ستجد هنا إجابة بسيطة وسهلة فيما يتعلق بالمؤمن المسيحي والضرائب التي تفرضها الحكومات وسيكون تكملة لمقال “كيف نعيش الحياة المسيحية في ظل الحكومات الأرضية؟”
المسيح يدفع ضريبة الهيكل
دار حوار بين المسيح وبطرس حول ضريبة الهيكل كما يذكُر لنا متَّى البشير:
“وَلَمَّا وَصَلُوا إِلَى كَفْرَنَاحُومَ، جَاءَ جُبَاةُ ضَرِيبَةِ الدِّرْهَمَيْنِ لِلْهَيْكَلِ إِلَى بُطْرُسَ، وَقَالُوا: «أَلا يُؤَدِّي مُعَلِّمُكُمُ الدِّرْهَمَيْنِ؟» فَأَجَابَ: «بَلَى» وَمَا إِنْ دَخَلَ بُطْرُسُ الْبَيْتَ، حَتَّى سَأَلَهُ يَسُوعُ: «مَا رَأْيُكَ يَا سِمْعَانُ: مِمَّنْ يَسْتَوْفِي مُلُوكُ الأَرْضِ الْجِزْيَةَ أَوِ الضَّرِيبَةَ؟ أَمِنْ أَبْنَاءِ بِلادِهِمْ، أَمْ مِنَ الأَجَانِبِ؟» أَجَابَ بُطْرُسُ: «مِنَ الأَجَانِبِ». فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «إِذَنِ الأَبْنَاءُ أَحْرَارٌ، وَلكِنْ لِكَيْ لَا نَضَعَ لَهُمْ عَثْرَةً، اذْهَبْ إِلَى الْبُحَيْرَةِ، وَأَلْقِ صِنَّارَةَ الصَّيْدِ؛ وَأَمْسِكِ السَّمَكَةَ الَّتِي تَطْلُعُ أَوَّلاً، ثُمَّ افْتَحْ فَمَهَا تَجِدْ فِيهِ قِطْعَةَ نَقْدٍ بِقِيمَةِ أَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ، فَخُذْهَا وَادْفَعْ الضَّرِيبَةَ عَنِّي وَعَنْكَ!» (إنجيل متَّى 24:17-26)
كان اليهود يأخذون ضريبة من أبناء بلدهم لكي يستخدموها لأجل الهيكل، مع العِلم أنَّها لم تكُن ضروريَّة ولم تكنُ الوسيلة التي حدَّدها الله لكي يخصِّص مالاً للهيكل، لكن وعلى الرَّغم من ذلك وبالرَّغم من أنَّ المسيح كان يعرف هذه الحقيقة إلَّا أنَّه وافق على دفع هذه الضَّريبة لكي لا يكون سبب عثرة للمواطنين الآخرين. وهكذا نرى أنَّ المؤمن المسيحي يجب أن يكون شهادة حسَنة للآخرين من حوله، أي أن لا يكون هو مصدر التَّمرُّد حتَّى ولو لم يكُن مقتنعاً بأنَّ هذه الضَّريبة هي واجبة عليه.
هل ندفع الجزية لقيصر؟
سُئِلَ المسيح مرَّة أُخرى أيضاً عن نفس الأمر، لكن هذه المرَّة ليس من أحد التَّلاميذ بل من أشخاص أرادوا أن يوقِعوا به وكان الحوار بينهم كالتَّالي:
“فَذَهَبَ الْفَرِّيسِيُّونَ وَتَآمَرُوا كَيْفَ يُوْقِعُونَهُ بِكَلِمَةٍ يَقُولُهَا. فَأَرْسَلُوا إِلَيْهِ بَعْضَ تَلامِيذِهِمْ مَعَ أَعْضَاءِ حِزْبِ هِيرُودُسَ، يَقُولُونَ لَهُ: «يَا مُعَلِّمُ، نَعْلَمُ أَنَّكَ صَادِقٌ وَتُعَلِّمُ النَّاسَ طَرِيقَ اللهِ فِي الْحَقِّ، وَلا تُبَالِي بِأَحَدٍ لأَنَّكَ لَا تُرَاعِي مَقَامَاتِ النَّاسِ، فَقُلْ لَنَا إِذَنْ مَا رَأْيُكَ؟ أَيَحِلُّ أَنْ تُدْفَعَ الْجِزْيَةُ لِلْقَيْصَرِ أَمْ لا؟» فَأَدْرَكَ يَسُوعُ مَكْرَهُمْ وَقَالَ: «أَيُّهَا الْمُنَافِقُونَ، لِمَاذَا تُحَاوِلُونَ الإيقَاعَ بِي؟ أَرُونِي عُمْلَةَ الْجِزْيَةِ!» فَقَدَّمُوا لَهُ دِينَاراً. فَسَأَلَهُمْ: «لِمَنْ هَذِهِ الصُّورَةُ وَهَذَا النَّقْشُ؟» أَجَابُوهُ: «لِلْقَيْصَرِ!» فَقَالَ لَهُمْ: «إِذَنْ، أَعْطُوا مَا لِلْقَيْصَرِ لِلْقَيْصَرِ، وَمَا لِلهِ لِلهِ» فَتَرَكُوهُ وَمَضَوْا، مَدْهُوشِينَ مِمَّا سَمِعُوا.” (إنجيل متَّى 15:22-22)
