صورة لكتاب قديم

قد تسمع أحياناً أو تقرأ عن أناجيل غير الأناجيل التي يؤمن بها المسيحيُّون. من هذه الأناجيل إنجيل برنابا، ما صِحّة هذا الإنجيل وهل حقّاً برنابا هو الذي كتبه؟

هو إنجيل يُنسَب إلى برنابا الذي كان أحد المسيحيِّين الأوائل. وهو غير الرِّسالة التي تُنسَب أيضاً إلى برنابا والتي تعود للقرن الثاني.

محتوى إنجيل برنابا

يكفي أن نقرأ أوَّل فصل من إنجيل برنابا لكي نعرف هدف كتابة هذا الإنجيل، وهو بحسب رأي الكاتب “تصحيح المفهوم السَّائد عن حياة المسيح الذي تمَّ تحريف قصته على يد بولُس الرَّسول”، ويقول مؤلِّف هذا الكتاب ذلك صراحةً في مُقدِّمة كتابه:

“أيُّها الأعزَّاء إنَّ الله العظيم العجيب قد افتقدَنا في هذه الأيَّام الأخيرة بنبيِّه يسوع المسيح برحمة عظيمة للتَّعليم والآيات التي اتَّخذها الشَّيطان ذريعة لتضليل كثيرين بدعوى التَّقوى، مبشِّرين بتعليم شديد الكُفر، داعين المسيح اِبن الله، ورافضين الخِتان الذي أمر به الله دائماً، مجوزين كل لحم نجس، الذين ضلَّ في عدادهم أيضاً بولُس الذي لا أتكلَّم عنه إلَّا مع الأسى، وهو السَّبب الذي لأجله أُسَطِّر ذلك الحقّ الذي رأيته وسمعته أثناء مُعاشرتي ليسوع…”¹

Good News in Arabic

يدَّعي الكاتب أنَّه شاهِد عيان على الأحداث ويريد تصحيح ما تمَّ تحريفه. يستخدم في كتابه الكثير من ما جاءَ في الأناجيل الأربعة من تفاصيل عن حياة المسيح، كبِشارة مريم ودَور يوسف في حياتها من إنجيل متَّى، ونسيانهما ليسوع من إنجيل لوقا، ومُعجزة قانا الجليل المذكورة في إنجيل يوحنَّا، كما يذكُر معجزات مختلفة من الأناجيل الأربعة، ومجادلات يسوع مع القادة الدِّينيِّين اليهود، وفي النِّهاية يُخبرنا أنَّه في ليلة القبض على يسوع أخذهُ الله من النَّافذة وأوقعَ على يهوذا الإسخريوطي شبَه يسوع ليموت يهوذا بدلاً عن المسيح.

كما يُغيِّر الكاتب في سَرد تفاصيل بعض الأحداث، حتَّى في التي يأخذها بشكل مباشر من الأناجيل الأربعة، إذ يُعدِّل كل ما يُلمِّح أو يُشير في الأناجيل إلى أُلوهيَّة المسيح، والهدف من ذلك هو جعل المسيح مُجرَّد نبي وهذا التَّغيير ليس له علاقة ببولُس لأنَّه طال كُتَّاب الأناجيل الأربعة أوَّلاً، والهدف جعل المسيح مُجرَّد رَجُل بشَّرَ بنَبِيٍّ سيأتي من بعدهِ، وأخذهُ الله إلى السَّماء قبل الصَّلب ليُصلَب يهوذا الإسخريوطي بدلاً عنه.

هل برنابا الرسول هو الكاتب؟

يُرَجِّح العُلماء أنَّ إنجيل برنابا كُتِبَ في مرحلة مُتقدِّمة من القرون الوسطى، خلال فترة تتراوح بين القرن الثَّالث عشر والخامس عشر، ممَّا يُلغي احتماليَّة أن يكون برنابا هو حقّاً الذي كتبه، ويُلغي أيضاً احتماليَّة احتوائه على أحداث قد حصلت حقّاً مع المسيح.²

المخطوطة الإيطاليَّة التي وُجدت لإنجيل برنابا هي المخطوطة الأصليَّة، ومن الواضح بحسب العُلماء أنَّها كُتِبَت بإحدى اللَّهجات الإيطاليَّة ويعود تاريخها للقرن الرَّابع عشر، وصِياغتها تَنفي أن تكون نُقِلَت من لُغة مُتداوَلة في القرون الأولى للمسيحيَّة. وكما يُتوقَّع من أيّ مُؤلِّف مُلَفِّق يريد أن يذكُر أحداثاً حصلت قبل قرون عديدة، أنَّه سيَقع في فخّ المُغالَطات التَّاريخيَّة والأخطاء الكثيرة.³

