عندما تحصل الكوارث الطَّبيعية مثل الزَّلازل، الفيضانات، الأوبئة وغيرها، قد نتساءل: لماذا يسمح الله بحدوث هذه الأمور؟ هل تخلَّى الله عن العالم؟ أم أنَّ هناك غرَضاً إلهيّاً وراء هذه الأحداث؟
في البداية، من المهم التوضيح أنَّ الله سيِّد الخليقة وله السُّلطان المُطلَق على كل شيء، فالكتاب المقدَّس يعلِّمنا أنَّ الله خالق الكون وضابِطه، وهو الذي بيده كل الأمور:
“كُلَّ مَا شَاءَ صَنَعَ فِي السَّمَاوَاتِ، وَفِي الأَرْضِ وَالْبِحَارِ، وَفِي كُلِّ الأَغْوَارِ الْعَمِيقَةِ.” (مزمور 6:135)
لكن هذا لا يعني أنَّ الله هو مصدر الشُّرور والكوارث الموجودة في العالم، بل يسمح بها ضمنَ خطَّته السِّياديَّة ومشيئته، حتى إن كنَّا لا نفهمها أحياناً ولا نستطيع إدراكها بعقلنا المحدود، إلَّا أنَّه قادر على إخراج الخير من وسط الكوارث، لأنَّ أفكاره تتعدَّى أفكارنا نحن البشر.
أسباب وأهداف الكوارث
- قد تكون الكوارث أحياناً نتيجة للسُّقوط والخطيئة، فعندما دخلت الخطيئة إلى العالم بسبب عصيان آدم وحوَّاء، تأثَّرت الخليقة بأكملها. يقول بولس الرَّسول:
“لأَنَّ الْخَلِيقَةَ قَدْ أُخْضِعَتْ لِلْبَاطِلِ، لَا بِاخْتِيَارِهَا بَلْ مِنْ قِبَلِ الَّذِي أَخْضَعَهَا،…” (رسالة بولس إلى أهل روما 20:8)
هذا يعني أنَّ العالم يُعاني من تأثيرات الخطيئة، لكن هناك رجاء في المسيح لاستعادة الخليقة إلى مجدها الأوَّل أي كما كانت قبل السُّقوط. كما أنَّ عبث الإنسان في البيئة يؤدِّي إلى كوارث طبيعيَّة كثيرة وأمراض مختلفة، فالإنسان شريك أساسي في التَّغيُّر المناخي والتلوُّث البيئي، والكثير من البلايا التي حصلت مؤخَّراً هي نتيجة مباشرة للخراب الذي أحدثه الإنسان في الطَّبيعة واستنزافه لمواردها.
- وقد تكون الكوارث أيضاً وسيلة لإيقاظ الإنسان من غفلته الرُّوحيَّة ورَدِّه إلى التَّوبة. ففي بعض الأحيان يسمح الله بالضِّيقات كي يلفت أنظار النَّاس إليه ويدعوهم للرُّجوع عن طُرقهم الرَّديئة. نرى هذا في العهد القديم عندما كان الله يسمح بالشَّدائد ليُعيد شعبه إليه:
“فَإِنْ أَغْلَقْتُ السَّمَاءَ فَانْحَبَسَ الْمَطَرُ، وَإِنْ أَمَرْتُ الْجَرَادَ أَنْ يَلْتَهِمَ عُشْبَ الأَرْضِ، وَإِنْ جَعَلْتُ الْوَبَأَ يَتَفَشَّى بَيْنَ شَعْبِي، ثُمَّ اتَّضَعَ شَعْبِي الَّذِي دُعِيَ اسْمِي عَلَيْهِمْ، وَتَضَرَّعُوا طَالِبِينَ وَجْهِي، وَتَابُوا عَنْ شَرِّهِم، فَإِنَّنِي أَسْتَجِيبُ مِنَ السَّمَاءِ وَأَصْفَحُ عَنْ خَطِيئَتِهِمْ وَأُخْصِبُ أَرْضَهُمْ.” (أخبار الأيام الثاني 13:7-14)
- وأخيراً قد يستخدم الله الكوارث من أجل الخير الأسمى. فحتى في وسط الألم والمعاناة، قد تكون الكوارث فُرصة لإظهار محبَّة الله وتدخُّله وحمايته ورعايته لمُتَّقيه. يُخبرنا الكتاب المقدَّس أنَّ الله قادر على تحويل الشَّر إلى خير، واللَّعنة إلى برَكة لأولاده. كما يقول بولس الرَّسول:
“وَإِنَّنَا نَعْلَمُ أَنَّ اللهَ يَجْعَلُ جَمِيعَ الأُمُورِ تَعْمَلُ مَعاً لأَجْلِ الْخَيْرِ لِمُحِبِّيهِ، الْمَدْعُوِّينَ بِحَسَبِ قَصْدِهِ.” (رسالة بولس إلى أهل روما 28:8)
الرجاء بالوعد الإلهي وسط الكوارث
كمؤمنين، تُشعِرنا الكوارث بحاجتنا للفداء وتجعلنا نُراقب العالم من حولنا وحاجته الماسَّة للتَّوبة والرُّجوع إلى الله، حيث الرَّجاء الأكيد بالمستقبل الأبدي المجيد معه. فمهما كانت الكوارث قاسية ومؤلمة، إلَّا أنَّ رجاء المؤمن الحقيقي ليس في هذا العالم، بل في الوعد الإلهي بأنَّ الله سيجعل كل شيء جديداً، حيث لا دموع ولا حزن. يصِف سِفر الرُّؤيا هذا الرَّجاء بقوله:
“وَسَيَمْسَحُ كُلَّ دَمْعَةٍ مِنْ عُيُونِهِمْ. إِذْ يَزُولُ الْمَوْتُ وَالْحُزْنُ وَالصُّرَاخُ وَالأَلَمُ، لأَنَّ الأُمُورَ الْقَدِيمَةَ كُلَّهَا قَدْ زَالَتْ!»” (رؤيا يوحنَّا 4:21)
لا نفهم دائماً كل أسباب السَّماح بالكوارث، لكنَّنا نثق بأنَّ الله صالح وعادل، وله قصد في كل ما يحصل في هذا الكون وعلى هذه الأرض. لذلك، دعونا نستغل الأوقات العصيبة لنقترب أكثر من الله، ولنُخبر الجميع عنه وعن الرَّجاء الحيّ الذي وعدَنا به، ولننشر محبَّته العظيمة في هذا العالم المليء بالخطايا واليأس والألم.
مقالات مُشابِهة
لماذا قسم ميلاد المسيح التاريخ إلى نصفين؟
النضج الروحي المبكر
أقوال مسيحية شهيرة