كُلَّما مرَرتُ في مشكلة كبيرة أو في أمرٍ صعب، أتذكَّر رَجُل الله أيُّوب والمصائب الكُبرى التي حلَّت به والتَّجربة المريرة التي عاشها والتي ذُكِرت لنا في الكتاب المقدَّس، وأقول لنفسي كيف تحمَّل أيُّوب كل ما حصلَ معه؟ وأجد الجواب يتبع السُّؤال مباشرةً، فرُوح الله الذي منحَ أيُّوب القُدرة على التَّحمُّل والصَّبر، هو ذاته الرُّوح القدُس القادِر أن يرفعني فوق الضِّيقات ويملأني بالسَّلام ويُعطيني القُدرة لمواجهة متاعب الحياة.
إن تأمَّلنا في قصَّة أيُّوب سنجد أنَّهُ لم يكُن شرِّيراً بل تقول عنه كلمة الله بأنَّه كان رَجُلاً بارّاً.
“… كَانَ صَالحاً كَامِلاً يَتَّقِي اللهَ وَيَحِيدُ عَنِ الشَّرِّ.” (أيُّوب 1:1)
وقد أنعمَ الله عليه بالخير الكثير فكان غنيّاً جدّاً ولديه العديد من الأبناء والبنات والأملاك، وكان يعبُد الله ويقدِّم الذَّبائح لله بشكل دائم.
“وَحَالَمَا تَنْقَضِي أَيَّامُ الْوَلاَئِمِ كَانَ أَيُّوبُ يَسْتَدْعِي أَبْنَاءَهُ وَيُقَدِّسُهُمْ، فَكَانَ يَنْهَضُ مُبَكِّراً فِي الصَّبَاحِ وَيُقَرِّبُ مُحْرَقَاتٍ عَلَى عَدَدِهِمْ قَائِلاً: «لِئَلاَّ يَكُونَ بَنِيَّ قَدْ أَخْطَأُوا فِي قُلُوبِهِمْ وَجَدَّفُوا عَلَى اللهِ». هَذَا مَا وَاظَبَ عَلَيْهِ أَيُّوبُ دَائِماً.” (أيُّوب 5:1)
لكنَّه في يومٍ من الأيَّام وجدَ نفسه وحيداً فقيراً مريضاً، فقد خسر أيُّوب أولاده العشرة وخسر أملاكه كلّها وأخيراً خسر صحَّته دون أن يعرف لماذا.
أمَّا أصدقاء أيُّوب المُقرَّبين فحاولوا أن يفهموا لماذا حصلت معه كل تلك المصائب، وأصدَروا العديد من التُّهَم تجاهه سواء عبر القَول بأنَّ ما تعرَّض له هو قصاص من الله على خطايا رُبَّما ارتكبها في حياته، أو عبر نَسبِهم خَطايا لأولاده، في حين أنَّ الوَحي يخبرنا بأنَّ الأمر لم يكن كذلك. وفي النِّهاية تكلَّم الله مع أيُّوب مُخبراً إيَّاه عن مدى حِكمته بالمُقارنة مع قُصر نظَر البشر. فإحدى مقاصِد الله أنَّ أيُّوب لم يكُن ليعرف أنَّ ما حصل معه سيكون جزءاً من الكتاب المقدَّس وأنَّ مُعاناة شخص واحد ستكون سبباً في تعزِية الكثيرين.
لقاء أيُّوب مع الله بعد مُعاناته جعلهُ يُلخِّص اختباره بكلمات غاية في البَلاغة والأهميَّة حين قال:
“بِسَمْعِ الأُذُنِ قَدْ سَمِعْتُ عَنْكَ وَالآنَ رَأَتْكَ عَيْنِي” (أيُّوب 5:42)
وقد عوَّض الله أيُّوب فيما بعد عن كل ما خسرهُ وأعطاهُ أضعافاً في إشارة إلى أنَّ المصائب ليست هي آخِر الدُّنيا وأنَّ مع الله يوجد دائماً أمل ورَجاء، فحياتنا على الأرض مهما طالَت ليست سِوى مسيرة وقتيَّة إلى أن نلتقي مع الرَّب في السَّماء ونبقى معه كل حين.
عندما أعطى الله نُبوءات لشعبهِ في القديم، قال لهم بأنَّهم سيفهمون قصدهُ في آخِر الأيَّام.
“… وَهَذَا مَا سَتَفْهَمُونَهُ فِي آخِرِ الأَيَّامِ”. (إرميا 24:30)
وعندما اعترضَ بطرُس حين أرادَ المسيح أن يغسل لهُ قدميه، قال له يسوع:
“أَنْتَ الآنَ لاَ تَفْهَمُ مَا أَعْمَلُهُ، وَلكِنَّكَ سَتَفْهَمُ فِيمَا بَعْدُ” (إنجيل يوحنَّا 7:13)
قد لا تعرف سبب مُعاناتك التي تمرّ بها الآن، وقد لا تعرف أبداً لماذا تواجهك ظروف صعبة، لكن ما يجب أن يُعزِّيك هو أنَّ الرَّب يعرف لماذا وأنَّ لديه قصد ومشيئة من كل ما يحدث، تذكَّر ذلك كُلَّما تعرَّضتَ لمُصيبة وظننتَ أنَّها أكبر المصائب وأنَّ أحداً غيرك لم يواجه مثلها.
مقالات مُشابِهة
أين ستقضي الأبدية؟
الطريق الوحيد
الرجاء المؤكَّد