واحدة من أجمل الأمور في الإيمان المسيحيّ هو أنه ليس مُجرد دين يأمر وينهي دون أن يُعطي قوة على التغيير، بل على العكس من ذلك فإن الإيمان المسيحيّ هو حياة، قوة حياة تغيّر الإنسان ليعيش الحياة الصالحة بطريقة تنبع من الداخل كنتيجة للتغير الذي حدث في قلب الإنسان.
أيضًا لا تنظر المسيحيّة للإنسان على أنه عبد تحت اختبار إذا نجح فيه، سيذهب إلى الجنة، وإذا فشل فيه، سيذهب إلى الجحيم؛ بل المسيحيّة تنظر إلى الإنسان على أنه كائن أخلاقيّ حر مدعو لحياة إنسانيّة بارة وصالحة، وسيجني ثمار اختيارته في الحياة. ومن هذا المُنطلق فإن نظرة المسيحيّة للإنسان أنه ليس مُجرد حيوان شهواني يعيش لإشباع رغباته الجنسيّة بل كائن ذو إرادة، وقوة إرادتهُ تأتي من قوة حياة داخليّة تنبع من الإتحاد بالخالق القدوس وحده، الذي دعانا لنكون قديسين. فكيف يُمكن لإيمان ينظر للإنسان بهذا المفهوم أن يتم اتهامه بالزنا والتعري!
فعل الزنا
إن الكتاب المقدس يتحدث عن قضية الزنا باستفاضه كبيرة، ففي كلا العهدين يحذر من الزنا كفعل. فنجد أنه من بداية العهد القديم، نجد “لا” النهاية توضع أمام فعل الزنا في الوصايا العشرة حيث مكتوب:
لَا تَزْنِ.
الخروج 20: 14
وأيضًا في العهد الجديد يدعوونا الله إلى القداسة والطهارة والإمتناع عن الزنا حيث مكتوب:
فَإِنَّ مَشِيئَةَ اللهِ هِيَ هذِهِ: قَدَاسَتُكُمْ. وَذَلِكَ بِأَنْ تَمْتَنِعُوا عَنِ الزِّنَى، وَأَنْ يَعْرِفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ كَيْفَ يَحْفَظُ جَسَدَهُ فِي الطَّهَارَةِ وَالْكَرَامَةِ غَيْرَ مُنْسَاقٍ لِلشَّهْوَةِ الْجَامِحَةِ كَالْوَثَنِيِّينَ الَّذِينَ لَا يَعْرِفُونَ اللهَ، وَأَلَّا يَتَعَدَّى حُقُوقَ أَخِيهِ وَيُسِيءَ إِلَيْهِ فِي هَذَا الأَمْرِ، لأَنَّ الرَّبَّ هُوَ الْمُنْتَقِمُ لِجَمِيعِ هَذِهِ الإِسَاءَاتِ، كَمَا أَنْذَرْنَاكُمْ قَبْلاً وَشَهِدْنَا لَكُمْ بِحَقٍّ. فَإِنَّ اللهَ دَعَانَا لَا إِلَى النَّجَاسَةِ بَلْ (إِلَى الْعَيْشِ) فِي الْقَدَاسَةِ.
الرسالة الأولى إلى أهل تسالونيكي 4: 3 – 7
الزنا يؤدي إلى الهلاك
يوضح الكتاب المقدس أن الزنا خطيّة تؤدي إلى الهلاك الأبدي حيث مكتوب:
حَافِظُوا جَمِيعاً عَلَى كَرَامَةِ الزَّوَاجِ، مُبْعِدِينَ النَّجَاسَةَ عَنِ الْفِرَاشِ. فَإِنَّ اللهَ سَوْفَ يُعَاقِبُ الَّذِينَ يَنْغَمِسُونَ فِي خَطَايَا الدَّعَارَةِ وَالزِّنَى.
