jesus on cross cartoon blood thorns

ما هِيَ الأدِلَّة التَّاريخِيَّة على حياتِهِ وصَلبِهِ مِن خارِج الكِتاب المُقَدَّس ؟

المَصادِر المَسيحِيَّة للقُرون الأولى للميلاد ليسَت هِيَ فقَط مَن تُخبِرنا عن وُجود المَسيح تاريخِيّاً، وعن صَلبِهِ وقِيامَتِه. والأناجيل والرَّسائل ليسَت هِيَ فقَط مَن تُعطينا المَعلومات عن تَفاصيل حياة المَسيح وعن المَسيحِيِّينَ وعِبادَتِهِم.
فهُناكَ العَديد مِنَ المَصادِر التَّاريخِيَّة الغَير مَسيحِيَّة التي تَذكُر وُجود المَسيح تاريخِيّاً، وتتَحدَّث عن صَلبِهِ وعن عِبادَة أتباعِهِ لَهُ.
يوجَد الكَثير مِنَ المُؤَرِّخين والكُتَّاب الذينَ تَحدَّثوا عن هذا المَوضوع، وهُم مِن خَلفِيَّاتٍ مُختَلِفة، فَمِنهُم الرُّوماني واليَهودي واليُوناني، وكُلُّهُم عاشوا في القُرون الأولى بَعد الميلاد لا بَل حَتَّى أنَّ البَعض مِنُهم كانَ مُعاصِراً لتِلكَ الأحداث في حَقَبَة تَجَسُّد المَسيح تَحديداً، وبِالطَّبع اختَلَفَ هؤلاء الكُتَّاب في العَديد مِنَ الأُمور لكِنَّهُم اتَّفَقوا جَميعاً على أنَّ يسوع المَسيح صُلِبَ في اليَهودِيَّة.
هذا بالإضافة إلی كِتابات الآباء الأوائل، الذينَ مِنهُم مَن عاصَرَ الرُّسُلَ أيضاً، وتَعود كِتابات بَعضِهِم إلى القَرن الأوَّل الميلادي.

ونَذكُر لَكُم هُنا بَعض المَصادِر التَّاريخِيَّة الغَير مَسيحِيَّة عن حَياة المَسيح وصَلبِه:

أوَّلاً: المُؤَرِّخ الرُّوماني تاسيتوس عاشَ مِن سَنَة ٥٦ إلى ١٢٠ ميلادِيَّة. عُيِّنَ حاكِماً على مُقاطَعَة آسيا الصُّغرى، وهو صاحِب مُؤلَّفات تاريخِيَّة وأدَبِيَّة مُعتَبَرة.
يَذكُر هذا المُؤَرِّخ تاسيتوس في كِتابِهِ (The Annals, by Cornelius Tacitus) اضِّطهاد الإمبراطور نيرون للمَسيحِيِّين ويقول:
“وَضَعَ نيرون اللَّومَ على الآخَرين (المَسيحِيِّين) وعاقَبَهُم أشَدَّ عِقاب، وكانَ يُطلَق علی هؤلاء الأشخاص اسم مَسيحِيِّين وكانوا مَكرُوهينَ لِرَذائِلهِم. والاِسم الذي لُقِّبوا بِهِ هو مُشتَقٌّ مِن اسم المَسيح الذي أُعدِمَ في عَهد طيباريوس قَيصَر في حُكم بيلاطُس البُنطِيّ. وتَمَّ قَمع هذهِ الحَرَكة المَشبوهة إلى حِين، لكِن هذا لَم يَمنَع استِمرارَ ظُهورِهِم ونُمُوِّهِم ليسَ فقَط في اليَهودِيَّة بَل في الإمبراطورِيَّة الرُّومانِيَّة أيضاً.”

ثانِياً: الكاتِب اليُوناني لوسيان عاشَ مِن سَنَة ١٢٥ إلى ١٨٠ ميلادِيَّة تقريباً، ويُصَنَّف على أنَّهُ مِن أفضَل الكُتَّاب اليُونانِيِّين. هذا الكاتِب ذَكَرَ المَسيحِيِّينَ أيضاً في كِتابِهِ
(The Passing of Peregrinus, by Lucian)
قائِلاً عن المَسيح أنَّهُ: “قامَ بتَفسير وشَرح بعَض كُتُبِهِم (كُتُب اليَهود)، بَل وقامَ بتَأليف العَديد مِنها، وقَد استَقبَلوهُ كَإِلهاً لَهُم، واستَفادوا مِنهُ كَمُشَرِّع لِنامُوسِهِم….الرَّجُل الذي صُلِبَ في فلسطين لأنَّهُ أَدخَلَ هذهِ العِبادة الجَديدة إلى العالَم.”

