Darkness leading into light

كثيراً ما تُزعِجنا التَّعديلات والتَّغييرات التي يقوم بها كل من يريد أن يحوِّل القصص الكتابيَّة إلى أفلام أو مسلسلات، ولنا الحق في أن نتضايق فأحياناً تكون الإضافات كثيرة ومُقحَمة وغير ضروريَّة، فالقصص الكتابيَّة لم تُكتَب لتكون مسرحيَّات أو مسلسلات بل دوَّنها لنا الوَحي لكي تُقرأ وتدُرَس وتؤخذ منها العِبَر الرُّوحيَّة الكثيرة. لكن لا ضَير من أن تُقدَّم تلك القصص على شكل أعمال دراميَّة من أجل جَذب العديد النَّاس الذين لا يقرأون الكتاب المقدَّس أصلاً وربَّما لا يعرفون شيئاً عن تلك القصص قبل أن يشاهدوها على الشَّاشة. ولنكون مُنصِفين نقول إنَّه من الطَّبيعي أن يضطَّر القيِّمون على الصِّناعة الدراميَّة أن يضيفوا بعض الجُمَل في سياق الحديث بين الشَّخصيات وبعض الأحداث المرتبطة بالقصَّة من أجل سَدّ الفراغات التي قد لا يذكُرها النَّص في الكتاب المقدَّس بشكل مباشر.

هدف هذه الإضافات الدراميَّة هو تقريب الصُّورة للجمهور وتوضيحها، وأحياناً تشويق النَّاس لتسلسُل القصَّة، وبطبيعة الحال هذه ضريبة الانتقال من النَّص الذي كُتبَ لجُمهورٍ عاشَ قبل مئات السِّنين، وتوصيله إلى جمهورٍ حاليٍّ يريد مشاهدة القصَّة على شاشة العرض دون عناء القراءة من الكتاب مباشرةً. وأحياناً تكون بعض هذه الإضافات في محلِّها وتبدو كتعليق واعِظ على القصَّة، فكل الوعَّاظ حين يروُون قصَّة كتابيَّة في عِظاتهم يحاولون سَدّ الفراغات في القصَّة بأحداث متوقَّعة يفترضها السِّياق.

سقوط شمشون الجبار

وكمثال على كلامنا نجد في أحد المسلسلات الرُّوحيَّة التي تتحدَّث عن قصَّة شمشون الجبَّار، أنَّ هناك إضافة مؤثِّرة ومُعبِّرة وتُلخِّص ما حدث مع شمشون الذي كان أحد المُقاتلين الأشدَّاء والذي كانت قوَّته تكمُن في شَعره الطَّويل الذي أعطاه له الله وميَّزه به عن غيره لكي يُخلِّص شعبه من أعدائهم، لكنَّه لم يستثمر موهبته وقوَّته كما يجب، أي لم يستخدمها لمجد الله ولنُصرة شعبه بل استخدمها لغايات شخصيَّة وأفشى بسِرّ قوَّته تلك إلى عشيقته “دليلة” التي لم تكُن من شعب الرَّب أصلاً، والتي بدورها أخبرت شعبها وتآمرَت معهم ضد شمشون، وقصَّت له شَعرهُ بناءً على طلبهم فخسِرَ قوَّته ووقعَ أسيراً لديهم، ثمَّ عذَّبوه وأذَلُّوه وقلَعوا عينيه. لكنَّه وفي لحظة من أصعب لحظات حياته، في لحظة ضعف ذاك الجبَّار الذي كانت قوَّته لا تُضاهى، يصوِّر لنا المشهد ما قبل الأخير من قصَّته في المسلسل، جُملة يُخاطب فيها من قلعَ عينيه ويقول له: “أنتَ أخذت منِّي عيناي، لكنَّني سعيد لأنَّ الظُّلمة جعلتني أُفكِّر، والآن أستطيع أن أرى الله بوضوح أكثر من أيّ وقتٍ مضى”.

هذه الجملة هي إضافة من القيِّمين على المسلسل ولكنَّها تُلخِّص حالة شمشمون وعَودته إلى الله في تلك اللَّحظة. فأحياناً لا نرى الله بالرّغم من أنّه دائماً معنا وبالرّغم من أنَّنا نؤمن بوجوده، ولكن حين تُظلِم الدُّنيا من حولنا فحينها فقط نستطيع أن نرى الله ونلتجئ إليه ونطلُب معونته عالِمين أن لا مُعين لنا سِواه ولا منفَذ لنا إلَّا بتدخُّله. لذلك لا تبتعد عن الله في أيَّام الرَّخاء وتنتظر الظَّرف الصَّعب الذي سيُجبِركَ أن ترجِع نادِماً وتائباً إلى الله، بل اِرفع عينيك إليه واتَّكل عليه دوماً واذكُرهُ في وقت راحتك كي يذكُركَ في وقت شِدَّتك.

أيضاً نتعلَّم من قصَّة شمشون أن لا نُبدِّد مواهبنا لإشباع رغباتنا في هذا العالَم وتمجيد أنفسنا، بل أن نستخدمها لمجد الله وخدمته لأنَّه هو الذي أعطاها لنا ولأنَّه وحده يستحق التَّمجيد.


مقالات مُشابِهة

لماذا قسم ميلاد المسيح التاريخ إلى نصفين؟
النضج الروحي المبكر
أقوال مسيحية شهيرة


تبغى تتواصل مع مسيحي؟ تواصل معنا بكل امان الحين.