تُعلِّم المسيحيَّة على أنَّ الله مُكتفي بذاتهِ وهو لا يحتاج أيّ شيء من خليقته، وكل ما يريده من البشر هو لمَنفعة البشر أنفسهم وليس لأجل حاجة فيه هو.
(الله يُريد) تبدو لنا هذه العبارة للوَهلة الأولى أنَّ الله محتاج لشيء منَّا. قد نصِل لهكذا استنتاج لأنَّنا نحاول أن نفهم الله عبر اختباراتنا البشريَّة، فنحن غالباً ما نُريد الأشياء لأنَّنا نحتاج إليها. لكن شهادة الكتاب المقدَّس هي أنَّ الله لا يحتاج لشيء، فهو الذي أوجَد كل شيء من لا شيء: “بِهِ تَكَوَّنَ كُلُّ شَيْءٍ، وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَتَكَوَّنْ أَيُّ شَيْءٍ مِمَّا تَكَوَّنَ.” (إنجيل يوحنَّا 3:1)
وهو يتعالى عن كل خليقته: “بِمَنْ تُشَبِّهُونَ اللهَ وَبِمَنْ تُقَارِنُونَهُ؟” (سِفر إشَعياء 18:40)
ووجود مخلوقاته هو امتداد عمَل رحمة منه: “مِنْ إِحْسَانَاتِ الرَّبِّ أَنَّنَا لَمْ نَفْنَ، لأَنَّ مَرَاحِمَهُ لاَ تَزُولُ.” (مراثي إرميا 22:3)
الله مكتفي بذاته
يُعرِّف اللَّاهوتيُّون المسيحيُّون هذه التَّعاليم بأنَّ الله مُكتفي بذاته. ويُفسِّر إقرار إيمان ويستمِنستِر هذه الصِّفة كالتَّالي: “كل ما لله من عظَمة وإحسان وبرَكة هي من ذاتهِ وفي ذاتهِ وهو مُكتفٍ بذاتهِ وغير محتاج لأيّ من الخَلائق التي أوجَدها، وهو لا يستمِدّ مجده منهم، لكن يُعلِن مجده عبر الخليقة ومن خلالها، هو مصدر كل الوجود، الذي منه وبه يستمِدّ كل شيء وجوده.”
هذا الاكتِفاء يجعل من الله غير محتاج للبشر ولا للخليقة ولا لأيّ شيء. ماذا نقصد إذاً عندما نقول (الله يُريد)؟ إذا أردنا أن نأخذ مثالاً من واقع الحياة فعلينا أن نُدرِك أنَّ كل توصيف بشَري لهذه الحالة يبقى ناقصاً ولا يتعدَّى كَونه لُغة تشابُهيَّة، لكن للتَّوضيح سنستخدم توصيف الطَّبيب الذي يُريد من مريضهِ أن يأخذ الدَّواء حسب الوَصفة الطِّبيَّة، هذا لا يعني أنَّ الطَّبيب محتاج لهذا الأمر لأنَّ المريض هو المسؤول في النِّهاية، لكن الطَّبيب يطلب منه الالتزام بالدَّواء بدافع الواجب الطِّبِّي ومن أجل صحَّة المريض أوّلاً وأخيراً.
خَلْق الله للبشر هو عمَل نِعمة إلهي. الخَلق أتى نتيجةً لإرادة الله الحُرَّة المُطلَقة التي هي غير خاضعة لأيّ تأثير. فصِفات الله كالمَحبَّة هي صِفات عامِلة فيه قبل الخَلق وهي الصِّفة التي من خلالها أجزلَ بنعمته على البشر.
خَلْق الله للبشر هو عمَل نِعمة إلهي
قصد الله من الخلق
قد تسمع أحد يقول أنَّ الله خلَقنا كامتِحان أو خلَقنا لنَعبُده، لكن من الخطأ الاعتِقاد بأنَّ الله خلقَ البشر من أجل ذلك فقط. لا نُنكر أنَّ الله بحُكم التَّعريف يستحقّ عبادتنا وهو يمتحن البشر لكن هذا ليس الغرَض الرَّئيسي من الخَلق، الخليقة التي هي مسرَح لمجد الله وهي موجودة لكي تُخبر عن مجده ونعمته.
وبهذه المحبَّة نفسها يدعو الله البشر إلى التَّوبة عبر الإيمان بعمل المسيح على الصَّليب، فهو يُريد لهم أن يخرجوا من الظُّلُمات إلى نورهِ الحقيقي، وهذه الإرادة منه هي لمَنفعة الإنسان وليست لأيّ حاجة عنده هو.
- The Westminster Confession of Faith. Ligonier Ministries.
مقالات مُشابِهة
ما هي العبادة؟
الأساسيات في المسيحية
صلاة النمو في الحياة الروحية