نجد في المسيحية تحقيقاً لوعود الله، لما سبق وقاله عن مسيحٍ سيأتي من نسل داود ويولد من عذراء في بيت لحم، ويعيدنا إلى الشركة مع الله التي فقدناها بذنوبنا.
إنَّ ما نَعرِفهُ عن المَسيحِيَّة هو ما أُعلِنَ لنا من قِبَل الله. الإعلان عن شَيء يَعني الكَشف عن ما هو مَخفِيّ وإنزال السِّتارة عَنهُ، ابتَدَأَ إعلان الله عن المَسيحِيَّة قبلَ انتِشارِها بِزَمَن طَويل، حَيثُ بَدَأَت تَتَجَلَّى مَعالِمهُ مُنذُ بَدء الخَليقة.
وسَنَذكُر هُنا جُزء من وُعود الله في العَهد القَديم والتي تَحَقَّقَت بالمَسيح في العَهد الجَديد:
• وَعَدَ الرَّب آدَم في التَّوراة بأنَّ رَجُلاً من نَسل المَرأة سَيَأتي ويُتَمِّم ما عَجِزَ عَنهُ آدَم، أي سَيُرضي الله ويُتَمِّم مَشيئَتَهُ. (سِفر التَّكوين 15:3).
• ووَعَدَ الله إبراهيم أنَّ نَسلَهُ الذي سَيَأتي من اِبن المَوعِد إسحاق سَيَكون سَبَب بَرَكة لِجَميع الأُمَم. (سِفر التَّكوين 2:12).
• ثُمَّ وَعَدَ الله الشَّعب على لِسان موسى بأنَّ الله سَيُقيم نَبِيّاً من بَني إسرائيل وسَيَكون كَلام الله في فَم ذاكَ النَّبِيّ وسَيَقول لَهُم كيفَ يَجِب أن يَعبُدوا الرَّب من خِلال عَهد جَديد يَتَفَوَّق على العَهد الأوَّل. (سِفر التَّثنِية 15:18).
• أيضاً وَعَدَ الله داوُد النَّبِي بِمَلِكٍ آخَر سَوفَ يَأتي من نَسلِهِ وسَتَكون مَملَكَة ذلك النَّبي ثابِتة ولَيسَت مُتَزَعزِعة كَمَملَكَة داوُد الأرضِيَّة التي تَهَدَّمَت. (سِفر صَموئيل الثَّاني 12:7).
• كَما وَعدَ الله على فَم جَميع أنبِيائِهِ أنَّ عَلاقة البَشَر مع الله سَتَعود وتُبنى من جَديد، وأنَّهُ على الرَّغم من شُرور الإنسان لكنَّ الله سَوفَ يَفتَقِد شَعبه.
وُجود الوُعود الإلهية يَعني أنَّ هُناكَ تَتميماً لَها لأنَّ الله صادِق بِوُعودِهِ.
ابتداء دين المسيح
في القَرن الأوَّل الميلادي وُلِدَ رَجُل من نَسل المَرأة، من عَذراء، من نَسل إبراهيم وداوُد، وأخبَرَ الشَّعب برِسالة إلهِيَّة كَنَبِيّ، أسَّسَ مَملَكة رُوحِيَّة ثابِتة وسَتَستَمِرّ إلى الأبَد، أتى هذا الرَّجُل وأعلَنَ أنَّهُ هو الذي سَيُتَمِّم وُعود الله وسَيُعيد بِناء ما تَهَدَّم، وأظهَرَ لنا كيفَ افتَقَدَ الله شَعبَهُ وأعَدَّ لَهُم الخَلاص عن طَريقِهِ هو.
“هَذَا الإِنْجِيلِ الَّذِي وَعَدَ اللهُ بِهِ مِنْ قَبْلُ عَلَى أَلْسِنَةِ أَنْبِيَائِهِ فِي الْكُتُبِ الْمُقَدَّسَةِ، وَهُوَ يَخْتَصُّ بِابْنِهِ الَّذِي جَاءَ مِنْ نَسْلِ دَاوُدَ مِنَ النَّاحِيَةِ الْبَشَرِيَّةِ؛ وَمِنْ نَاحِيَةِ رُوحِ الْقَدَاسَةِ، تَبَيَّنَ بِقُوَّةٍ أَنَّهُ ابْنُ اللهِ بِالْقِيَامَةِ مِنْ بَيْنِ الأَمْوَاتِ. إِنَّهُ يَسُوعُ الْمَسِيحُ رَبُّنَا.” (رِسالة بولُس الرَّسول إلى أهل روما 2:1-4).
