العيد؟
كانت عبلة منهارة، فهي تحاول منذ عشر سنوات إنجاب طفل، وفي كل مرَّة تُجهِض طفلها قبل الشَّهر الثَّالث، برغم العلاجات والأدوية وعدم حراكها من السَّرير. لكن في إحدى المرَّات بدا لها الأمر مختلفاً، فها هي قد تخطَّت الشَّهر الثَّالث وعلى وشك أن تُنهي الرَّابع، وكل شيء كان يبدو على ما يُرام. لكن في ليلة عيد الميلاد المجيد حصل ما كانت تخاف منه حين أحسَّت بأعراض الإجهاض، وكانت مشاعر الألم هذه أصعب من كل مرَّة لأنَّها كانت متفائلة أكثر من أيّ مرَّة سابقة.
بالرَّغم من حُزنها الشَّديد، حاولت أن تكتُم ما تشعر به ولم تخبر أحداً. وبعد العشاء، غادر الجميع البيت للذَّهاب الى الكنيسة احتفالاً بالميلاد كما جرت العادة.
أرادت عبلة البقاء وحدها في البيت مُتعذِّرةً بالتَّعب، فقال لها زوجها: “سأبقى معك هنا إن لم تذهبي معنا”. فأجابته: “أرجوك أن تذهب إلى الكنيسة واذكُرني في صلاتك فأنا مُتعَبة وبحاجة للنَّوم”.
صرخة عبلة
غادر زوجها مع أهله وكل الضُّيوف الحاضرين على مائدة عشاء ليلة العيد تلك. وبعد أن أصبحت عبلة وحدها في المنزل، راحت تصيح وتصرخ كالمجانين وتقول: “أين أنت يا رب؟ أين أنت؟ أنا إنسانة ضعيفة وخاطئة ككل البشر، وبالرَّغم من ذلك لو أتى عدوِّي في هذه اللَّيلة المجيدة وقال لي أعطيني أنا محتاج، فسوف أُعطيه حاجته وربَّما أُعطيه أكثر من قُدرتي، لأنَّ هذه اللَّيلة بالذَّات هي التي أعطتنا الرَّجاء والأمل والحُب والدِّفء منذ كنَّا صغاراً. هذه اللَّيلة التي اختبرنا فيها عظمتك وقُدرتك، أنت الخالق رب السَّماء والأرض، يا من تجسَّدتَ بطفلٍ مولود من أجل خلاصنا نحن البشر. ليس مستحيلاً عليك أن تساعدني كي أُكمل شهور حَملي وأحتضن طفلي كما احتضنتك مريم عندما تجسَّدتَ في هذه الليلة. أنا أصرخ لك: أين أنت؟ يا من ترأَّفت على الذين صلبوك، ترأَّف عليَّ وساعدني، لا أريد أن أقهر نفسي وأقهر زوجي وأهله”.
وبعد انفعالها وبكائها، أحسَّت بالتَّعب الشَّديد ونامت. وحين استيقظت صباحاً كان الألم قد خَفّ، لكنَّ دماءها لم تتوقَّف. فأخبرت زوجها الذي أسرع لنقلها إلى المستشفى، فطمأنها الطَّبيب هناك بأنَّ وضع الجنين جيِّد، وأنَّ هذه الدِّماء ستتوقَّف من خلال المعالجة بالمُضادَّات الحيويَّة التي أعطاها لها. كم كانت سعادة عبلة كبيرة بالرَّغم من أنَّها مُحتجَزة في المستشفى خلال فترة الأعياد.
الذكرى السعيدة
كل تلك الأحداث كانت تتذكَّرها عبلة وهي تحمل ابنتها التي أسمتها “مَلاك” لأنَّها اعتبرتها ملاكاً مُرسَلاً إليها كهديَّة من السَّماء. وحين كبُرت الفتاة، كانت أُمها تخبرها هذه القصَّة دوماً في عيد الميلاد كي تُعلِّمها أنَّ في ليلة الميلاد تتحوَّل كل الأشياء القبيحة الموجعة إلى بهجة وسعادة وفرح. وها صلاتي أن يكون هذا الزَّمن الميلادي المجيد حاملاً تحقيقاً لكل أُمنياتنا وأُمنياتكم أجمعين.
“إِنَّ الْمُسْتَحِيلَ عِنْدَ النَّاسِ مُسْتَطَاعٌ عِنْدَ اللهِ!” (إنجيل لوقا 27:18)
مقالات مُشابِهة
الكنز الفاني
قيود الشهوة وحرية التوبة
قصة سارة