عرفَ المسيح مَكر سائِليه، وعرفَ أنَّه لو قال لهم: “لا يجب أن نعطي الجِزية لقيصَر”، لقالوا عنه إنَّه شخص متمرِّد على الرُّومان، وانتهزوا الفرصة ليشتكوا عليه للسُّلطات الرُّومانية. وعرفَ أنَّه لو قال لهم: “نعم، يجب دفع الجِزية لقيصَر”، لكانَ عامَّة اليهود الذين يسمعون إجابته سيظنُّون بأنَّ المسيح عميل روماني يستخدم تأثيره على الشَّعب لمصلحة الرُّومان. كان سؤال هؤلاء هو فَخّ للمسيح ومِقصَلة سياسيَّة لكي يوقِعوا به أمام جمهوره. لكنَّ جواب المسيح أخرَجهُ من المُعضِلة التي ظنُّوا أنَّهم أوقعوه فيها، إذ قال لهم أن يُعطوا الجِزية لأصحابها ويُعطوا لله ما يخُصّ الله.
علَّمنا المسيح أن ننظر إلى الحياة الدُّنيويَّة من منظار الحياة الأبديَّة
المسيح والوطن السماوي
قال الرَّب يسوع:
“لَا تَكْنِزُوا لَكُمْ كُنُوزاً عَلَى الأَرْضِ، حَيْثُ يُفْسِدُهَا السُّوسُ وَالصَّدَأُ، وَيَنْقُبُ عَنْهَا اللُّصُوصُ وَيَسْرِقُونَ. بَلِ اكْنِزُوا لَكُمْ كُنُوزاً فِي السَّمَاءِ، حَيْثُ لَا يُفْسِدُهَا سُوسٌ وَلا يَنْقُبُ عَنْهَا لُصُوصٌ وَلا يَسْرِقُونَ. فَحَيْثُ يَكُونُ كَنْزُكَ، هُنَاكَ أَيْضاً يَكُونُ قَلْبُكَ!” (إنجيل متَّى 19:6-21)
علَّمنا المسيح أن ننظر إلى الحياة الدُّنيويَّة من منظار الحياة الأبديَّة، وأن لا نسعى كمن يعيش للأبد على هذه الأرض. المسيح لا يقصد بذلك أن لا نكون طموحين وأن لا نسعى لتعلُّم أُمور تفيد المجتمع لنكون فاعلين فيه، بل ما عناهُ المسيح هو أن لا نجعل من هذه الأُمور هدفنا في الحياة وننسى أنَّنا في الحقيقة غُرَباء ونُزَلاء على هذه الأرض، لأنَّنا بذلك نكون واضعين رجاءنا على المادِّيَّات بدلاً من المسيح، وعلى الأرضيَّات بدلاً من السَّماويَّات. حيث يكون كنزنا هناك يكون قلبنا أيضاً، فلو كان كل تركيزنا على الحياة الدُّنيا سننسى أنَّنا يجب أن نستعدّ للحياة الأبديَّة وسيكون كل مجهودنا هو في كسب المال والسَّعي وراء الشَّهوات، أمَّا لو كان تركيزنا على الوطن السَّماوي فسنسعى إلى عيش الحياة المسيحيَّة كما علَّمها المسيح. فلنَعِش إذاً في بلادنا كمواطنين سماويِّين ونكون فاعلين بنشر الحضارة السَّماويِّة بحِكمة وتعقُّل وشغف واجتهاد، ونُظهِر للجميع بأنَّنا مواطنون صالِحون نبني المجتمع الذي نسكن فيه ونحترم السُّلطات.
مقالات مُشابِهة
الغاية من سفر دانيال
قصة قيامة المسيح
هل نسخ موسى التوراة من حمورابي؟