هل هُناكَ بَرَكة خاصَّة تُعطى لِلبُكور؟
تَعريف بَسيط
الإبن البِكر، هو أوَّل وَلَد يُرزَق بِهِ الزَّوجَين، يُسَمِّيهِ الكِتاب المُقدَّس في بَعض المَواضِع “فاتِح الرَّحِم” ، للإشارة إلى أنَّهُ أوَّل وَلَد يولَد مِنَ المَرأة.
احتَلَّ البِكر عِندَ مُعظَم الشُّعوب القَديمة مَكانة هامَّة في العائِلة والمُجتَمَع، كانَ يُعطَى امتِيازات خاصَّة يَتفَوَّق بِها على إخوَتِه، وكانَ يَحصُل على ضِعف ميراثِهِم ويَلقَى مَكانة اجتِماعِيَّة أسمى. دينِيّاً في الشَّرق القَديم المُمتَد مِن بِلاد ما بَينَ النَّهرَين وُصولاً إلى مِصر، كانَ الذَّكَر الأوَّل المَولود لِأيَّة أُمّ يَجِب أن يُخَصَّص للإله ويُكَرَّس لِلصَّنَم الذي كانَ يُعبَد بِحَسَب كُل حَضارة. على الرُّغم مِن أنَّ هذا المَفهوم أدَّى بِبَعض الشُّعوب أحياناً إلى تَقديم الأطفال البُكور كأُضحِيَة وقُربان لِلآلِهَة الوثنية لِضَمان الخُصوبَة بِحَسَب اعتِقادِهِم، لكِن مُعظَم المُجتَمَعات كانَت تُوَرِّث لِلبِكر الوَظيفة الكَهَنوتِيَّة لِلعائِلَة، وتُوَرِّثهُ حِصَص إضافِيَّة أكثَر مِن باقي إخوَتِه.
البِكر في التَّوراة
في التَّوراة أيضاً نَجِد أنَّهُ كانَ يُعطَى للإبن البِكر أهَمِّيَّة بارِزة، لذلكَ كانَت إحدى أقوى الضَّرَبات التي وَجَّهَها الرَّب لِلمصرِيّين هيَ ضَربَة قَتل أبكارِهِم، الأمر الذي لَم يَحتَمِلوه والذي أدَّى بِهِم أخيراً لِلمُوافَقة على تَرحيل العِبرانِيّين مِن أراضيهِم، بَعدَ سِتِّ ضَرَبات سَبَقَت هذهِ الضَّربة لَم يَستَسلِم فِرعَون لِلعِبرانِيّين إلّا بَعدَ هَول وجَسامَة ضَربَة مَوت اِبنهِ البِكر. فَفي مِصر القَديمة احتَلَّ البِكر مَكانَة دينِيَّة سِياسِيَّة واجتِماعِيَّة، فَهوَ مَن سَيَعتَلي العَرش ويَضمَن استِمرارِيَّة السُّلالَة المُلوكِيَّة.
استَحيا الرَّب مِنَ المَوت أبكار العِبرانِيّين، وطَلَبَ مِنهُم بَعدَها أن يُفرِزوا بُكورَهُم ويُخَصِّصونَهُم لَهُ لِيَخدِموهُ مُتَذَكِّرينَ بِذَلِك عَمَلَهُ مَعَهُم عِندَما أبقى على أبكارِهِم (سِفر الخُروج 13:13-14). لكِن عِندَ الاِستِعدادات لِدُخول أرض المَوعِد وتَحديد دَور الكَهَنة واللّاوِيّين، أصبَحَ الرَّب يَستَبدِل بُكور الشَّعب بِأبكار اللَّاوِيّين أبناء لاوي بِن يَعقوب الذينَ اختارَهُم لِخِدمَتِهِ في خَيمَة الإجتِماع ولاحِقاً في الهَيكَل.
تُستَخدَم أيضاً كَلِمَة بِكر في الكِتاب المُقدَّس في بَعض المَواضِع للإشارة إلى التَّقَدُّم في المَكانة ولَيسَ فقَط أنَّ البِكر هو الأوَّل زَمَنِيّاً بَل أنَّ البِكر هو الأوَّل كَمَرتَبة أُعطِيَت لَهُ مِنَ الله، مِثلَ قَولِهِ في سِفر الخُروج 22:4 ” … إسرائيل اِبني البِكر”.
هل نُطَبِّقها اليَوم؟
لكِنَّ التَّعليم الذي نَراهُ في التَّوراة عن امتِياز الأبكار يَظهَر بَعدَ التَّدقيق في النُّصوص الكِتابِيَّة المُختَلِفَة، وسَير الأحداث يُظهِر لَنا أنَّها لَم تَكُن وَصِيَّة مُلزِمَة لِكُل شَعب الرَّب عَبرَ كُل العُصور كَما هو الحال في الوَصايا الأخلاقِيَّة، مِثل: لا تَقتُل وَلا تَزنِ… الوَصايا المُلزِمَة لِكُل المُؤمِنين عَبرَ كُل العُصور كَونَها تَعكِس قانون الله الأدَبي الذي يُعلِنهُ لَنا.
