مجرم غني جالس على طاولة في مطعم

يبدأ المزمور الأوَّل من سِفر المزامير بالحديث عن نوعين من الأشخاص، نوع اختارَ أن يتَّقي الله ويَحيد عن مشورة الأشرار ونوع آخر اختارَ أن يسلُك في طريق الخُطاة. ويُكمِل المزمور ليُخبرنا أنَّ كُل خَيار له عواقِب، فتَقوى الله تُنتِج برَكة مُستَمِرَّة على حياة الإنسان، أمَّا فِعل الشِّر فيُنتِج على صاحبهِ قضاءً إلهيّاً مَحتوماً.

“طُوبَى لِلإِنْسَانِ الَّذِي لاَ يَتْبَعُ مَشُورَةَ الأَشْرَارِ، ولاَ يَقِفُ فِي طَرِيقِ الْخَاطِئِينَ، وَلاَ يُجَالِسُ الْمُسْتَهْزِئِينَ. بَلْ فِي شَرِيعَةِ الرَّبِّ بَهْجَتُهُ، يَتَأَمَّلُ فِيهَا نَهَاراً وَلَيْلاً. فَيَكُونُ كَشَجَرَةٍ مَغْرُوسَةٍ عِنْدَ مَجَارِي الْمِيَاهِ، تُعْطِي ثَمَرَهَا فِي حِينِهِ، وَوَرَقُهَا لاَ يَذْبُلُ، وَكُلُّ مَا يَصْنَعُهُ يُفْلِحُ. لَيْسَ كَذَلِكَ حَالُ الأَشْرَارِ، بَلْ إنَّهُمْ مِثْلُ التِّبْنِ الَّذِي تُبَدِّدُهُ الرِّيحُ. لِذَلِكَ لاَ تَقُومُ لَهُمْ قَائِمَةٌ فِي يَوْمِ الْقَضَاءِ، وَلاَ يَكُونُ لِلْخُطَاةِ مَكَانٌ بَيْنَ جَمَاعَةِ الأَبْرَارِ، لأَنَّ الرَّبَّ يَحْفَظُ طَرِيقَ الأَبْرَارِ، أَمَّا طَرِيقُ الأَشْرَارِ فَمَصِيرُهَا الهَلاَكُ.” (مزمور 1:1-6)

لكن أحياناً نشعر أنَّ الواقع من حولنا مُختلف عمَّا جاء في المزمور السَّابق، فقد نرى الكثير من الأشرار ينعَمون بالخَيرات والبرَكات الأرضيَّة بينما العديد من الأتقياء يتألَّمون ويُعانون، والمُلفِت أنَّه يوجد أيضاً مزمور آخر من نفس السِّفر يتحدَّث عن ازدِهار الأشرار (المزمور 73)، وآساف كاتب هذا المزمور يقول أنَّه كادَ أن يقَع في فَخّ حسَد هؤلاء الأشرار بل حتَّى أنَّه كانَ يشعُر برَغبة في التَّمثُّل بهِم وتمَنِّي في لو أنَّه كانَ مثلهم:

“أَمَّا أَنَا فَقَدْ أَوْشَكَتْ قَدَمَايَ أَنْ تَزِلاَّ، وَخَطَوَاتِي أَنْ تَنْزَلِقَ، لأَنِّي حَسَدْتُ الْمُتَكَبِّرِينَ، إِذْ شَاهَدْتُ نَجَاحَ الأَشْرَارِ.” (مزمور 2:73-3)

فكيف نفهم إذاً ما جاء في المزمور الأوَّل عن مُجازاة الأشرار وعقابهم، وفي المزمور 73 الذي يتحدَّث عن ازدِهار الأشرار ونجاحهم؟

