شمعة واحدة في الظلام

يعبد المسيحيون الإله الواحد، وتبنى تعاليمهم على أساس وحدانية الله الذي لا يعطي مجده لآخَر، والشّرك بالله هو خطيئة وكسر للوصية الأولى من الوصايا العشر الموجودة في الكتاب المقدس.

إنّ مفهوم الإنسان عن الله، يُشكل كُل جزء من جوانب حياتنا سواء أدركنّا ذلك أو لم نُدرك. لذلك فإن السؤال عن الله في إطار إيمان مُحدد هو مِن الأسئلة المحوريّة. فهل يُؤمن المسيحيون بأن لا إله إلا الله أم هم مشركون بالله؟

يُمكننا تناول سؤال وحدانيّة الله من عدة جوانب، لكن في هذا المقال سنُركز أكثر على ما يقوله الكتاب المقدس عن وحدانيّة الله، لأن الكتاب المقدس هو أنفاس الله التي تُشكل دستور الإيمان المسيحيّ. فماذا يُعلمنا الكتاب المُقدس عن هذا؟

أمثلة من الكتاب المقدس

إنّ كثير من آيات الكتاب المُقدس المُباشرة تُعلمنا أن لا إله إلا الله. ويُوجد أيضًا كثير من الأحداث بطريقة غيّر مباشرة أيضًا تُعلمنا أن الله واحد. فقصة الكتاب المقدس بالكامل هي قصة علاقة الله الواحد بالخليقة. فأول آية في الكتاب المقدس تقول:

فِي الْبَدْءِ خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ
التكوين 1 :1

فأول آية في الكتاب تقول “خلق الله” ولم تقل خلق الآلهة. ولهذا دلالة على أن قصة الكتاب المُقدس بالكامل من أول آية تتحدث عن الإله الواحد، وعلاقتهُ بالخليقة. ثم في أول وصيّة من الوصايا العشر، التي هي أول وصايّا أُنزلت للخليقة في التوراة، في العهد القديم تقول:

ثُمَّ نَطَقَ اللهُ بِجَمِيعِ هَذِهِ الأَقْوَالِ: «أَنَا هُوَ الرَّبُّ إِلَهُكَ الَّذِي أَخْرَجَكَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ دِيَارِ عُبُودِيَّتِكَ. لَا يَكُنْ لَكَ آلِهَةٌ أُخْرَى سِوَايَ. لَا تَنْحَتْ لَكَ تِمْثَالاً، وَلا تَصْنَعْ صُورَةً مَّا مِمَّا فِي السَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ، وَمَا فِي الأَرْضِ مِنْ تَحْتُ، وَمَا فِي الْمَاءِ مِنْ أَسْفَلِ الأَرْضِ. لَا تَسْجُدْ لَهُنَّ وَلا تَعْبُدْهُنَّ، لأَنِّي أَنَا الرَّبَّ إِلَهَكَ، إِلَهٌ غَيُورٌ،
الخروج 20: 1- 5

هذه الكلمات السابقة من أوائل الكلمات والوصايّا التي أرسلها الله لشعبه في القديم، وهي تتحدث بوضوح أن أول وأهم وصيّة هي : “لا إله إلا الله” وعلى أساس هذه الوصايا حُكمت كثير من النتائج التي جنى ثمارها الشعب في العهد القديم، فنقرأ في إشعياء:

هَذَا مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ الْقَدِيرُ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ وَفَادِيهِ: «أَنَا هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ، وَلا إِلَهَ غَيْرِي.
إشعياء 44: 6

فكان الشعب في العهد القديم، كلما ابتعدوا عن عبادة هذا الإله الواحد، كلما حدثت مشاكل واضطهادات، ثم يصرخوا إلى الله، ويُذكّرهُم بهذه الوصيّة، وبطاعة وصايّا الله، فيوتوبوا فيعودوا مرة أخرى إلى مسارهم الصحيح. وهذا نراه في طول صفحات العهد القديم إلى آخر سفر، وهو سفر ملاخي نقرأ:

أَلَيْسَ لَنَا جَمِيعاً أَبٌ وَاحِدٌ؟ أَلَمْ يَخْلُقْنَا إِلَهٌ وَاحِدٌ،
ملاخي 2: 10 

ففي العهد القديم يوجد الكثير من الآيات عن وحدانيّة الله. أما في الجزء الثاني من الكتاب المقدس الذي هو العهد الجديد، فنقرأ أيضًا كثير من الآيات عن وحدانية الله، وإنه إله واحد فنقرأ:

