قدَّمت الكثير دون أن تنتظر المقابل، لكنَّ العطاء عاد إليها بطرُق غير متوقَّعة.
توفِّيَ والدا أحلام وهي طفلة صغيرة، فربَّاها عمّها في بيته. ورغم أنَّهم لم يُشعروها يوماً بأنَّها عِبءٌ عليهم، إلَّا أنَّها كانت تشعر بذلك في داخلها. لذا، كانت تساعد زوجة عمّها في جميع أعمال المنزل، وتجتهد في دراستها، ثمَّ ابتدأت تعمل مساءً في أحد المطاعم، مُدَّخِرةً المال لمستقبلها.
وذات مساء، التقت بطفلة صغيرة كان عمرها يُقارب عمر أحلام حين توفِّيَ والداها، أي في السَّابعة أو الثَّامنة من عمرها. دخلت الطِّفلة إلى المطعم تبيع الزُّهور، فتقدَّمت منها أحلام وقالت لها بلُطف: “تعالي معي”. خافت الفتاة وتوسَّلت قائلة: “أرجوكِ، دعيني أبيع الزُّهور هنا، فالبرد قارِس في الخارج.” غمرَتها أحلام بذراعيها وقالت: “لا تخافي، ألستِ جائعة؟ تعالي، سأُطعمكِ طبقًا شهيّاً”.
أحضرت لها بعض الطَّعام الذي يُسمح للعاملين في المطعم بالحصول عليه أثناء دوامهم. فبدأت الطِّفلة تأكل بنَهَم بينما كانت أحلام تنظر إليها بحنان، ثمَّ سألتها برِفق عن اسمها وقصَّتها.
أجابتها الصَّغيرة: “اِسمي ليلى. توفِّيَ والدي، أمَّا والدتي فتعمل بالتَّنظيف ليلاً في إحدى المستشفيات، وفي النَّهار تُنظِّف البيوت. ودون أن تعلَم، قرَّرتُ أنا أن أبيع الزُّهور كي أُساعدها”. سألتها أحلام: “وهل لديكِ إخوة؟” ابتسمت ليلى وقالت: “نعم، أُختي ليال أكبر منِّي بِعام، وهي تهتم بأخي الصَّغير.”
يد المساعدة
عندما أنهت أحلام عملها، رافقت ليلى إلى منزلها، وهناك أعطتها بعض المال وهمست لها: “سأعود لزيارتكم وأُساعدكم، لكن رجاءً، لا تُخبري والدتك، ولا تُحاولي العمل مجدَّداً. ركِّزي فقط على دراستكِ واجتهدي.”
لم تُفكِّر أحلام بنفسها، ولا بأنَّها تعمل لجمع المال من أجل دراستها الجامعيَّة، بل راحت تجتهد أكثر في عملها، لا لشيءٍ سوى لتتمكَّن من مساعدة ليلى وعائلتها. كانت تدفع إيجار منزلهم، وتُرسل لهم المال والمؤن الغذائيَّة، مُرفِقةً إيَّاها بورقة كُتب عليها: “مِن فاعل خير”.
ومرَّت السنوات وتزوَّجت أحلام بعد أن أنهت دراستها الجامعيَّة وأصبحت مُعلِّمة للُّغة الإنجليزيَّة. أمَّا ليلى، فصارت إحدى تلميذاتها المتفوِّقات، وكانت فتاةً طموحة، ولم تنسَ أبداً فضل أحلام عليها.
العبرة
تذكَّر دائماً أنَّ العطاء يعود لكَ أضعافاً، فحين تُعطي المحتاج بفرحٍ وسُرور، فإنَّك لا تُحسِن إلى الفقير فقط، بل تُقرِض الرَّب الذي لا يضيع عنده شيء. وتذكَّر هذه الآية الجميلة التي تقول:
“مَنْ يَرْحَمْ الْفَقِيرَ يُقْرِضْ الرَّبَّ، وَيُكَافِئْهُ الرَّبُّ عَلَى حُسْنِ صَنِيعِهِ” (سِفر الأمثال 17:19)
مقالات مُشابِهة
الكنز الفاني
قيود الشهوة وحرية التوبة
قصة سارة