lightening in the sky over the sea

خَوف الله، عِبارة اعتَدنا على سَماعها، وهي أمر يدعونا رِجال الدِّين إلى الالتِزام به، لكن ماذا تعني هذه العِبارة؟ وهل حقاً يجب أن تقوم عِبادتنا لله على الخَوف؟

الخَوف بحسب المَعاجِم العربيَّة هو الفَزَع أو الخِشية، وهذا الشُّعور هو نتيجة توقُّع لرَدّ فِعل أو حدَث سَيِّء سيُصيبنا كنَتيجة لأمرٍ قُمنا به أو لمَوقفٍ وُضعنا فيه.

لكن لماذا يُستخدم هذا التَّعبير في الإشارة إلى وَصف علاقتنا بالله في أننا يجب أن نخاف الله؟ من الغَريب جداً فكرة أن نُكِنّ الوَلاء لله بداعي الخَوف، لأنَّ الوَلاء حينها لن يكون صافياً نقياً، بل مَشروطاً. حينها نُطيع الله لأنَّنا نَخاف من عِقابه، ونُقدِّم لهُ المَهابة خَوفاً من قَضائه. وفي هذه الحالة سأُوافق الفيلسلوف ألبير كامو في قوله: “لا شيء أبغَض من الاحتِرام المَبني على الخَوف”¹، فِعلاً إنَّهُ لَوَلاءٌ مُزَيَّف، وإنَّها لَعِبادَة مَصلَحة إن صحَّ التَّعبير وليست ناجِمة عن وَلاءً حقيقياً. فالوَلاء المَبني على الخَوف قد يكون لهُ تأثيراً إجابياً إلى حينٍ فقط، لكن على المَدى الطَّويل سوف يتلاشى لأنَّهُ قائم على أساسٍ هَشّ، غالباً ما يكون “عدَم القَناعة”، بعَكس ما إن كانَ مبنياً على المحبَّة، الأساس الصُّلب الذي يَدوم.

بعض الأديان تأخُذ هذا المَنحى في وَصف علاقة الإنسان بالله، إذ تُصوِّر لنا أنَّ الله يطلُب الوَلاء من النَّاس أوَّلاً لكي يُحبّهم، يطلُب تَقواهُم في البِداية لكي يَهبهُم بعدها ما يُريدون، لذلك تُصبح عِبادة الله مُجرَّد أخذ ورَدّ، وكأنَّ أحداً لا يأتي إلى الله إلَّا لغاية مُعيَّنة، ممَّا يُثبت صحَّة المثَل القائل “لا أحَد يُصلِّي إلَّا لطلَب الغُفران”.

Old testament in arabic

هل هكذا حقا يجب أن نعبد الله؟

صحيح أنَّ الوَصف “خَوف الله” في المسيحيَّة يُستخدم لوَصف تَجاوُبنا مع الوَصايا الإلهيَّة، إلَّا أنَّ كلمة الخَوف هُنا لا تَفترِض وجود مَشاعر الفَزَع التي سبق وتحدَّثنا عنها. تحمِل هذه الكلمة في اللُّغة العبريَّة مَعاني عدَّة، منها تَوقير حُضور الشَّخص أو إعطائهِ مَهابة، وهذا ما تَعنيه عِبارة “خَوف الله” في الكِتاب المُقدَّس. وتؤكِّدهُ طبيعَة الله المُعلن عنها فيه.

