فقدَت ثِقتها برِجال الدِّين وابتعدت عن الإيمان، لكن ما رأته لاحقاً غيَّر وجهَة نظَرها، فما الذي اختبرتهُ نجوى؟
نجوى طفلة مُميَّزة تربَّت ونشَأت في عائلة مُتديِّنة وكانت تلميذة مجتهدة في إحدى أهمّ المدارس. لكن رَجُل الدِّين في منطقتهم كان يتصرَّف للأسف بعكس ما يعِظ، فهو مُرائي وفاسِد. وبسبب أكثر من موقف تعرَّضت له نجوى مع هذا الرَّجُل، كَرِهَت كل مُتدَيِّن ولم تعُد تحترم الدِّين ولا رِجال الدِّين.
كَبُرَت نجوى وتسجَّلت في جامعة بعيدة عن بيتها فاستأجرت غُرفة في منزل قريب من الجامعة، كانت المالِكة تؤجِّر غُرف منزلها للطَّالبات لكسب الرِّزق. وخلال سنوات إقامة نجوى في تلك الغُرفة كانت تُشاهد المالِكة تُغدِق الحب والاهتمام بالتَّساوي على المُستأجِرات وعلى ابنتها الوحيدة التي تسكُن معها، حتَّى أنَّ صاحبة المنزل كانت تأخُذ الغسيل الوَسِخ من غُرف الفتيات فتغسله وتكويه وتُعيده إليهنّ دون أن تُطالبهنَّ بأيّ زيادة على الإيجار المُتَّفق عليه، وكانت تُحضِّر الطَّعام للجميع بكل حب وتنتظر نجوى ولا تنام قبل أن تستقبلها حتَّى لو عادت في وقت مُتأخِّر لتطمئنّ عليها وتسألها إن كانت جائعة.
الإيمان الظاهر
في أحد الأيَّام مَرِضَت نجوى وأُصيبت بالإنفلونزا وارتفعت حرارتها جداً، لكن السَّيِّدة أُم لمى كما يُنادونها لم تتركها بل كانت تنام على الأريكة بالقرب من نجوى لتُراقِب حرارتها وتُبدِّل لها الضّمادات المخفِّضة للحرارة وكانت ترعاها أكثر من رعاية أُمّها الحقيقيَّة لها، وبعد مدَّة من الزَّمن وبعد أن كانت نجوى ترفض دائماً الذَّهاب مع لمى وأُمّها والنَّزيلات الأُخرَيات إلى الكنيسة صباح كل أحَّد، ارتدت نجوى ثيابها في إحدى المرَّات ووقفت في البَهو تنتظرهنَّ لتذهب معهنَّ إلى الكنيسة.
وحين رأتها أُم لمى ابتسمت وقالت: وأخيراً غيَّرتِ رأيكِ وسوف تأتين معنا! أجابت: نعم لأنَّ عِظَتكِ غيَّرتني.
استغربت السَّيِّدة وسألت: أنا! متى وَعَظتُكِ يا ابنتي؟
ردَّت نجوى: لطالما كنتُ أُحِبُّ العِظات ولكنّي كنتُ أرى الوُعَّاظ يتصرَّفون بعكس كلامهم فكَرِهتُ الدِّين وابتعدت عن الإيمان، لكنَّ مُعاملتكِ الطَّيِّبة معي ومحبَّتكِ وصَبركِ واهتمامكِ أثَّروا فِيَّ أكثر من مئة عِظة، لذلك ها أنا اليوم أُعلِن بِداية روحيَّة جديدة لأنّي رأيتُ من خلالكِ الإيمان الحقيقي الذي كنتُ أبحث عنه.
استطاعَت أُم لمى أن تُعيد نجوى لحضن الرَّب بسبب ثمَر إيمانها الذي ظهرَ في سُلوكها وأفعالها، لذلك يجب أن تكون حياتنا إنجيل مفتوح أمام الجميع وشهادة حيَّة تُعبِّر عن إيماننا الحقيقي، فلنَعِظ بأفعالنا قبل أقوالنا، ولتكُن تصرُّفاتنا وكلماتنا مُصلَحة بمِلح ونافِعة للبُنيان لكي يرى النَّاس أعمالنا الصَّالحة ويُمجِّدوا أبانا الذي في السمَّاوات.
“… «أَنْتَ لَكَ إِيمَانٌ وَأَنَا لِي أَعْمَالٌ». أَرِنِي كَيْفَ يَكُونُ إِيمَانُكَ مِنْ غَيْرِ أَعْمَالٍ، وَأَنَا أُرِيكَ كَيْفَ يَكُونُ إِيمَانِي بِأَعْمَالِي.” (رسالة يعقوب 18:2)
“فَلْيُضِئْ نُورُكُمْ أَمَامَ النَّاسِ، لِيَرَوْا أَعْمَالَكُمُ الْحَسَنَةَ وَيُمَجِّدُوا أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ.” (إنجيل متَّى 16:5)
مقالات مُشابِهة
الأم الثكلى
ما يزرعه الإنسان إياه يحصد
قصة سارة