وُجود الوُعود الإلهية يَعني أنَّ هُناكَ تَتميماً لَها لأنَّ الله صادِق بِوُعودِهِ
لذلك تَعاليم المَسيحِيَّة وأساساتها تَرتَكِز على تَعاليم ما سَبَقَها من كُتُب أوحاها الله. إنَّ الكِتاب المُقدَّس اليَهودي (أي ما يُعرَف في المَسيحِيَّة بالعَهد القَديم فيما يَضُمَّهُ من تَوراة ومَزامير وكُتُب الأنبِياء) هو جُزء لا يَتَجَزَّأ من الكِتاب المَسيحي. فالمَسيحِيَّة تُكَمِّل تَعاليم العَهد القَديم وتُتَمِّمها في العَهد الجَديد، إذ نَجِد بينَ العَهدَين تَرابُطاً وَثيقاً وَصِلَة وَصل بِحَبكة إلهِيَّة تَفوق قُدرَة البَشَر، تُظهِر لنا تَدَرُّجاً تَصاعُدِيّاً في الأحداث لِكَي يوصِلنا لِحَقيقة واحِدة. فالعَهد القَديم يَنظُر للمُستَقبَل، ويؤسِّس للإيمان المَسيحي. يَقول إيرانِيوس أحَد آباء الكَنيسة في القَرن الثَّاني: “العَهد القَديم والعَهد الجَديد هُما في جَوهَرهِما عَهداً واحِداً لأنَّهُما من الإله الواحِد ويُعَلِّمانِ عن الخَلاص الواحِد”.¹ على الرّغم من الفُروقات في التَّدبير بَينَنا وبينَ الشَّعب في العَهد القَديم لكِنَّهُم يَتَشارَكونَ مَعَنا الميراث ذاته ويُشارِكونَنا بِرَجاء الخَلاص نَفسه من خِلال نِعمَة الوَسيط الواحِد. يَقول جون كالفِن: “كُل البَشَر الذينَ اختارَهُم الله مُنذُ بِدايَة العالَم ودَعاهُم إلى شَرِكَة شَعبِهِ، دَخَلوا مَعَهُ في عَهد من خِلال الشَّريعة والتَّعليم ذاتِهِما اللَّذَينِ ارتَبَطنا نحنُ بِهِما أيضاً….العَهد الذي قَطَعَهُ الله مع كُل الآباء يُشبِه إلى حَدٍّ بَعيد في الجَوهَر والواقِع العَهد الذي قَطَعَهُ مَعَنا.”²
لذلك تَعاليم المَسيحِيَّة وأساساتها تَرتَكِز على تَعاليم ما سَبَقَها من كُتُب أوحاها الله
ما هي أركان الإيمان المسيحي؟
إنَّ أركان الإيمان المَسيحي هي الإيمان بالأنبِياء (أي الكُتُب التي سَبَقَت المَسيح وتَوَقَّعَت مَجيئِهِ) والرُّسُل (أي أتباع المَسيح الذينَ نَقَلوا لنا رِسالَتهُ) ويَسوع المَسيح نَفسهُ حَجَر الزَّاوِية.
“وَقَدْ بُنِيتُمْ عَلَى أَسَاسِ الرُّسُلِ وَالأَنْبِيَاءِ، وَالْمَسِيحُ يَسُوعُ نَفْسُهُ هُوَ حَجَرُ الزَّاوِيَةِ الأَسَاسُ” (رِسالة بولُس الرَّسول إلى أهل أفَسُس 20:2).
يُشَبِّه بولُس الرَّسول اتِّحاد جَماعَة المؤمِنين مع بَعض على هذهِ الأساسات “بالبِناء”، لذلك لِكَي يَصيرَ المؤمِن المَسيحي جُزءً من جَماعَة المؤمِنين التي هي هَيكَلاً مُقَدَّساً للرَّب ولِكَي يُصبِح إناءً مُختاراً يَحمِل اِسم الرَّب، عليهِ أن يَكونَ من ضِمن هذا البِناء.
“الَّذِي فِيهِ يَتَنَاسَقُ الْبِنَاءُ كُلُّهُ فَيَرْتَفِعُ لِيَصِيرَ هَيْكَلاً مُقَدَّساً فِي الرَّبِّ. وَفِيهِ أَنْتُمْ أَيْضاً قَدْ بُنِيتُمْ مَعاً فَصِرْتُمْ مَسْكِناً لِلهِ بِوُجُودِ الرُّوحِ.” (رِسالة بولُس الرَّسول إلى أهل أفَسُس 21:2-22)
دُعِيَت المَسيحِيَّة في مَرحَلة مُبَكِّرة من انتِشارِها بِاسم “الطَّريق” (سِفر أعمال الرُّسُل 23:19)، وهذا لأنَّ المَسيحِيِّين كانوا يُعَلِّمونَ النَّاس طَريقَ الخَلاص عبرَ الإيمان بالمَسيح يسوع، وقَد وُصِفَت المَسيحِيَّة في نَشأَتِها على أنَّها “بِدعة” من قِبَل اليَهود الذينَ لم يؤمِنوا بالمَسيحِيَّة (سِفر أعمال الرُّسُل 14:24)، لكن لاحِقاً دُعِيَ التَّلاميذ الأوائِل مَسيحِيُّون لأوَّل مرَّة في أنطاكية، نِسبَةً للمَسيح الذي كانوا يُنادُونَ بِهِ وبِتَعاليمِهِ ويَعيشونَها لِيَكونوا مِثالاً حَيّاً للجَميع.
“…وَفِي أَنْطَاكِيَةَ أُطْلِقَ عَلَى تَلاَمِيذِ الرَّبِّ أَوَّلَ مَرَّةٍ اسْمُ الْمَسِيحِيِّينَ.” (سِفر أعمال الرُّسُل 26:11).
والمُفارَقة أنَّ الذينَ أَطلَقوا هذهِ التَّسمِية على المَسيحِيِّين هُم أخصامهُم آنَذاك لكِنَّ هذا الاِسم يُعَبِّر عن حَقيقَة إيمانِنا بِأنَّنا نَنتَسِب للمَسيح رَبّنا ومُخَلِّصنا الوَحيد.
- تحميل كتاب ضد الهرطقات كامل خمسة كتب للقديس إيرينيئوس أو القديس جيروم PDF – مكتبة نور (noor-book.com)
- أسس الدين المسيحي – الجزء الأول by John Calvin (goodreads.com)
مقالات مُشابِهة
الأساسيات في المسيحية
ما هي الطوائف المختلفة في المسيحية؟
مفاهيم خاطئة شائعة عن المسيحية
مؤمن بالمسيح وفي بلد لا يدين بالمسيحية؟ كيف تسوي!!!