أولاً: نحنُ كبشَر لا نرى سِوى المظاهِر الخارجيَّة للنَّاس من حولنا لأنَّنا أشخاص محدودين، أمَّا الرَّب فكُل شيء عُريان ومكشوف أمامه لأنَّه فاحص القُلوب والنَّوايا والخَفايا. بعد أن تاب آساف عن رغبته في التَّشبُّه بالأشرار، أخبرَنا كيف أنَّ ازدِهار الشَّرير يجعل هذا الأخير يستمِرّ في شَرِّهِ ويُقَسّي قلبهُ عن تقوى الله شيئاً فشيئاً، وهذا شكل من أشكال القضاء الإلهي. فالشِّرِّير يظنّ أنَّه في سَلامٍ وأمان لكنَّه في الحقيقة يكون واقعاً في فَخّ الوَهم ممَّا يجعله يغرَق في تَكبُّرهِ أكثر وأكثر كل ما طالَت مدَّة ابتعاده عن الله، ليس هذا فقط بل سيأتي اليوم الذي سيُدان فيه الشِّرير ويُعاقَب أشدّ عِقاب بانفصاله الأبدي عن الله.

“وَعِنْدَمَا نَوَيْتُ أَنْ أَفْهَمَ هَذَا، تَعَذَّرَ الأَمْرُ عَلَيَّ، إِلَى أَنْ دَخَلْتُ أَقْدَاسَ اللهِ، وَتَأَمَّلْتُ آخِرَةَ الأَشْرَارِ حَقّاً إِنَّكَ أَوْقَفْتَهُمْ فِي أَمَاكِنَ زَلِقَةٍ، وَأَوْقَعْتَهُمْ فِي التَّهْلُكَاتِ. كَيْفَ صَارُوا لِلْخَرَابِ فَجْأَةً؟ انْقَرَضُوا وَأَفْنَتْهُمُ الدَّوَاهِي. كَحُلْمٍ يَتَلاَشَى عِنْدَ الْيَقَظَةِ هَكَذَا تَخْتَفِي صُورَتُهُمْ عِنْدَمَا تَنْهَضُ يَارَبُّ لِمُعَاقَبَتِهِمْ.” (مزمور 16:73-20)

ثانياً: حين يتحدَّث الكتاب المقدَّس عن البرَكة والخير فذلك لا ينحصر فقط في الإطار الدُّنيَوي، بل أيضاً في الإطار السَّماوي الأبَدي. فالخلاص الذي حصلَ عليه كل من آمنَ واتَّقى الله هو خَلاص من القَضاء الإلهي وحصول على الحياة الأبديَّة، ومهما طالت حياتنا على الأرض إلَّا أنَّها تبقى محدودة خاصَّةً إذا ما قورِنَت بالأبديَّة. وقد وصلَ آساف إلى هذه الاستنتاجات بعدما دخل أقداس الله (الآية 17) أي بعدما قضى وقتاً في العبادة والصَّلاة والتَّأمل في كلمة الله وفي وعوده الصَّادقة، وحينها أدركَ بأنَّ عبادته للرَّب هي أسمى برَكة في حياته وهي سبب رجائه في هذه الدُّنيا الفانية حيث قال:

“غَيْرَ أَنِّي مَعَكَ دَائِماً، وَأَنْتَ قَدْ أَمْسَكْتَ بِيَدِي الْيُمْنَى. تَهْدِينِي بِمَشُورَتِكَ، وَبَعْدَ ذَلِكَ تَأْخُذُنِي إِلَى الْمَجْدِ. مَنْ لِي فِي السَّمَاءِ غَيْرُكَ؟ وَلَسْتُ أَبْغِي فِي الأَرْضِ أَحَداً مَعَكَ. إِنَّ جَسَدِي وَقَلْبِي يَفْنَيَانِ، أَمَّا اللهُ فَهُوَ صَخْرَةُ قَلْبِي وَنَصِيبِي إِلَى الدَّهْرِ. هُوَذَا الْمُبْتَعِدُونَ عَنْكَ يَهْلِكُونَ وَأَنْتَ تُدَمِّرُ كُلَّ مَنْ يَخُونُكَ. أَمَّا أَنَا فَخَيْرٌ لِي أَنْ أَقْتَرِبَ إِلَى اللهِ، لأَنِّي عَلَى السَّيِّدِ تَوَكَّلْتُ، لأُحَدِّثَ بِجَمِيعِ عَجَائِبِكَ.” (مزمور 23:73-28)


مقالات مُشابِهة

اضمن حياتك..
أين ستقضي الأبدية؟
الطريق الوحيد


تبغى تتواصل مع مسيحي؟ تواصل معنا بكل امان الحين.