يُخبِرنا الكِتاب المُقدَّس عَن أسماءٍ عديدةٍ أعلَنَها الله لشَعبِه.
في الكتاب المُقدَّس غالِباً ما تُعبِّر الأسماء عن شَخصِيَّة حامِليها، وتَعكس صفاتَهم، والأمر كذلك فيما يَتَعلَّق بأسماء الله، إذ تُساعِدنا مَعرِفَة معنی إسم الله علی فهم أعمق عَمَّن هو الله.
يَجِب علينا أن نُقَدِّس إسم الله، فأسماء العَلِيّ تَعكِس صفاته. هذا ما طَلبَهُ الرَّب يسوع في بداية الصَّلاة النَّموذَجِيَّة التي علَّمها للتَّلاميذ.
كيف نُقدِّس إسم الله؟ وماذا يعني أن نُصلِّي بِأن يتقدَّس هذا الإسم؟ عندما نُصلِّي “ليتقدَّس إسمك” فنحنُ نُريد أن يتكلَّم الآخرون عن اسم العَلِيّ بإجلال واحتِرام ومَهابة، كما علينا كَمُؤمنين أن نُقَدِّس اسم الرَّب في أقوالنا وأفعالنا لأنَّ أعمالَنا تُظهِر من هو إلهنا الذي نَعبُده. نَستَنتِج إذاً أنَّ تقديس اسم الله يعني تقديس الله نفسه، ونستعرض الآن أسماء الله كما وردَت في الكتاب المُقدَّس:
“إيلوه، إيلوهيم”
أوَّل إسم يُعلِن عنه الكتاب المُقدَّس هو “إيلوهيم” جمع “إيلوه” ، ولَفظ الجَلالة هذا مُشتَقٌ من كلمة تعني “القُوَّة”، أما صيغَةُ الجَمع في “إيلوهيم” هي إشارة لطبيعة الله الكائِن الواحِد المُثلَّث الأقانيم، كون استخدام الجَمع للجَلالة لم يكُن مَعروفاً في اللُّغة العِبريَّة حينها. ويَستَهِلّ الإصحاح الأوَّل من كتاب التَّكوين أي ما يُعرَف بإصحاح الخَلق، بتعريف الله لنا على أنَّهُ “إيلوهيم”، الخالِق القَوِيّ المُوجِد الخَليقة مِن لا شَيء، الذي قالَ فكان، أمَرَ فَصار (٩:٣٣).
“الشداي”
وتَعني القدير أي التَّام في القُدرة والذي لا يشوبهُ ضَعف أو عَجز، وقد أعلنَ الله عن هذا الإسم لإبراهيم (تكوين ١:١٧). ويعني أيضاً أنَّ الله هو صاحِب السُّلطان ومُعطي البَركات. فهذا الإسم يَعكِس طَبيعة الله، فهو القادر على كلّ شيء.
أما استخدام هذا الإسم في هذا التَّوقيت يُظهِر لإبراهيم تأكيد الرَّب على التزامِهِ بوُعودِهِ خاصَّةً بعد قَطعِهِ للعَهد مع إبراهيم (تكوين ١٥). شجَّعَ الرَّب إبراهيم من خلال استخدامه لإسم يَحمِل ضِمنِيّاً مفهوم مَعلوم عند البَشر. فكلمة “قَدير” يَعرِف معناها جميع الناس، وعندما يقول الله عن نَفسهِ أنَّهُ “القدير” فهذا يعني السُمُوّ في القُدرة فوقَ أيّ اعتِبار بَشَري.
الله في صفاتِهِ أحياناً يتحدَّث للبَشر عن أُمور مِن عالَمِهم، ومن اختباراتهم لكي يستَطيعوا أن يَفهموا ولو جُزئيّاً هذا الخالِق العَظيم.
“يهوه”
أَعلَنَ الله عن اسمِهِ هذا لموسى (خروج ١٤:٣)، عندما سأل موسى الرَّب عن اسمِهِ، وخَيرُ تَعريف عن هذا الإسم يُعَرِّفهُ عالِمُ اللُّغَة العِبرِيَّة جيسينوس إذ يقول :” إنَّ لَفظ الجَلالة هذا مَأخوذٌ مِن فِعل في العِبرِيَّة وهو يعني الوُجود، وصيغَتهُ تُشير إلى حالة الوُجود الدَّائمة (ماضِياً وحاضِراً ومُستَقبَلاً).
يجتَمِع في إسم “يهوه” العَديد من الصِّفات، فهو لا يُشير فقَط إلى صِفة واحِدة، بَل يُرينا كَيفَ أنَّ الله لهُ وُجود بِمَعزل عن خَليقَتِهِ وأنّهُ كانَ مَوجوداً قبلَ الخَليقة مُنذُ الأزَل، وهو بذلك مُكتَفي بوُجودهِ، أي إنَّه ليسَ بِحاجة لوُجود خليقة ما لم يَشَأ هو ذلك. أراد الله أن يظهر بذلك لموسى عظمته وجلاله، فالشَّعب أنذاك كان على أبواب الخروج من أرض العبوديّة في مصر.
إذاً يهوه كائنٌ مُنفَصِل عن خَليقَتِهِ، لا يَحُدَّهُ الزَّمان ولا المَكان ولا الوَقت. فهو “أزَلِيّ أبَدِيّ”، وهاتانِ الصِّفَتان تُلَخَّصانِ بكلمة “سَرمَدِيّ”.