ثالِثاً: المُؤَرِّخ اليَهودي يوسيفوس. عاشَ مِن سَنَة ٣٧ إلى ١٠٠ ميلادِيَّة. وعاصَرَ الحَرب الرُّومانِيَّة اليَهودِيَّة التي انتَهَت بِدَمار أورشَليم سَنَة ٧٠ ميلادِيَّة.
يَذكُر هذا المُؤَرِّخ المَسيح في مَوضِعَينِ مِن كِتابِه
(The Antiquities of the Jews, by Flavius Josephus)
“أُحضِرَ أمامَ المَجمَع اليَهودِي شَخصٌ اسمُهُ يَعقوب وهو أخو يسوع الذي يُدعَى أيضاً المَسيح….”
وطَبعاً لِكَي يوَضِّح هُوِيَّة يَعقوب ذَكَرَ أنَّهُ أخاً ليسوع الذي يُدعَى المَسيح، وقَد عَرَّفَ عَنهُ يوسيفوس بأنَّهُ المَسيح لِكَي يُمَيِّزهُ عن أشخاصٍ آخَرين يَحمِلونَ ذات الإسم ويَذكُرُهُم في كِتابِهِ أيضاً.
وفي مَوضِعٍ آخَر يقول أيضاً : “في هذا الوَقت، رَجُلٌ حَكيمٌ مِنَ اليَهودِيَّة، (إن استَطَعنا أن نَقول عَنهُ أنَّهُ مُجَرَّد رَجُل) لأنَّهُ قامَ بأعمالٍ خارِقة للعادَة وكانَ مُعلِّما للذينَ يقبَلونَ الحَقَّ بِفَرَحٍ، لقَد رَبِحَ نُفوساً كَثيرة مِنَ اليَهود واليُونانيِّين، (هو كانَ المَسيح).
وحينَما اتُّهِمَ مِنَ المَسؤولينَ بَينَنا تَمَّ صَلبُه، لكِنَّ أتباعَهُ لَم يتَوقَّفوا عن مَحَبَّتِهِم لَهُ.”

يتَّفِق العُلَماء أنَّ يوسيفوس هو الذي كَتَبَ هذهِ الكَلِمات، لكِنَّهُم يَعتَبِرونَ أنَّ جُملَة (إن استَطَعنا أن نَقول عَنهُ أنَّهُ مُجَرَّد رَجُل) وجُملَة (هو كانَ المَسيح) هِيَ زِيادَة لاحِقة، وَلنُسَلِّم جَدَلاً أنَّها كانَت زِيادَة لكِن هذا لا يَعني أبَداً أنَّ هذهِ ليسَت شَهادة لِصَلب المَسيح في عهَد بيلاطُس البُنطيّ كَما جاءَ في الكِتاب المُقَدَّس.

رابِعاً: التَّلمود البابِلي
التَّلمود البابِلي هو كِتاب يَجمَع التَّفاسير اليَهودِيَّة للتَّوراة مع التَّعاليم الشَّفَهِيَّة المُتَوارَثة لرِجال الدِّين اليَهود، ويُخبِر عن مُحاكَمَة المَسيح ويَذكُر أنَّهُ صُلِبَ في عيد الفِصح وأنَّهُ ماتَ مُعَلَّقاً (في إشارة للصَّلب) “وخَرَجَ المُخبِر لِمُدَّة أربَعينَ يوماً قبلَ تَنفيذ حُكم الإعدام ليُخبِر النَّاس أنَّ يسوع النِّاصِريّ سَيَخرُج إلَيهِم ليَرجُموه بِسبَب الشَّعوَذة والتَّضليل وإغواء شَعب إسرائيل لكي يَعبُدوا الأصنام. وأي شَخص يُريد أن يقول أي شَيء ليُدافِع عنهُ فليتَقدَّم ويتَوَسَّل نِيابةً عَنهُ. ولكِن لَم يأتِ أَحَد ، فَعَلَّقوهُ عَشِيَّة الفِصح!”
نِيَّة اليَهود هُنا تَشويه صورة المَسيح، وأثناءَ قيامِهِم بذلك ذَكَروا حَقيقَة صَلبِهِ في عيد الفِصح، وهذا مَصدَر تاريخي آخَر عن صَلب المَسيح.

