ما أجمل تلك اللحظات التي فيها نقترب من الله، ونتلامس مع همسات صوته التي تُنعش أرواحنا، وتنقلنا إلى كل ما هو روحيّ، فتُستنار أذهاننا بمعرفتهِ وفهم واقعنا اليوميّ. فمع جمال هذه اللحظات واشتياق الإنسان إليها، قد يتساءل الإنسان عن الوضوء أو الاغتسال قبل الصلاة. فماذا يُعلمنا الكتاب المقدس عن هذا؟
من أكثر الأخطاء التي قد نقع فيها كبشر هو أننا نُسقط واقعنا الماديّ على علاقتنا بالله. فمثلًا إذا كُنّا نحب الشخص الناجح ونحتقر الفاشل قد نعتقد أن الله هكذا أيضًا. وهذا غير صحيح حيث يعلمنا الكتاب المقدس قائلًا:
فَمَا أَعْمَقَ غِنَى اللهِ وَحِكْمَتَهُ وَعِلْمَهُ! مَا أَبْعَدَ أَحْكَامَهُ عَنِ الْفَحْصِ وَطُرُقَهُ عَنِ التَّتَبُّعِ!
الرسالة إلى أهل رومية 11: 33
فطرق الله وتقييمه أبعد ما يكون عن فهمنا البشريّ للأمور. لكن نشكر الله أنهُ كشف لنا ما نحتاج أن نعرفهُ في هذه الحياة من خلال كلمته المُقدسه. فيعلمنا الكتاب المقدس أن الله ينظر للداخل لقلب الإنسان، وليس مجرد للأمور الخارجيّة. نحن البشر لأننا محدودين وماديين نحكم على الأمور من مظاهرها الخارجيّة، لكن الله يحكم على الأمور من القلب، من الداخل حيث مكتوب:
أَنَا الرَّبُّ أَفْحَصُ الْقُلُوبَ وَأَمْتَحِنُ الأَفْكَارَ،
إرميا 17: 10
فما الفائدة أن تتوضى وتغتسل وتتهيأ للصلاة، وقلبك وفكرك أبعد ما يكون عن أن تصلي. فأهم شيء هو القلب والأفكار حيث قال المسيح:
فَمِنَ الْقَلْبِ تَنْبُعُ الأَفْكَارُ الشِّرِّيرَةُ، الْقَتْلُ، الزِّنَى، الْفِسْقُ، السَّرِقَةُ، شَهَادَةُ الزُّورِ، الازْدِرَاءُ. هَذِهِ هِيَ الأُمُورُ الَّتِي تُنَجِّسُ الإِنْسَانَ.
إنجيل متى 15: 19- 20
فيُعلمنا المسيح أن النجاسة الحقيقيّة هي نجاسة القلب والفكر وليس الجسد. بل أن المسيح حذر من أن ينجرف الإنسان إلى الأمور الشكليّة الخارجيّة في العلاقة مع الله والصلاة قائلًا
الْوَيْلُ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُنَافِقُونَ! فَإِنَّكُمْ تُنَظِّفُونَ الْكَأْسَ وَالصَّحْنَ مِنَ الْخَارِجِ، وَلَكِنْ دَاخِلَهُمَا مُمْتَلِئٌ بِمَا كَسَبْتُمْ بِالنَّهْبِ وَالطَّمَعِ! أَيُّهَا الْفَرِّيسِيُّ الأَعْمَى، نَظِّفْ أَوَّلاً دَاخِلَ الْكَأْسِ لِيَصِيرَ خَارِجُهَا أَيْضاً نَظِيفاً!
إنجيل متى 23: 25- 26
فالحقيقة الإنسان يحتاج للاغتسال والتطهير لكن ليس اغتسال الجسد لكن اغتسال القلب والدوافع والأفكار. وللأسف المياه لا تطهرنا من هذه الأمور، ولا تقدر على غسل القلب والدوافع والأفكار. وحدهُ المسيح يُمكن أن يفعل ذلك. فمن المهم أن تُدرك أن الإنسان قد يكون غير نقي داخليّا، وفي هذه الحالة يحتاج أن يذهب إلى الله ويقول مع كاتب المزمور:
طَهِّرْنِي بِالزُّوفَا فَأَتَنَقَّى. اغْسِلْنِي فَأَبْيَضَّ أَكْثَرَ مِنَ الثَّلْجِ.
المزامير 51: 7
بالتأكيد إن الاغتسال والنظافة الجسديّة هو شيء مهم ومفيد لك أنت، وأنت تحتاج أن تفعله كل يوم لكن ليس لأنك ستصلي. الصلاة هي لقاء بين أب محب وابنه، يجري عليه الابن لكي ينقيّه الأب التنقيّة الحقيقيّة من الداخل، وهذا هو النقاء الحقيقيّ الذي يحتاج إليّه الإنسان. فأدخل إلى مخدعك، وأغلق بابك، وصلي لأبيك السماويّ أن يعلمك معنى النقاء والطهارة الحقيقيّة ويمنحك إياها، فتصير مُبررًا.
الكاتبة: لمياء نور
Masters of Arts in Theology, ETSC
مقالات مُشابِهة
آيات عن النظافة
مفاهيم خاطئة شائعة عن المسيحية
هل يلزمنا الله بشيء؟
الأساسيات في المسيحية