ممَّا لا شكَّ فيه أنَّ طبيعَة الله تَفرِض علينا مَهابَته. فهو أحياناً يُعاقِب كَونه القاضي العادِل الذي يستحق بحُكم التَّعريف أن يقوم بهذه المهمَّة، لكن عندما يأتي الأمر لإحياء علاقة روحيَّة مع شَعبه، لا يُريد لهذه العَلاقة أن تكون مَبنيَّة على الخَوف. وتؤكِّد تَفسيري هذا مُلاحظَة أحَد عُلَماء العهد القديم الذي قال حول هذا الموضوع: “صحيحٌ أنَّ بني إسرائيل دُعِيوا إلى مَخافة الرَّب، وفي بعض الأحيان تضمنَّت هذه الدَّعوة (خَوفاً من العِقاب) إن كانت عِبادتهم باطِلة (اللَّاويِّين 1:10-3) لكن هذا الخَوف لم يَكُن يهدف إلى السَّيطرة على العَلاقة. بل كان على أساس الحُب والاحتِرام… فتَفاعُل الرَّب مع بني إسرائيل لم يَكُن قائماً على تَبادُل المَنافِع. بل على نَهجٍ تَكامُليٍّ في هذه العَلاقة العظيمة”². إذاً لم يَكُن هدَف الخَوف تحديد العَلاقة، بل المحبَّة.


لكن هذا الخَوف لم يَكُن يهدف إلى السَّيطرة على العَلاقة


الله حافظ العهد

كيف نعرف أن العَلاقة مع الله يجب أن تكون مَبنيَّة على المحبَّة؟ هذا بحسب طبيعَة الله المُعلَنة لنا. عندما أعلَن لنا عن صِفاته قال إنَّهُ حافِظ العَهد³ (الخُروج 6:34) يعني أنَّهُ سيُتمِّم الوعود التي أعطاها للشَّعب حتى لو أنَّ الشَّعب لم يَكُن أميناً، وهذا ما حصل مع الوَعد بمجيء المسيح الذي وَعدهُ الله لآدَم (التَّكوين 15:3)، لإبراهيم (التَّكوين 18:22)، ولموسى (التَّثنية 18:18) ولغيرهِم من الأنبياء. وقد حَفظ الله عَهدهُ مع الشَّعب وأتمَّ خَلاصهُم بالمسيح على الرَّغم من أنَّهُم لا يزالوا خُطاة. هذه الصِّفة تؤكِّد لنا أنَّ محبَّة الله لا تعتمد على أيّ شيء نبدأ به نحن، نُسمِّيها “محبَّة غير مَشروطة” وتعتمد بشكل كُلِّي على نِعمَته فهو لا يَنتظِر أيّ شيء نقوم به لكي يُبادِلنا المحبَّة بل يقول الكِتاب أنَّهُ هو أحبَّنا أوَّلاً (رسالة يوحنَّا الأولى 19:4)، وأنَّ الله محبَّة (العَدد 16) وهُنا نقطة الفَصل. الله محبَّة يعني أنَّ الله هو مَصدَر ومنبَع المحبَّة والمِعيار الأسمى لها، الأمر الذي يجب أن تكون علاقتنا بالله مَبنيَّة عليه. تُصبح طاعتنا لهُ تعبيراً عن امتِناننا لنِعمَته لأنَّنا أساساً نستحق العِقاب ولا شيء سِوى عطيَّته المجَّانيَّة تُخلِّصنا. محبَّة الله الغير مَشروطة هي ما يُطمئِننا وما يَجعَلنا نُطيعهُ ونُكِنّ الوَلاء له، هي ما تَجعلنا نَعبُده عن محبَّة وليس عن خَوف.

  1. Notebooks. Albert Camus.
  2. Old Testament Theology for Christians: From Ancient Context to Enduring Belief. John H. Walton.
  3. يرد في الآية عبارتان غالباً ما تستخدمان معا: “كثير الإحسان والوفاء”، والترجمة التوضيحية للمعنى هي “حافظ العهد”. (راجع هامش ترجمة NET الإنجليزية حول هذه الآية). The Ancient Hebrew Lexicon of the Bible. ancient-hebrew.org.


مقالات مُشابِهة

آيات عن الخوف
علمهم الخوف من الله وليس من الآخرين
كيف نتخلص من خوف الشيطان؟


تبغى تتواصل مع مسيحي؟ تواصل معنا بكل امان الحين.