Envelope on a counter

اتَّكل أيمن على امرأة مُسنَّة بعد أن فقد والده، لكنه تعلَّم درساً لن ينساه بعد أن فقدها هي أيضاً.

كان أيمن في الثالثة عشرة من عمره حين فقدَ والده، وأمام الفاجعة التي أصابت عائلته الفقيرة، قال أيمن لوالدته المريضة التي بالكاد تستطيع القيام بأعمال المنزل: لا تقلقي يا أُمّي، سأترك المدرسة وأعمل وأُعيلك.

كان أيمن خلوقاً ومهذَّباً، لذلك وظَّفه أبو شادي صاحب الدُّكَّان القريب، كفتى توصيل للطَّلبات. وبعد مرور سنة استطاع أيمن أن يشتري درَّاجة ناريَّة وبدأ يوصل طلبات الزَّبائن إلى الأحياء المجاورة، وحتى البعيدة منها. كان البقشيش الذي يكسبه بالإضافة إلى راتبه القليل يساعده في شراء الأدوية لوالدته.

وكان من بين الزَّبائن اِمرأة عجوز تسكن في إحدى المباني القريبة، كانت بشوشة وكريمة، تجذل على أيمن بكرَمها دائماً وتعطيه عشرين دولاراً كإكراميَّة له في كل مرَّة، بينما كان الآخرون يعطونه دولاراً واحداً أو اثنين بالأكثر. بدأ أيمن يعرض عليها المساعدة، وكانت تطلب منه أحياناً أن يبدِّل لها أسطوانة الغاز، أو قارورة المياه الكبيرة وأشياء أُخرى من هذا القبيل، ممَّا جعله يدخل إلى منزلها مرَّاتٍ عديدة. وكان دائماً يقول لها: لو كان والدي على قيد الحياة، لكنتُ الآن في أحسن حال.

كنز الأبوة السماوية

وفي إحدى اللَّيالي الغزيرة الأمطار، أحسَّت والدة أيمن بالتَّعب الشَّديد فجأة، فأسرع بها إلى المستشفى، وهناك طلبوا منه مبلغاً كبيراً كتأمين من أجل إجراء عمليَّة مُلِحَّة في قلب والدته، فذهب أيمن مسرعاً إلى أبو شادي طالباً منه قرضاً، لكن الأخير اعتذرَ لأن ليس لديه سيولة بين يديه.

وفي حيرةٍ من أمره، توجَّه إلى بيت السَّيِّدة العجوز وطرقَ الباب، ففتحت له وهي تحمل في يدها ظرفاً من المال أعطته له وقالت: رأيتك من النَّافذة فعرفتُ أن خطباً ما أصابَ والدتك، لذلك خُذ هذا المبلغ وأسرِع به إليها، لكن قبل ذلك اسمعني جيِّداً، أنتَ فقدتَ والدكَ الأرضيّ وتتصرَّف كأنَّك يَتيم، ولم تلتفت لحظةً إلى أبيك السَّماوي. أعلمُ أنَّكَ كنتَ تستغرب اهتمامي الزَّائد بك، لكنّي أعرف تماماً ما عانتَيه يا ولدي وكنتُ أنتظر الفرصة المناسبة لأخبرك بأنَّ لكَ أبٌ عظيمٌ في السَّماء يسمعك ويراك ويسدِّد حاجتك ويشعر بك أكثر منَّا جميعاً، وقد استخدمَني وأموالي كي يعتني بك وبأُمِّك، لكنَّك لم تفكِّر فيه يوماً. فإيَّاك أن تنساهُ بعد اليوم.

أخذ أيمن النُّقود وركضَ إلى المستشفى، وبعد أن اطمأنَّ على والدته ونجحت عمليَّتها، عاد لزيارة السَّيِّدة العجوز ليشكُرها على ما فعلته، لكنَّه وجد منزلها مليئاً بالمُعزِّين. فانفجرَ في البُكاء ورفع عينيه إلى السَّماء وقال: أعلمُ أنَّك حيٌّ لا تموت، فسامحني لأنَّني لم ألتفت إليكَ يوماً، وأتعهَّد أمامك منذ اليوم بأن أبقى لكَ ابناً طالَ ما حييت.

العبرة

اليُتم الحقيقي ليس فقدان أحد الوالدين أو كلاهما على الأرض، بل فقدانك للامتياز العظيم بأن تكون اِبناً لله الذي خلقَ السَّماوات والأرض وكل ما فيها، الذي لا ينعس ولا ينام ولا يعسر عليه أمر، الذي فداكَ وخلَّصك ومنحكَ حياةً أبديَّة لا موت فيها. فلا تنسى أن تلتجئ إليه في حل مشكلاتك الزَّمنيَّة قبل أن تلتجئ لأيّ طرف آخر. فما يستطيع أن يفعله أبوك السَّماوي لن يقدر على فعله أيّ إنسان أرضي مهما بلغت قوَّته.

“تَأَمَّلُوا مَا أَعْظَمَ الْمَحَبَّةَ الَّتِي أَحَبَّنَا بِها الآبُ حَتَّى صِرْنَا نُدْعَى «أَوْلادَ اللهِ»، وَنَحْنُ أَوْلادُهُ حَقّاً.” (رسالة يوحنَّا الأولى 1:3)
“مِثْلَمَا يَعْطِفُ الأَبُ عَلَى بَنِيهِ يَعْطِفُ الرَّبُّ عَلَى أَتْقِيَائِهِ.” (مزمور 13:103)


مقالات مُشابِهة

الكنز الفاني
عدالة السماء
قصة سارة


تبغى تتواصل مع مسيحي؟ تواصل معنا بكل امان الحين.