Father and son holding hands and walking together

الأمان في التبعية

عندما يتبع الأطفال الصِّغار آباءهم، يشعرون بالأمان لأنَّهم يثِقون تماماً بأنَّ أباءهم لن يعرِّضوهم للخطر، فيتبعونهم بخطوات ثابتة مُتسلِّحين بالثِّقة. هذا ينطبق أيضاً على القادة الموثوقين في أيّ مجال من مجالات حياتنا، فعندما نتبع شخصاً نثِق بقيادته وحمكته في اتِّخاذ القرارات، نشعر بالاطمئنان. لكن ومع ذلك، إذا بدَت لنا الأُمور على عكس توقُّعاتنا، نبدأ حينها بالشَّكّ في حكمة هذا القائد وكفاءَته، ممَّا يجعلنا نتردَّد من الاستمرار في تبعيَّته.

حيرة تلاميذ المسيح

هذا ما حصل مع تلاميذ المسيح، فرغم أنَّهم كانوا يتبعون قائداً غير عادي، الإله الذي ظهر في الجسد وصنع المعجزات، وشفى البُرص والعُمي، وطرد الشياطين، وأقام الموتى، وأطعم أكثر من أربعة ألاف شخص ببضعة أرغفة، إلَّا أنَّهم شعروا بالحيرة والشَّك والخوف حين كان يتقدَّمهم إلى أورشليم.

“وَكَانُوا فِي الطَّرِيقِ صَاعِدِينَ إِلَى أُورُشَلِيمَ، وَيَسُوعُ يَتَقَدَّمُهُمْ، وَكَانَ التَّلامِيذُ مُتَحَيَّرِينَ وَالَّذِينَ يَتْبَعُونَهُ خَائِفِينَ…” (إنجيل مَرقُس 32:10)

لماذا شعرَ التلاميذ بالحيرة رغم عِلمهم ودِرايتهم بحقيقة قائدهم؟ انتابهم الخوف والشَّك لأنَّ المسيح أخبرهم أنَّه سوف يُقتَل في أورشليم، وها هو يتقدَّمهم إلى المدينة التي سيُواجه فيها مصيره.

“…فَانْفَرَدَ بِالاِثْنَيْ عَشَرَ، مَرَّةً أُخْرَى، وَأَخَذَ يُطْلِعُهُمْ عَلَى مَا سَيَحْدُثُ لَهُ، فَقَالَ: هَا نَحْنُ صَاعِدُونَ إِلَى أُورُشَلِيمَ، وَسَوْفَ يُسَلَّمُ ابْنُ الإِنْسَانِ إِلَى رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَإِلَى الْكَتَبَةِ، فَيَحْكُمُونَ عَلَيْهِ بِالْمَوْتِ، وَيُسَلِّمُونَهُ إِلَى أَيْدِي الأُمَمِ، فَيَسْخَرُونَ مِنْهُ، وَيَبْصُقُونَ عَلَيْهِ، وَيَجْلِدُونَهُ، وَيَقْتُلُونَهُ. وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومُ!” (إنجيل مَرقُس 32:10-34)

هذا الخبر أدخلهم في حيرة كبيرة وزعزعَ ثقتهم بالمسيح، حيث ظنُّوا أنَّه لا يدري ماذا يفعل. لكنَّهم لم يكونوا مدركين لمعنى ما يقوم به. فالصَّليب هو الهدف الرَّئيسي للتَّجسُّد، وقد أعلنَ لهم المسيح ذلك، لكنَّهم لم يتمكَّنوا من فهم كل شيء إلَّا بعد موته وقيامته وتجلِّيه لهم.

incarnation in arabic

الرؤية المحدودة

لو فهم التلاميذ هذه الحقائق منذ البداية، لما انتابتهم الحيرة ولما تملَّكهم الخوف، بل لكانوا سيتبعون المسيح بثقة. حال التلاميذ آنذاك يشبه حالنا في الكثير من الأوقات، فكم من مرَّة واجهنا مواقف غير مفهومة بالنِّسبة لنا، جعلتنا نشُكّ بصَلاح الله وحكمته؟ إذاً، كُلُّنا في مرحلةٍ ما من حياتنا اختبرنا شعور التلاميذ هذا، شعور الحيرة والخوف من حقيقة اتِّباعنا لله. فدائماً حين ينتهي الأمر الذي جعلنا نشُكّ بحكمة الله وصلاحه، ننظر إلى الوراء بخجل ونُدرِك حينها أنَّ شكَّنا لم يكن في محلِّه وأنَّ رؤيتنا للأُمور كانت محدودة جداً، تماماً كما حصل مع التَّلاميذ.

الاستمرار في اتباع الله رغم كل شيء

هذه الحادثة كجميع أحداث الكتاب المقدَّس كُتِبَت لكي نستقي منها الدُّروس والعِبَر، ونتعلَّم منها أنَّ علينا أن نتبع الله دائماً في مختلف الأحوال والظُّروف، بخطوات ثابتة وبثقة مُطلَقة في قيادته وحكمته وإرشاده حتَّى ولو بدت لنا الأُمور ضبابيَّة وغير واضحة، فالرَّب يعلَم ما لا نعلَم ورؤيته غير محدودة وهو يعرف كيف يقودنا في مسيرتنا الإيمانيَّة لكي ننمو أكثر وننضج في حياتنا الرُّوحيَّة.

“اتَّكِلْ عَلَى الرَّبِّ بِكُلِّ قَلْبِكَ، وَعَلَى فِطْنَتِكَ لَا تَعْتَمِدْ.” (سِفر الأمثال 5:3)


مقالات مُشابِهة

الفرح والسلام الحقيقي
النضج الروحي المبكر
أقوال مسيحية شهيرة


تبغى تتواصل مع مسيحي؟ تواصل معنا بكل امان الحين.