شهادة الرّسل عن الصّلب والقيامة

أتباع المَسيح دَفَعوا حَياتَهُم ثَمَناً لِشَهادَة إيمانِهِم أنَّ المَسيح قامَ غالِباً المَوت.
فلِماذا يُضَحِّي هذا العَدَد مِنَ البَشَر بِحَياتِهِم إن كانوا عارِفين أنَّ هذا الحَدَث مُجَرَّد كِذبة وتَلفيق ؟
هل يَموت البَشَر في سَبيل كِذبة قَد أطلَقوها هُم أنفُسهُم ؟
قَد يَفعلها شَخصٌ واحِد أو رُبَّما اثنَينِ أو ثَلاثة، لكِن المِئات بَل الآلاف مِنَ المَسيحِيِّين ماتوا شُهَداء دونَ أن يُنكِروا إيمانَهُم، مع العِلم أنَّهُم لَم يكونوا يُحارِبونَ بالسَّيف، ولا كانوا يُواجِهونَ الاضطِّهاد بالقِتال.
فكيفَ استَطاعَ إثنا عَشَر رَجُلاً عادِيّاً مُعظَمُهُم صَيَّادي سَمَك، أن يَجوبوا المَسكونة مُبَشِّرينَ بالمسيح، أن يموتوا شُهَداء وأن تَنتَشِر رسالتهُم لتُصبِح الدِّيانة الرَّسمية للإمبراطوريَّة الرُّومانيَّة في القَرن الرَّابِع على الرُّغم مِنَ المُحاوَلات المُتَكَرِّرة المُمَنهَجة للقَضاء علَيها مِنَ الأباطِرة الرُّومان في القُرون الثَّلاثة الأولى للميلاد ؟

لا شَكَّ أنَّ انتِشار المَسيحِيَّة وَسَط هذهِ الظُّروف المُستَحيلة يَنِمّ عن عَمَل إلهي. تَخيَّل مَعي أَقَلِّيَّة مُستَضعَفة مُضطَّهَدة مَنبوذة، تَجول العالَم المَعروف آنَذاك، ناشِرَةً إيماناً عن مَسيحٍ مَصلوب، أدرَكَ بولُس الرَّسول صُعوبَة هذهِ الكِرازَة إذ قالَ في الرِّسالة الأولى إلى مُؤمِني كورِنثوس ١: ٢٢۔٢٣
“إذ إِنَّ الْيَهُودَ يَطْلُبُونَ آيَاتٍ، وَالْيُونَانِيِّينَ يَبْحَثُونَ عَنِ الْحِكْمَةِ. وَلكِنَّنَا نَحْنُ نُبَشِّرُ بِالْمَسِيحِ مَصْلُوباً، مِمَّا يُشَكِّلُ عَائِقاً عِنْدَ الْيَهُودِ وَجَهَالَةً عِنْدَ الأُمَمِ”

هذهِ الرِّسالة كانَت عائِقاً لليَهود لأنَّهُم يُريدونَ للمَسيح أن يكونَ مَلِكاً أرضِيّاً ويُخَلِّصهُم مِن سَطوَة الرُّومان، أمَّا اليُونانِيُّون فكانوا يَبحَثونَ ويتَناقَشون في فَلسَفاتٍ مُختَلِفة، يُحاوِلونَ فيها فَهم العالَم مِن حَولِهِم وتَعظيمِ آلِهَتِهِم مِن خِلال الخُرافات والأساطير الخاصَّة بِهِم، وأمَّا المَسيحِيُّون فكانوا يَكرِزونَ بِصَليب المَسيح، وبِرُغم جَهالَة الكِرازَة بالنِّسبة لليَهود والأُمَم، لكِن المَسيحِيَّة انتَشَرَت انتِشار النَّار في الهَشيم، ولا زالَت تُخَلِّص العَديد مِنَ النُّفوس كُلَّ يَوم بِقُوَّة الصَّليب وبقِيامَة يسوع المَسيح.


مقالات مُشابِهة

هل ترك الله يسوع وهو على الصليب؟
الصليب
الأساسيات في المسيحية
قصة صلب المسيح


تبغى تتواصل مع مسيحي؟ تواصل معنا بكل امان الحين.