الرسالة إلى العبرانيين 13: 4
أَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّ الظَّالِمِينَ لَنْ يَرِثُوا مَلَكُوتَ اللهِ؟ لَا تَضِلُّوا: فَإِنَّ مَلَكُوتَ اللهِ لَنْ يَرِثَهُ الزُّنَاةُ وَلا عَابِدُو الأَصْنَامِ وَلا الْفَاسِقُونَ وَلا الْمُتَخَنِّثُونَ وَلا مُضَاجِعُو الذُّكُورِ
الرسالة الأولى إلى أهل كورنثوس 6: 9
شهوة الزنا
توجد الكثير من الآيات في كُلًا من العهد القديم والعهد الجديد التي ليس فقط تحذر من الزنا وتضع أمامها “لا” النهاية، بل ترفض الشهوة من الأساس، وترفض العين المشتهيّة. فليس فقط فعل الزنا مرفوض لكن حتى مجرد التفكير في الفعل عندما يكون الفعل كامن داخل قلب الإنسان وفكرهُ، هو شيء مرفوض حيث مكتوب:
فَإِنَّهُ مِنَ الْقَلْبِ يَصْدُرُ، وَهُوَ الَّذِي يُنَجِّسُ الإِنْسَانَ. فَمِنَ الْقَلْبِ تَنْبُعُ الأَفْكَارُ الشِّرِّيرَةُ، الْقَتْلُ، الزِّنَى، الْفِسْقُ، السَّرِقَةُ، شَهَادَةُ الزُّورِ، الازْدِرَاءُ. هَذِهِ هِيَ الأُمُورُ الَّتِي تُنَجِّسُ الإِنْسَانَ
إنجيل متى 15: 18 20
لا تَشْتَهِ بَيْتَ جَارِكَ، وَلا زَوْجَتَهُ، وَلا عَبْدَهُ، وَلا أَمَتَهُ، وَلا ثَوْرَهُ، وَلا حِمَارَهُ، وَلا شَيْئاً مِمَّا لَهُ
الخروج 20: 17
فتعليم المسيح كان أعمق من مجرد التحذير من فعل الزنا، عندما وضح أن حتى التفكير بطريقة زانيّة يُعتبر زنا، فحتى النظر بطريق شهوانيّة للإنسان الآخر يُعتبر زنا حيث مكتوب:
وَسَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ: لَا تَزْنِ! أَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: كُلُّ مَنْ يَنْظُرُ إِلَى امْرَأَةٍ بِقَصْدِ أَنْ يَشْتَهِيَهَا، فَقَدْ زَنَى بِها فِي قَلْبِهِ! فَإِنْ كَانَتْ عَيْنُكَ الْيُمْنَى فَخّاً لَكَ، فَاقْلَعْهَا وَارْمِهَا عَنْكَ، فَخَيْرٌ لَكَ أَنْ تَفْقِدَ عُضْواً مِنْ أَعْضَائِكَ وَلا يُطْرَحَ جَسَدُكَ كُلُّهُ فِي جَهَنَّمَ! وَإِنْ كَانَتْ يَدُكَ الْيُمْنَى فَخّاً لَكَ، فَاقْطَعْهَا وَارْمِهَا عَنْكَ، فَخَيْرٌ لَكَ أَنْ تَفْقِدَ عُضْواً مِنْ أَعْضَائِكَ وَلا يُطْرَحَ جَسَدُكَ كُلُّهُ فِي جَهَنَّمَ!
إنجيل متى 5: 27- 30
الموت عن الشهوة
بل أن المسيح يدعو الإنسان أن يُعالج المشكلة من الجذور، فيكشف المسيح أن جذور المشكلة ليس مجرد في فعل الزنا، فالحل ليس في مُجرد تحريمه، بل من الداخل يجب على الإنسان أن يقطع أي شيء داخليًّا ممكن أن يجعل الإنسان يزني. فيدعونا الله أن نُميت ميولنا الشريرة التي تؤدي بنا إلى أفعال الخطيّة مثل الزنا حيث قال المسيح:
أَمِيتُوا إِذَنْ مُيُولَكُمْ الأَرْضِيَّةَ: الزِّنَى، النَّجَاسَةَ، جُمُوحَ الْعَاطِفَةِ، الشَّهْوَةَ الرَّدِيئَةَ، وَالاشْتِهَاءَ النَّهِمَ الَّذِي هُوَ عِبَادَةُ أَصْنَامٍ. فَبِسَبَبِ هَذِهِ الْخَطَايَا يَنْزِلُ غَضَبُ اللهِ،
الرسالة إلى أهل كولوسي 3: 5- 6
وَبِمَا أَنَّكُمْ صِرْتُمْ أَوْلاداً لِلهِ مُطِيعِينَ لَهُ، فَلا تَعُودُوا إِلَى مُجَارَاةِ الشَّهَوَاتِ الَّتِي كَانَتْ تُسَيْطِرُ عَلَيْكُمْ سَابِقاً فِي أَيَّامِ جَهْلِكُمْ. وَإِنَّمَا اسْلُكُوا سُلُوكاً مُقَدَّساً فِي كُلِّ أَمْرٍ، مُقْتَدِينَ بِالْقُدُّوسِ الَّذِي دَعَاكُمْ، لأَنَّهُ قَدْ كُتِبَ: «كُونُوا قِدِّيسِينَ، لأَنِّي أَنَا قُدُّوسٌ!»
