يُعتَبَر عيد الشَّعانين أحَد الأعياد الكُبرى في الرُّوزنامة المسيحِيَّة. فهو ذِكرى دُخول المسيح إلى مَدينَة أورشَليم، حَيثُ هَلَّلَ لهُ الشَّعب وعَزَّزوهُ كمَلِك. وهذا الدّخول لم يَكُن دُخولاً عادِيّاً بَل كانَ تَتميماً للنُّبوءات، ككثير من الأحداث التي تَمَّت في حَياة يسوع.
يُحتَفَل بعيد الشَّعانين في الأحَّد الذي يَسبِق عيد الفِصح1 ، ويَرمُز هذا العيد إلى خِدمَة المسيح التي تَمَيَّزَت بثَلاث أدوار: المَلِك، النَّبي، ورَئيس الكَهَنة.
المسيح الملك
أتَت النُّبوءة في سِفر النَّبي زَكَرِيَّا الذي تَنَبَّأَ وقال:
“ابْتَهِجِي جِدّاً يَا ابْنَةَ صِهْيَوْنَ وَاهْتُفِي يَا ابْنَةَ أُورُشَلِيمَ، لأَنَّ هُوَذَا مَلِكُكِ مُقْبِلٌ إِلَيْكِ. هُوَ عَادِلٌ ظَافِرٌ، وَلَكِنَّهُ وَدِيعٌ رَاكِبٌ عَلَى أَتَانٍ، عَلَى جَحْشٍ ابْنِ أَتَانٍ.” (سِفر زَكَرِيَّا 9:9)
وتَمَّمَ الرَّب يسوع هذه النُّبوءة حينَ دَخَلَ المَدينة على أتانٍ بعدَ أن طَلَبَ من تِلميذَينِ من تَلاميذه أن يَدخُلا المَدينة ويُحضِرا الأتان التي يَحتاجها الرَّب، وبعدَ إحضارها دَخَلَ الرَّب عليها إلى المَدينة مُتَمِّماً النُّبوءة. فاستَقبَلَهُ أهل المَدينة بهُتافات وإجلال:
“وَأَخَذَ جَمْعٌ كَبِيرٌ جِدّاً يَفْرُشُونَ الطَّرِيقَ بِثِيَابِهِمْ، وَأَخَذَ آخَرُونَ يَقْطَعُونَ أَغْصَانَ الشَّجَرِ وَيَفْرُشُونَ بِها الطَّرِيقَ. وَكَانَتِ الْجُمُوعُ الَّتِي تَقَدَّمَتْ يَسُوعَ وَالَّتِي مَشَتْ خَلْفَهُ تَهْتِفُ قَائِلَةً: “أُوصَنَّا لاِبْنِ دَاوُدَ! مُبَارَكٌ الآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ! أُوصَنَّا فِي الأَعَالِي!” (إنجيل مَتَّى 8:21-9)
المسيح النبي
بعدَ أن تَساءَلَ النَّاس المَوجودين من هو هذا الشَّخص؟ أتاهُم الجَواب بأنَّهُ يسوع النَّاصِري، النَّبي الذي من الجَليل. فَدُخول المسيح لمَدينَة أورشَليم كانَ إظهاراً لعَمَلهِ النَّبَوي، فالنَّبي في العَهد القَديم كانَ المُتَكَلِّم عن الله، الرَّجُل الذي يَضَع الله الكَلام بفَمِهِ ليُكَلِّم الشَّعب. وكانَ كَلام المسيح خِلال خِدمَته مُتَمَحوِر حَولَ مَلَكوت الله، الدَّينونة، والتَّوبة.
المسيح الكاهن
دُخول المسيح إلى أورشَليم أيضاً عَبَّرَ عن دَورهِ ككاهِن، فالآن هو رَئيس كَهَنة إلى الأبَد، لكنَّهُ اكتَسَبَ هذا اللَّقَب بعدَما قَدَّمَ الفِداء عن شَعبهِ في المَدينة نَفسها.2 فهو رَئيس الكَهَنة الذي ذاقَ جَميع أنواع الألَم والجوع والعَطَش لكنَّهُ بدون أيّ خَطيئة ولذلك هو قادِر أن يكون لنا الشَّفيع والوَسيط الوَحيد. (العِبرانِيّين 14:4-16)
هو رَئيس كَهَنة إلى الأبَد
الدخول والموت
تَبدو المُقارَنة بينَ يَوم دُخول المسيح إلى أورشَليم ويَوم مَوته مُثيرة جِدّاً. فقَد دَخَلَ المسيح إلى أورشَليم مُكَلَّلاً بالمَجد راكِباً على أتانٍ لم يَركَبها أحَد قَبله، جالِساً عليها والثِّياب مَفروشة لهُ على الأرض. أمَّا عندَ مَوته، فكَلَّلوهُ بِتاجٍ من الشَّوك ساخِرينَ من مُلكِه، وكانَ المسيح هذه المَرَّة هو وَسيلَة النَّقل بَدَل أن يكون راكِباً عليها، حينَ حَمَلَ صَليبهُ إلى أعلى الجُلجُثة. وعندما سَأَلَ الشَّعب من هو هذا؟ كانَ الجَواب صارِماً وواضِحاً بأنَّ هذا هو يسوع النَّبي، أمَّا عندَ صَلبهِ فكانوا يَسألوهُ ويَسخَروا مِنهُ قائِلين: “إن كُنتَ فِعلاً اِبن الله فَخَلِّص نَفسَك عن الصَّليب”.
الخاتمة
لكن العَجيب بقِيام النَّاس اليَوم بهذا الاِحتِفال هو عَدَم إدراكِهم أنَّ بعدَ أُسبوع على الأكثَر، الأشخاص ذاتهُم الذينَ هَتَفوا للمسيح كالمَلِك المُنتَظَر، صَرَخوا بأعلى صَوتهِم “اصلبهُ، اصلبهُ”. فما أهَمِّيَّة هذا الأمر؟ إنَّ دُخول المسيح لمَدينة أورشَليم كانَ لتَثبيت شَخصِيَّته أنَّهُ هو المَلِك والنَّبي والكاهِن المُنتَظَر الذي سَوفَ يُتَمِّم جَميع نُبُوَّات العَهد القَديم عن شَخص المسيح. فإنَّنا بالحَقيقة اليَوم نَحتَفِل بعَمَل المسيح الكامِل والمِثالي. فبَدل الاِلتِهاء بحَمل الأغصان وإعادَة المَشهَد الذي حَدَثَ في ذلكَ اليَوم، دَعونا نُقَدِّم المَهابة لهذا المَلِك الذي يَملك الآن كَونه مَلِك المُلوك، ونَقوم بفِعل ما طَلَبَهُ مِنَّا، نَشر إنجيل الفِداء.
- The Concise Evangelical Dictionary of Theology. Walter A. Elwell.
- The Work of Christ. R.C. Sproul.
الكاتب: الأخ كمال
Minister & Theologian
مقالات مُشابِهة
ما هو عيد الفصح؟
آيات عن عيد الفصح
متى صلب المسيح؟