لفيفة كتاب قديمة على طاولة

كثيراً ما نسمع عبارة “هناك تناقضات في الأناجيل”. يشكِّل هذا الاعتراض ركيزة أساسيَّة لانتِقاد محتوى الأناجيل، وحجَّة رئيسيَّة لمن يريد انتِقاد المسيحيَّة. إلى أيّ مدى هذا الاعتراض دقيق؟ الإجابة في المقال التالي.

أربعة أناجيل تروي لنا سيرة حياة المسيح وأحياناً كثيرة ترِد القصَّة نفسها في أكثر من إنجيل. حينما نقرأ نفس الحدَث في أكثر من إنجيل نجد تطابُق في الحدَث الرَّئيسي لكن يبدو علينا أنَّ هناك بعض الاختلافات في التَّفاصيل، كاختلاف في ترتيب زمن الأحداث، أو الإغفال عن ذِكر أحداث معيَّنة، وأُمور أُخرى سنتحدَّث عن أبرزها بإيجاز في هذا المقال.

مثلاً يذكُر متَّى ولوقا مُحاوَلات إبليس الثَّلاث لتجرِبة يسوع، حيث يتَّفِقان معاً في نوع التَّجارب وزمن حصولها لكنَّهما يختلفان في التَّرتيب الزَّمني لها، فلُوقا يضع التَّجربة التي حصلت في الهيكل حين طلبَ إبليس من المسيح أن يرمي نفسه من الأعلى (لوقا 1:4-13) يضعها كآخر تجربة من حيث التَّرتيب، لكنَّ ترتيبها في إنجيل متَّى هو الثَّاني. أمَّا التَّجربة الأخيرة في إنجيل متَّى وهي تجرِبة يسوع على الجبل (متَّى 1:4-11) فترتيبها في إنجيل لوقا هو الثَّاني.

هذا النَّوع من استبدال الأحداث يشمل أحداثاً أُخرى مذكورة في الأناجيل، كما يشمل أيضاً استبدال أشخاص. نلاحظ ذلك في شِفاء عبد قائد المِئة. يتَّفق لوقا ومتَّى على حدوث هذه المعجزة والتَّفاصيل المتضمّنة فيها، لكن في حين أنَّ متَّى يذكُر قُدوم قائد المِئة شخصيّاً إلى يسوع (متَّى 5:8-10)، يُخبرنا لوقا أنَّ قائد المِئة أرسلَ أوَّلاً شيوخ اليهود ثمَّ أرسلَ مُرسَلين من قِبَله ولا يذكُر لنا لوقا أنَّه أتى شخصيّاً للحديث مع يسوع (لوقا 2:7-10).

الإجابة التَّقليديَّة التي يقدِّمها المُدافعون المسيحيُّون، أنَّه من الطَّبيعي أن يختلف في التَّفاصيل أكثر من تقرير حول نفس الحادثة، لكن المُهمّ أن يتَّفِقوا في الحادثة الرَّئيسيَّة. على الرَّغم من أنَّ هذا صحيح، فنحن نلاحظ اختلافاً في التَّقارير المختلِفة لنشَرات الأخبار في أيَّامنا هذه حتَّى مع وجود الكاميرات، واختلاف التَّفاصيل لا يُلغي تاريخيَّة الحدَث، لكن هذه الإجابة لا تخلو من النَّقد، لأنَّ الكِتاب المقصود هو الكتاب المقدَّس، كلام الله الموحى به، لذلك فللحديث بقيَّة وأُمور أُخرى يجب توضيحها.

من الجدير ذِكره أنَّ النُّقَّاد غالِباً ما يُطبِّقون معاييراً على الكتاب المقدَّس أعلى من المعايير التي يُطبِّقونها على المؤلَّفات الأدبيَّة الأُخرى، وذلك لأنَّ هناك نَزعة عند البعض بعدَم قبول أيّ دليلٍ منَّا لأنَّ صِحَّة مُعتقدنا تُعارض معتقدهم، مع العِلم أنَّه لو طُبِّق نفس نوع النَّقد على أيّ كِتاب آخر لتبيَّن أنَّ الكتاب المقدَّس هو الأكثر توثيقاً بين كل المصادر التَّاريخيَّة القديمة لأنَّه قائم على رِواية الكثير من الشُّهود الذين كانوا قريبين من الأحداث آنذاك، وبذلك فإنَّ عدَم تصديق رِوايات الأناجيل يمنع إمكانيَّة تصديق أيّ حدَث تاريخي حصل في التَّاريخ القديم وهذا يشمل الألفيَّة الأولى للميلاد.


