Representation of death waiting

كم أجَّل نديم رحلة عودته إلى وطنه، وحين عاد رأى ما جعله يندم حين لم يعد ينفع النَّدم. فما الذي حصل مع نديم؟

نديم هو اِبنٌ وحيد لأرملة شابَّة رفضت جميع عروض الزَّواج لكي تستطيع أن تُعطي لطفلها كل وقتها وجهدها ورعايتها، حتَّى أنَّها ابتعدت عن صديقاتها وجعلت الأولويَّة في حياتها لتربية طفلها فقط، وقد خسرت زوجها نتيجة حادث سَير مؤلم حين كانت حاملاً بطفلها، فكرَّست حياتها لتعويضه خسارة والده، وكانت له بمثابة الأب والأُمّ والأخ والأُخت والصَّديقة.

كَبُرَ نديم وسافرَ ليُكمِل دراسته خارج البلاد، وكان يُهاتِف والدته يوميّاً ويزورها كل ما سنحَت له الفرصة. وقد ألحَّ كثيراً على والدته كي ترافقه إلى حيث يعيش، لكنَّها كانت ترفض دائماً ولم تُشعرهُ يوماً بأنَّ الطَّبيب منعها من صعود الطَّائرة لأنَّها تعاني من مرضٍ خطيرٍ في القلب.

وبعد سنوات أكملَ نديم اختصاصه كطبيب، وعُرِضَ عليه أن يستلِم قِسم أبحاث في مستشفى هامّ في البلد التي درسَ فيها، فقرَّر القبول والبدء بالعمل. ومنذ ذلك الحين أصبحت زياراته لوالدته تقلّ بسبب أشغاله الكثيرة، ثمَّ تعرَّف على فتاةٍ هناك وأحبَّها وكان ينتظر أن يأتي معها لزيارة والدته لكي يُعرِّفها بها ويتزوَّج بحضورها، لكنَّ مشاغله منعته من زيارة وطنه لأكثر من سنتين.

العودة إلى الوطن

كل ما حجزَ نديم تذكرة سَفر إلى موطنه كان يطرأ عليه أمرٌ ما في العمل ويجعله يؤجِّل تلك الزِّيارة ويُلغي سَفره. وأخيراً وبعد مرور ثلاث سنوات أتى مع حبيبته ليرى أُمَّه التي طال اشتياقه إليها. وكان طوال الطَّريق يفكِّر كيف سيحتضنها ويقبِّل يديها التي جعلت منه طبيباً هامّاً، وراح يفكِّر كم لديه من أخبار سارَّة سيُخبرها بها، ثمَّ ابتدأ يتوقَّع بأنَّ أُمَّه ستُحِبّ الفتاة التي أحضرها معه وستُبارك زواجه بها.

وحين وصل إلى البيت رأى الباب مفتوحاً والمنزل يعجّ بالنَّاس الذين يرتدون السَّواد، فاستغربَ وراح يسأل ما الذي يجري وماذا يفعل هذا الجمع الغفير في بيت أُمِّه؟ والأهمّ من ذلك أين هي أُمُّه؟ فتقدَّمت خالته وآثار البكاء على عينيها وقالت له: لقد انتظرَتكَ كثيراً كي تعود وتُكحِّل عينيها برؤيتك، لكنَّ قلبها المريض أبى أن يسمح لها بالانتظار أكثر من ذلك، وقد فارقَت الحياة بالأمس وليس على لسانها سوى جُملة “أُريد أن أراه لقد طالَ غيابه”.

حينها سقطَ نديم على رُكبَتيه مذهولاً ومصدوماً ممَّا سَمع، وراح يرثي أُمَّه بمرارة والدُّموع تنهمر من عينيه ويقول: ليتني لم أُلغِ رحلاتي السَّابقة، ليتني أتيتُ ولم أؤجِّل، ليتني رأيتكِ يا أُمّي وكحَّلت عيناي برؤيتك.

العبرة

لا تؤجِّل عودتك إلى حضن الآب السَّماوي الذي ينتظرك ويقول:

“هَا أَنَا وَاقِفٌ خَارِجَ الْبَابِ أَقْرَعُهُ. إِنْ سَمِعَ أَحَدٌ صَوْتِي وَفَتَحَ الْبَابَ، أَدْخُلُ إِلَيْهِ فَأَتَعَشَّى مَعَهُ وَهُوَ مَعِي.” (رؤيا يوحنَّا 20:3)

اِفتح باب قلبك لهُ ودَعهُ يدخل ويُغيِّرك ويعطيك حياةً أبديَّة ليس فيها موت. لا تؤجِّل هذه الفرصة للغد ولا حتَّى للحظات، فرُبَّما لا يأتي الغد، وحينها ستندم حيث لا ينفع النَّدم، فمن منَّا يدري إن كان سيحصل على يومٍ آخر أو ساعة أُخرى من عمره في هذه الحياة.

“…الْيَوْمَ، إِنْ سَمِعْتُمْ صَوْتَهُ، فَلاَ تُقَسُّوا قُلُوبَكُمْ.” (الرِّسالة إلى العبرانيِّين 7:4)


مقالات مُشابِهة

حين تتحول البركة إلى لعنة
عدالة السماء
قصة سارة


تبغى تتواصل مع مسيحي؟ تواصل معنا بكل امان الحين.