فَلَيْسَ عِنْدَنَا نَحْنُ إِلّا إِلهٌ وَاحِدٌ هُوَ الآبُ الَّذِي مِنْهُ كُلُّ شَيْءٍ، وَنَحْنُ لَهُ؛ وَرَبٌّ وَاحِدٌ هُوَ يَسُوعُ الْمَسِيحُ الَّذِي بِهِ كُلُّ شَيْءٍ وَنَحْنُ بِهِ.
الرسالة الأولى إلى أهل كورنثوس 8: 6

god the father in arabic

والمسيح أيضًا في كثيرمن المواقف شرح أن الله واحد سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. فنقرأ مثلًا:

وَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ وَاحِدٌ مِنَ الْكَتَبَةِ كَانَ قَدْ سَمِعَهُمْ يَتَجَادَلُونَ، وَرَأَى أَنَّهُ أَحْسَنَ الرَّدَّ عَلَيْهِمْ، فَسَأَلَهُ: «أَيَّةُ وَصِيَّةٍ هِيَ أُولَى الْوَصَايَا جَمِيعاً؟» فَأَجَابَهُ يَسُوعُ: «أُولَى الْوَصَايَا جَمِيعاً هِيَ: اسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ، الرَّبُّ إِلهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ فَأَحِبَّ الرَّبَّ إِلهَكَ بِكُلِّ قَلْبِكَ وَبِكُلِّ نَفْسِكَ وَبِكُلِّ فِكْرِكَ وَبِكُلِّ قُوَّتِكَ. هذِهِ هِيَ الْوَصِيَّةُ الأُولَى.
إنجيل مرقس 12: 28- 30

فها هو السيد المسيح يُصرح قائلًا أن الله واحد. ليس ذلك فقط بل أن الكتاب المقدس ذهب أعمق من هذا ليعلمنا أن لا إله إلا الله هي ليست مجرد جملة أو معتقد فكري فقط لكنها حقيقة لابد أن تُشكل حياتك وأفعالك وكلماتك وأفكارك حيث نقرأ:

أَنْتَ تُؤْمِنُ أَنَّ اللهَ وَاحِدٌ؟ حَسَناً تَفْعَلُ! وَالشَّيَاطِينُ أَيْضاً تُؤْمِنُ بِهذِهِ الْحَقِيقَةِ، وَلَكِنَّهَا تَرْتَعِدُ خَوْفاً. وَهَذَا يُؤَكِّدُ لَكَ، أَيُّهَا الإِنْسَانُ الْغَبِيُّ، أَنَّ الإِيمَانَ الَّذِي لَا تَنْتُجُ عَنْهُ أَعْمَالٌ هُوَ إِيمَانٌ مَيِّتٌ!
رسالة يعقوب 2: 19- 20

فهذه الآية توضح أولًا أن حقيقة وحدنيّة الله هو أمر بديهيّ جدًا، فحتى الشياطين يعلمون هذا، لكن إذا كنت فعلًا تؤمن بأن لا إله إلا الله ، فلابد أن هذه الحقيقة تتحول إلى واقع عملي. فأعمالك تشهد بهذه الحقيقة. فمثلًا من الطبيعي إذا كنت تؤمن أن الله واحد، ألا تشرك بهِ، فلا تضع أي شخص أو شيء أنه مركز حياتك وأنه سبب وجودك. بهذه الطريقة أنت تعيش لا إله إلا الله بصورة عمليّة. فلا تستقي حياتك من الوظيفة أو المال أو الشهرة أو أي شيء أو شخص آخر.


فلا بُد أن هذه الحقيقة تتحول إلى واقع عملي.


فالكتاب المقدس يحتوى على كثير جدًا من الآيات التي تشير إلى أن لا إله إلا الله، بل إن محور الكتاب المقدس هو الله الواحد وعلاقته بالخليقة، وليس ذلك فقط بل يُعلمنا الكتاب المقدس عن الوحدانيّة الحقيقيّة التي تُشكل حياتنا وآمالنا وأفكارنا وأفعالنا، وليس مجرد ترديد كلمات لا إله إلا الله. فالمسيحيون مدعوون لتكون حياتهم العمليّة تشير إلى وحدانية الله قبل مجرد ترديد جملة لا إله إلا الله.

الكاتبة: لمياء نور

Masters of Arts in Theology, ETSC


مقالات مُشابِهة

هل من المنطقيّ أن يكون الله واحد؟
مفاهيم خاطئة شائعة عن المسيحية
ساعدني يارب استوعب !!
الأساسيات في المسيحية


تبغى تتواصل مع مسيحي؟ تواصل معنا بكل امان الحين.