فَفي بَعض الأحيان استَبدَلَ الله القاعِدَة الخاصَّة بِالبُكور لِيُعطي بَرَكَة البِكر لِأخيهِ الأصغَر مِنهُ بِحَسَب مَسَرَّة مَشيئَة الله، كَما حَصَلَ مَع يَعقوب وعيسو وَلَدَي إسحَق ” فَقالَ لَها الرَّب: في أحشائِكِ أُمَّتان، يَتَفَرَّع مِنهُما شَعبان. شَعبٌ يَستَقوي على شَعبٍ، وكَبيرٌ يُستَعبَدُ لِصَغيرٍ.”
تَنقَسِم أحكام الشَّريعة إلى ثَلاثَة أقسام: أوَّلاً، قانون أدَبي أخلاقي يُعَلِّم الشَّعب أنَّهُم يَجِب أن يَعبُدوا اللهَ وَحدَه، وأن يُحِبُّوا بَعضَهُم البَعض كَما يُحِبُّونَ أنفُسَهُم. والتَّفاصيل النَّابِعة مِن هاتَين الوَصِيَّتَين هِيَ مُلزِمَة لِكُل المُؤمِنين في العَهد القَديم والعَهد الجَديد.
ثانِياً، أحكام مَدَنِيَّة خاصَّة بِالدَّولَة اليَهودِيَّة في تِلكَ الحَقَبَة الزَّمَنِيَّة والبُقعَة الجُغرافِيَّة، مِثل قانون ضَرورَة أن يَتَزَوَّج الرَّجُل مِن زَوجَة أخيهِ المُتَوَفّي لِيُقيمَ لَهُ نَسلاً.
ثالِثاً: أحكام طَقسِيَّة وتَتضَمَّن الذَّبائِح والأضاحي الحَيَوانِيَّة، بالإضافة إلى شَريعَة الطَّهارَة والنَّجاسَة، هذهِ الأحكام لَيسَت مُلزِمَة لَنا لِأنَّها تَمَّت في عَمَل المَسيح
رِسالَة بولُس الرَّسول إلى أهل كولوسّي 16:2-17
بإمكانِنا القَول أنَّ جُزءاً مِن التَّعاليم عن البُكورِيَّة يَندَرِج تَحتَ الرُّموز التي أشارَت لِلمَسيح، لِأنَّ قيمَة البِكر أُعطِيَت إلى المَكانة التي حَصَلَ علَيها الرَّب يسوع بَعدَ صُعودِهِ إلى السَّماء:
“لِأنَّ الذينَ سَبَقَ فَعَرَفَهُم، سَبَقَ فَعَيَّنَهُم لِيَكونوا مُشابِهينَ صُورَةَ ابنِهِ لِيَكُونَ هُوَ البِكرَ بَينَ إخوَةٍ كَثيرين”
رِسالَة بولُس الرَّسول إلى أهل روما 29:8
في الواقِع أنَّ هذا النَّص يُظهِر بِالدَّرَجَة الأولى الإمتِياز الذي حَصَلنا عَلَيهِ كَمُؤمِنين بَعدَ إيمانِنا بِالرَّب يسوع المَسيح الذي لَهُ أيضاً قيمَة مُتَأصِّلَة كَكَلِمَة الله بِأنَّهُ أساس كُل خَليقة:
“… والبِكرُ على كُلِّ ما قَد خُلِق، إذ بِهِ خُلِقَت جَميعُ الأشياء…”
رِسالَة بولُس الرَّسول إلى أهل كولوسّي 15:1-16
بالنِّسبَة لَنا كَمُؤمِني كَنيسَة العَهد الجَديد اليَوم لا يُمكِنُنا بِحَسَب الكِتاب المُقدَّس أن نَقول أنَّ أوَّل طِفل يولَد في العائِلَة لَهُ قيمة ضِمنِيَّة مُتَأصِّلَة )امتِيازات خاصَّة لِلبُكورِيَّة) مُعطاة لَهُ مِنَ الله قَبلَ أن يُولَد. فالتَّعاليم عن البِكر في التَّوراة كانَت خاصَّة لِشَعب الرَّب في حِقبَة مُعَيَّنة، ولَنا في قِراءَتِها أساسٌ يُرشِدُنا لِفَهم صِفَة البُكورِيَّة المُعطاة لِلرَّب يسوع المَسيح في الكِتاب المُقدَّس.
مقالات مُشابِهة
خمس عادات مهمة في يومك لزيادة إيمانك
اترك ماضيك، وعش مع الله
ماهي بركات المعموديّة؟
الأساسيات في المسيحية