واحدة من سِمات الأناجيل القانونيَّة أنّ آباء الكنيسة الأوائل اقتَبَسوا منها بإسهاب، وعَلَّموا منها واعتبروها ذات سُلطة، وقد حصلَ ذلك في مناطق مختلفة وأحياناً بمعزِل عن بعضهم، لكن إنجيل برنابا لم يكُن له ذِكر لأكثر من ألف سنة بعد نشوء المسيحيَّة، سِوى في نَصّ واحد من القرن السَّادس يُعرَف بِاسم “Decterum Gelasianum” والذي يذكُر الاِسم فقط دون إعطاء تفاصيل في قائمة تحتوي على جميع أسماء الأناجيل المُلفَّقة. هذا النَّص يذكُر مُختلَف الأناجيل التي كُتِبت بعد عصر الرُّسل والتي رفضها المسيحيُّون حينها لأنَّها حديثة التَّأليف ولا تعود لأحد أتباع المسيح. إنجيل برنابا المذكور في هذا النَّص هو غير إنجيل برنابا المعروف اليوم، ويبدو أنَّ المُزَوِّر حاولَ نَسب الإنجيل إلى برنابا لأنَّه كان على دِراية بوجود إنجيل سابِق بهذا الاِسم.


لكن إنجيل برنابا لم يكُن له ذِكر لأكثر من ألف سنة بعد نشوء المسيحيَّة


هل بإمكاننا الوثوق في إنجيل برنابا؟

يمتلئ إنجيل برنابا بالمُفارَقات التَّاريخيَّة، حيث يذكُر الكاتب أُموراً مألوفة له في العصر الذي عاشَ فيه ويُطبِّقها على القرن الأوَّل الميلادي. مثلاً يذكُر أنَّ أزِقَّة الخمر كانت من خشَب (الفصل 152)، لكن هذا كان في القرون الوسطى في أوروبّا وليس في القرن الأوَّل في اليهوديَّة حيث كانت تُصنَع الأزِقَّة من جُلود الحيوانات. كما يتحدَّث أيضاً عن الشَّنق (الفصل153 ) كوَسيلة إعدام في حين أنَّها لم تكُن تُستخدَم أيَّام المسيح.

يُخطئ إنجيل برنابا في حِساب سَنة اليوبيل (الفصل 82) التي يَظُنّ فيها أنَّها مئة عام بعدما كان هذا قراراً حديثاً للبابا بونيفاس الثَّامن، وذلك يختلف كُلِّيّاً عن عدد سنوات اليوبيل اليهودي الذي كان سائداً أيَّام المسيح.³ كما يُخطئ أيضاً بالجُغرافيا ويجعل نينوى على ضِفاف شاطئ البحر، ويقول أنَّ يسوع يصِل إلى النَّاصرة عبر بحر الجليل (الفصل 20) في حين أنَّ ذلك غير ممكن.

يقتبِس إنجيل برنابا من التَّرجمة اللَّاتينيَّة الفولغاتا التي ترجَمها جيروم في القرن الرَّابع والتي كانت شائعة الاستخدام في العصور الوسطى في أوروبّا، كما يستخدم مُصطَلحات لا تُناسِب سِوى عصره، كالفُروسيَّة التي سادت في زمن كتابة ما يُسمَّى بإنجيل برنابا، مع العِلم أنَّ كل ذلك لم يعرفه القرن الأوَّل.

إنَّ الأناجيل الأربعة التي يؤمن بها المسيحيُّون هي الأقرَب لحياة المسيح وهي الوحيدة التي يُمكن إثبات أنَّها تعود حقّاً لمن تُنسَب إليهم، حتَّى الأناجيل المنحولة التي تعود للقرن الثَّاني لا تصمُد أمام قوَّة الأدِلَّة التي تُثبِت صِحَّة الأناجيل القانونيَّة التي تعود للقرن الأوَّل مهما حاولَ البعض قلب الموازين وتزييف الحقائق.


مقالات مُشابِهة

ماذا عن الأناجيل الأخرى؟
معجزات يسوع في الأناجيل
مقارنة الأناجيل الأربعة


تبغى تتواصل مع مسيحي؟ تواصل معنا بكل امان الحين.