إن الصوّم من المُمارسات الروحيّة الهامة، بل وتُعتبر عطيّة من الله كوسيلة بها نختبر أعماق جديدة مع الله، ونُعلن احتياجنا لله، ونضعه في مُحور أحداث حياتنا. فنحن كبشر نحتاج أن نصوم، لكن لماذا صام المسيح؟ هل كان يحتاج إلى الصوّم؟
بالتأكيد إنّ المسيح لم يصم لأنه يحتاج للتقرب من الله. ولكن المسيح صام لعدة أسباب. أولى هذه الأسباب هو لكي يجتاز المُعاناة التي سببتها الخطيّة للجنس البشريّ. فبصوّم المسيح هو شارك الإنسان مُعاناة السقوط. فإذا كانت رسالة المسيح هي أن يتحد ببشريتنا الساقطة لكي يحملها مُخلصًا إيها على الصليب، فلقد بدأ المسيح بهذا الإتحاد في التجسد، فإتحد فعليّا بمعاناتنا. ففي بدايّة هذه الإرساليّة أراد أن يُشارك البشريّة ويتحد بها فعليّا بمشاركتها معاناة الخطيّة.حيث مكتوب:
ذَلِكَ لأَنَّ رَئِيسَ الْكَهَنَةِ الَّذِي لَنَا، لَيْسَ عَاجِزاً عَنْ تَفَهُّمِ ضَعَفَاتِنَا، بَلْ إِنَّهُ قَدْ تَعَرَّضَ لِلتَّجَارِبِ الَّتِي نَتَعَرَّضُ نَحْنُ لَهَا، إِلّا أَنَّهُ بِلا خَطِيئةٍ.
الرسالة إلى العبرانيين 4: 15
ثانيّا إن إحدى دلالات وتعبيرات الصوّم هو أنه تعبير عن ضعف الطبيعة البشريّة وإعلان حاجة الإنسان إلى الله. فعندما يصوم الإنسان يُعلن احتياجه لله، ورغبة الإنسان في الإقتراب لله وعيش حياة ترضي الله. فالمسيح كما هو مذكور في الإنجيل كان يُمثل الإنسان الكامل أي كان يُمثل الإنسانيّة الكاملة التي أرادها الله، كان يُمثل الإنسانيّة التي يدعونا إليها الله. فعندما صام المسيح هذا الصوم كان يُعبر كإنسان كامل أن كل إنسان يحتاج أن يستند على الله الاستناد الكلي لذلك عندما ظهر الشيطان في فترة الصيام كان يرد المسيح عليه بما هو “مكتوب” في الوحيّ.
ثالثًا صام المسيح ليُعلن بدأ خدمته التبشيريّة وبدأ العمل على انتشار الملكوت. وهذا يُعلمنا أننا نحتاج كبشر أن نصوم قبل أي خدمة نقوم بها أو قبل أن نتحدث مع الناس عن المسيح. فالخدمة الحقيقيّة تتطلب تواضعًا وانكار للذات.
رابعًا صام المسيح لكي يعطي الصوّم مفهوم وطابع روحيّ مُختلف. فقد كان الصوّم في العهد القديم مُمارسة مفروضه أو كما غيّرها الكتبة والفريسيون أو المتدينون إلى وسيلة للإفتخار وإعلان البر الذاتيّ. فبإعتزال المسيح للصوم أعطى الصوّم طابع روحيّ مُختلف بأن الصوّم هو بين الإنسان والله وليس مُمارسة للتفاخر وإظهار البر الذاتيّ.
خامسًا صام المسيح قبل التجربة ليُعطينا ويُعلمنا وسيلة بها ننتصر على إبليس. فنقرأ في متى أنه بعد الصوّم، أتى إليه المٌجرب أي إبليس لكي يُسقطه. ويسجل الوحيّ انتصار المسيح وأعطى لنا مثلًا عندما نضع الله في مُحورية حياتنا- وهذه هو الصوم- نستطيع أن نتغلب على الشر ونقاوم التجارب.
الكاتبة: لمياء نور
Masters of Arts in Theology, ETSC
مقالات مُشابِهة
صفحة الصوم الكبير
الهدف الحقيقي من الصوم
ما هو مفهوم الصوم في الإيمان المسيحيّ؟
طرق للصيام