إذاً لاحَظنا كيف أنَّ هذا الإسم يُبرِز أهمّ صِفات الله، وهو كان مَحَطَّ إجلالٍ وتقديرٍ منَ اليَهود الذين كانوا لا يجرُؤون حتّى على لَفظ هذا الإسم، وكانوا يستَبدِلونَهُ دائِما بإسم “أدوناي” والتي تعني السَّيِّد وبعض اليَهود اليوم يستَبدِلونَهُ بكلمة “هاشِيم” والتي تعني “هذا الإسم”.
ويَستخدِم الكِتاب المُقدَّس أحياناً كلمة “أدوناي” للإشارة إلی يهوه، وغالِباً ما تُتَرجَم (رَبّ) في النُّسَخ العرَبيَّة. والواضِح أيضاً كيف أنَّ يسوع يَستخدِم هذا الإسم على نَفسِهِ في سِفر الرُّؤيا “الكائِن والذي كان والذي سَوفَ يأتي” (رؤ٨:١).
يُستَخدَم اسم يهوه كإِسم مُرَكَّب مع صِفَةٍ أُخرى، كُلٌّ منها تُعَبِّر عن جانِب مُعيَّن من عَظَمَة الله. فعلى سبيل المِثال “يهوه صبئوت” والتي تُتَرجَم “رَبّ الجُنود” أو “رَبّ الجُموع”. وتُشير إلى أنَّ الرَّب هو إله الجَميع، ملائِكة وبَشَر، يَهود وأُمَم من جَميع الشُّعوب. فَلِلرَّب الأرض ومِلؤها (مزمور ٢٤:١).
هُناكَ أيضاً “الرَّب بِرّنا، الرَّب راعينا، الرَّب سَلامنا)، وأسماء مُرَكَّبة أُخری تَحمِلُ في طَيّاتِها مِيزَة يَنعَتُ بها الكِتاب المُقدَّس الله.
“العَلِيّ”
وَرَدَت في مواضِع عَديدة منها (تثنية٨:٣٢)، ومعناها واضِح أنّ الرَّب هو فوق الكُلّ، هو الأعلى من الجَميع، هو العَلِيّ.
وهُنا أيضاً نُلاحِظ كيف أنَّ الرَّب يَستخدِم المفاهيم البَشَرِيَّة لِيُفهِم الشَّعب الرُّوحِيَّات، لكي يستَطيعوا أن يُدرِكوا ولَو قبَس عن عَظَمَة الله ومجده.
“أدوناي”
تَعني السَيِّد أو الرَّب، وتُستَخدَم كثيراً في أسفار المَزامير، هذا السِّفر الذي يحتَوي على أناشيد رُوحِيّة وترانيم، وهي جزء من الكِتاب المُقدَّس، مُوحى بها من الله (إنجيل لوقا ٤٤:٢٤، أعمال٢٠:١، إنجيل متى٤٣:٢٢).
يُستَخدَم هذا الإسم كبَديل لِلَفظ الجَلالة “يهوه” في القِراءات من أسفارالشَّريعة أو الأنبِياء. ويُستَخدَم أيضاً مَقرون بإسم “إيلوه أو إيلوهيم” وتُتَرجَم في الكتاب المُقدَّس “السَيّد الرَّب” أو “الرَّب الإله”.
في العَهد الجَديد المَكتوب باليونانيَّة، يَستَخدِم الوَحي المُقدَّس كَلِمة “ثيئوس” للإشارة علی الله، وإسم “كيريوس” وتُتَرجَم “رَبّ”.
عندما يَقتَبِس كُتَّاب العَهد الجَديد من العَهد القَديم غالِباً ما يَستَخدِمون التَّرجَمة اليونانيَّة للعَهد القَديم المَعروفة بالتَّرجَمة “السَّبعينِيَّة”، حيثُ يُتَرجَم لَفظ الجَلالة من اللُّغة العِبرِيَّة لليونانيَّة إلى “ثيئوس أو كيريوس”، والمُلاحَظ أنَّهُما اسُتخدِمَتا مَرَّاتٍ كثيرةٍ في العَهد الجَديد للإشارة إلى الرَّب يسوع في حين أنَّ الإقتِباس يكون عن يهوه، مِمَّا يُظهِر بوُضوح أُلوهِيَّة الرَّب يسوع المسيح.
فعلى سبيل المِثال في سِفر إشعياء ٣:٤٠ يتحدَّث النَّص عن يهوه، لكن مَرقُس يَستَخدِم النَّص النَّبَوي ذاتَهُ ليُشير إلى تَتميمِهِ في شَخص الرَّب يسوع (مزمور ٢:١).
إذاً كَما لاحَظنا، من غير المُمكِن عَزل أسماء الله عن صفاتِهِ، كما أنَّ الله أرادَ الإعلان عن نَفسِهِ للبشريّة مُستَخدِماً وسائِل يَستَطيع البَشَر أن يفهَموا من خِلالِها.
أسماء الله هذهِ تَدعونا لكي نُجِلَّهُ ونُقَدِّرهُ ونتأمَّل في عَظَمَتِهِ.
فإدراكنا وفهمنا لأسماء الله يُساعدنا على فهم ما كانَ يَعنيهِ الرَّب يسوع عندما قال :”فَصَلُّوا أَنْتُمْ مِثْلَ هَذِهِ الصَّلاةِ: أَبَانَا الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ، لِيَتَقَدَّسِ اسْمُكَ!”
إنجيل متى 6: 9
مقالات مُشابِهة
عيسى أو يسوع…أو يشوع؟
الله مَحبَّة..
من هو عيسى؟
الأساسيات في المسيحية