بعد أجيالٍ عديدةٍ من داودَ، وفي زمنٍ بعيدٍ عن زمانِهِ، عاشَ رجلٌ اسمهُ يونان.
في أحدِ الأيّامِ، أمرَ اللهُ يونانَ بالذَّهابِ إلى مدينةٍ بعيدةٍ، وطلبَ إلَيْهِ أن يُخبِرَ أهلَها أنَّ اللهَ يرى الشَّرَّ الّذي يفعلونَه، وأنَّه سوفَ يُهلِكُهُم جميعًا.
لكنَّ يونانَ عصى اللهَ. فبدلًا منْ ذلكَ، ركِبَ يونانُ سفينةً وأبحرَ إلى مدينةٍ بعيدةٍ عنْ تلكَ الّتي أرسلَهُ اللهُ إليها، ظنًّا مِنْهُ أنَّ باستِطاعَتِهِ الهروبَ من اللهِ.
فأرسلَ اللهُ ريحًا عظيمةً على البحرِ، فحصلَتْ عاصِفَةٌ قويَّةٌ كادتْ تُحطِّمُ السّفينةَ وتُغْرِقُ كلَّ من فيها.
خافَ البحّارةُ وارتعبوا، وصلّوا لآلهتِهِم الّتي عبَدوها لأجلِ النجاة وألقَوا كلَّ الحمولةِ منَ السّفينةِ لتخفيفِ وَزْنِها فلا تغرق. بينما كانتِ الفوضى عارمةً على سطحِ السّفينةِ، كان يونانُ يَغُطُّ في نومٍ عميقٍ في جوفِها. فاقْتَرَبَ مِنْهُ الرُّبَّانُ وَقَالَ لَهُ: “مَا بَالُكَ مُسْتَغْرِقًا فِي النَّوْمِ؟ قُمْ وَتَضَرَّعْ إِلَى إِلَهِكَ لَعَلَّهُ يُنقِذْنا منْ هذهِ العاصفةِ.”
فألقى البحّارةُ قُرعةً لِيَرَوا منْ جَرَّ عليهِمْ هذا البلاءَ، فوقعتِ القرعةُ على يونانَ. وحينَها أخبرَهم بحكايتِهِ، فعرَفوا أنَّه هاربٌ منَ الرَّبِّ. فاعترى البحّارةَ خوفٌ عظيمٌ وتساءَلوا: “مَاذَا نَفْعَلُ بِكَ حَتَّى يَسْكُنَ الْبَحْرُ عَنَّا؟” لأَنَّ الْبَحْرَ كَانَ يَزْدَادُ هَيَجانًا.
فَأَجَابَهُمْ: “اطْرَحُونِي إِلَى الْبَحْرِ لِيَسْكُنَ، لأَنِّي مُوْقِنٌ أَنَّ هَذَا الإِعْصَارَ الْمُرِيعَ قَدْ هَاجَ عَلَيْكُمْ بِسَبَبِي.”
لقد حاولَ البحَّارةُ قُصارى جُهدِهِم، الوصولَ إلى الشّاطئِ منْ دونِ طرحِ يونانَ في البحرِ، فَلَمْ يَستطيعوا. فأُجبِروا على طرحِهِ على مَضَضٍ حتّى لا يَغرقوا جميعًا بسببِ عِصيانِه.
وعلى الفورِ، تَوَقَّفَ الْبَحْرُ عَنْ هَيَجَانِهِ، وكأنَّ شيئًا لم يحدثْ.
أدركَ النّاسُ في السّفينةِ أنَّ إلهَ يونانَ هوَ الإلهُ الحقُّ. فانتابَهُم خوفٌ عظيمٌ وقرَّبوا له ذبيحةً ووعدوا أنْ يعبُدوهُ.
أمّا بالنّسبةِ إلى يونانَ، فبعدَ أن طُرِحَ في البحرِ، أرسلَ اللهُ حوتًا عظيمًا لابتلاعِهِ.
وظلَّ في بطنِ الحوتِ ثلاثةَ أيّامٍ وثلاثَ ليالٍ. عندَها تابَ يونانُ وصلّى إِلى الرَّبِّ طالِبًا الخَلاصَ.
فَأمرَ اللهُ الحوتَ بِطَرْحِ يونانَ على الشّاطئِ. عندَها، أطاعَ يونانُ اللهَ وذهبَ إلى المدينَةِ وأخبرَ النّاسَ أنَّ اللهَ على وشكِ تدميرِهِم لأنَّهُ رأى الشَّرَّ الّذي كانوا يفعلونَه.
وبالفعلِ، تابَ جميعُ سكانِ المدينَةِ وانصرَفوا عنْ طُرُقِهِمِ الشِّرّيرةِ. وهكذا غفرَ اللهُ لَهُم. رَحمَهُمْ ولمْ يُهْلِكْهُمْ.