رسالة بطرس الرسول الأولى 1: 14- 16
وَلَكِنَّ الَّذِينَ صَارُوا خَاصَّةً لِلْمَسِيحِ، قَدْ صَلَبُوا الْجَسَدَ مَعَ الأَهْوَاءِ وَالشَّهَوَاتِ.
الرسالة إلى أهل غلاطية 5: 24
لَا تُحِبُّوا الْعَالَمَ، وَلا الأَشْيَاءَ الَّتِي فِي الْعَالَمِ. فَالَّذِي يُحِبُّ الْعَالَمَ، لَا تَكُونُ مَحَبَّةُ الآبِ فِي قَلْبِهِ. لأَنَّ كُلَّ مَا فِي الْعَالَمِ، مِنْ شَهْوَاتِ الْجَسَدِ وَشَهَوَاتِ الْعَيْنِ وَتَرَفِ الْمَعِيشَةِ، لَيْسَ مِنَ الآبِ، بَلْ مِنَ الْعَالَمِ. وَسَوْفَ يَزُولُ الْعَالَمُ، وَمَا فِيهِ مِنْ شَهْوَاتٍ أَمَّا الَّذِي يَعْمَلُ بِإِرَادَةِ اللهِ، فَيَبْقَى إِلَى الأَبَدِ!
رسالة يوحنا الرسول الأولى 2: 15- 17
الهروب من الزنا
أيضًا يدعونا الكتاب المقدس أن نهرب من الزنا، أي لا نضع أنفسنا في مكان أو إطار يدفعنا للزنا، بل وأيضًا يقدم لنا الوحي خطيّة الزنا على إنها شيء مشين جدًا لأن الإنسان الذي يرتكب خطية الزنا يسيء إلى جسده، وهذا الجسد من المفترض أنه مقدس ومخصص لله، الذي هو قدوس حيث مكتوب:
اهْرُبُوا مِنَ الزِّنَا! فَكُلُّ خَطِيئَةٍ يَرْتَكِبُهَا الإِنْسَانُ هِيَ خَارِجَةٌ عَنْ جَسَدِهِ، وَأَمَّا مَنْ يَرْتَكِبُ الزِّنَا، فَهُوَ يُسِيءُ إِلَى جَسَدِهِ الْخَاصِّ. أَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّ جَسَدَكُمْ هُوَ هَيْكَلٌ لِلرُّوحِ الْقُدُسِ السَّاكِنِ فِيكُمْ وَالَّذِي هُوَ لَكُمْ مِنَ اللهِ، وَأَنَّكُمْ أَنْتُمْ لَسْتُمْ مِلْكاً لأَنْفُسِكُمْ؟ لأَنَّكُمْ قَدِ اشْتُرِيتُمْ بِفِدْيَةٍ. إِذَنْ، مَجِّدُوا اللهَ فِي أَجْسَادِكُمْ.
الرسالة الأولى إلى أهل كورنثوس 6: 18- 20
فَإِنَّكُمْ تَعْلَمُونَ هَذَا جَيِّداً: أَنَّ كُلَّ زَانٍ أَوْ نَجِسٍ أَوْ صَاحِبِ شَهْوَةٍ نَهِمَةٍ، مَا هُوَ إِلّا عَابِدُ أَصْنَامٍ لَيْسَ لَهُ مِيرَاثٌ فِي مَلَكُوتِ الْمَسِيحِ وَاللهِ.
الرسالة إلى أفسس 5: 5
فالكتاب المقدس بدايةً من أول وصاياه، الوصايا العشر، يُحذر من فعل الزنا، ومن الشهوة التي هي سبب فعل الزنا. ويوضح حقيقة أن الزنا يؤدي إلى الهلاك الأبديّ، ويدعونا إلى الهروب من الزنا، وإماتة الشهوات الداخليّة للإنسان عن طريق الاتحاد بالمسيح. بل أن الكتاب المقدس يُقدم مفهوم أعمق لمعنى الحياة أنها ليست مُجرد محدودة بأمور العالم الماديّة؛ بل الحياة الإنسانيّة الحقيقيّة هي تلك الحياة المُقدسة المُتحدة بالله، فيستطيع الإنسان أن يختبر نوعيّة حياة تملؤها القداسة، والفكر المستنير، والعيون التى لا تريد أن ترى إلا الله، والنفس التي لا تريد أن تجد راحتها إلا في طاعة الله.
الكاتبة: لمياء نور
Masters of Arts in Theology, ETSC
مقالات مُشابِهة
هل كل الذنوب متشابهة؟
ماهي الذنوب التي لا تغفر؟
ما هُو الحلال والحرام فِي المسيحيّة؟
الأساسيات في المسيحية