الكتاب المقدَّس هو الأكثر توثيقاً بين كل المصادر التَّاريخيَّة القديمة


السير الذاتية في الحقبة الرومانية

نُدرك سبب الاختلافات آنِفَة الذِّكر حول تفاصيل الأحداث إذا ما تمعَّنا أكثر في دراسة الأساليب الأدبيَّة المُعتمَدة في السِّيَر الذَّاتيَّة تلك الأيَّام. كان هناك دِراسة أكاديميَّة تُسمَّى Rhetoric أو البَلاغة وفيها يتدَّرب التَّلاميذ على فُنون الخَطابة بطريقة مؤثِّرة والكتابة بطريقة فعَّالة لإيصال الرِّسالة المقصودة. تختلف أساليب البَلاغة ومعايير توثيق الأحداث في أيَّامنا هذه عن تلك الأيَّام، فنحن اليوم أكثر ما يهمُّنا هو التَّسلسُل الزَّمني للأحداث، والدِّقَّة في سَرد التَّفاصيل، لكن الأهَمّ بالنِّسبة لهم كان استخدام المصادر المختلِفة وإعادة صِياغتها بطريقة تتوافق مع نيَّتهِم لإيصال الرِّسالة المقصودة. وبالنِّسبة لكُتَّاب الأناجيل فقد كانت رسالتهم الأهمّ هي الدَّلالة اللَّاهوتيَّة للحدَث والتي تتوافق مع الصُّورة الكُبرى التي رسمها كل منهم حول شخص المسيح.

يوضح لنا كِتاب “قراءة خاطئة للكتاب المقدَّس بعُيون غربِيَّة” كيف أنَّ التَّسلسُل الزَّمني لم يكن من أولويَّات المؤرِّخين تلك الأيَّام بل ما يهُمّ بالنِّسبة لهم هو التَّرتيب الموضوعي، ويذكُر مِثالاً من المؤرِّخ الرُّوماني “بلوتارك” الذي كان يُغيِّر زمن بعض الأحداث في سَردهِ للسِّيَر الذَّاتيَّة لتُوافِق الموضوع المطروح، وأحياناً يُخبرنا صراحةً بأنَّه قام بذلك. ففي إحدى المرَّات التي يتحدَّث فيها عن إصدار أوَّل قانون زِراعي أيَّام الإمبراطوريَّة الرُّومانيَّة، يذكُر تارةً أنَّ اقتِراح القانون الزِّراعي الأوَّل حصل قبلَ أن يُعطي قيصَر ابنتهُ جوليا للزَّواج من بومباي. وفي كتابٍ آخر يقول أنَّ زواج بومباي من جوليا سبقَ إدخال القوانين الزِّراعيَّة. وقد غيَّرَ بلوتارك زمان اقتِراح القانون الزِّراعي في الكِتاب الذي يتحدَّث فيه عن السِّيناتور الرُّوماني “كاتو الصَّغير” لأنَّ ذلك يخدم تبسيط الأحداث.¹

يتحدَّث العالِم “مايك لايكونا” في كِتابه “لماذا هناك اختلافات في الأناجيل؟” عن تلك الأُسُس البَلاغيَّة التي كانت تُدرَّس حينها ويذكُر أمثلة كثيرة من مختلَف الكِتابات آنذاك وكيف طبَّق الأُدَباء هذه الأساليب في أعمالهم المختلِفة ويقول: “هناك سبَبان رئيسيَّان لظُهور هكذا اختلافات… الأوَّل يتعلَّق بالأساليب البَلاغيَّة التي كانت تُدرَّس فيما يُعرَف بالRhetoric والتي تظهَر في الكُتب التَّعليميَّة المكتوبة من ثِيون وهيرموجينيس وآخَرين. والثَّاني يتعلَّق بأُسلوب ترتيب الأحداث الذي كان يعتمِده كُتَّاب السِّيَر والأُدَباء في تلك الحقبة.”²

يذكُر لايكونا في نفس الكِتاب ثمانِية طُرق قد يتَّعبها الكاتب في سَردهِ للأحداث في تلك الحقبة، وهي غير مألوفة لدينا لكنَّها كانت طبيعيَّة تماماً لقارئها الأوَّل وهي:

  1. تحويل الكلام أو الفعل من شخصٍ لآخر: هذا يحصل عندما يتعمَّد الكاتب أن يَنسِب الكلمات أو الفعل إلى شخص مختلف عن الذي قام بها لارتِباط الشَّخصيات مع بعضها بطريقة ما.
  2. ذِكر الحادثة في غير زمانها: عندما ينقُل الكاتب بشكل مُتعمَّد الأحداث إلى إطار زمني مختلِف بغرَض معيَّن، كإبرازها قبل أو بعد حصولها على أرض الواقع.
  3. مزج القِصص: هذا يحصل عندما يمزج الكاتب مجموعة أحداث في حادثة واحدة، وهذا قد يتضمَّن النُّقطتين المذكورتين أعلاه.
  4. التَّلخيص: وهو عندما يختصر الكاتب حادثة كبيرة ويذكر منها أحداثاً معيَّنة فقط، قاصِداً التَّغافُل عن ذِكر الأحداث الأُخرى.
  5. تسليط الضَّوء: أحياناً يُركِّز الكاتب على دَور شخصيَّة معيَّنة في الحادثة، يعني أنَّه يذكُر كل التَّفاصيل المحيطة بها في حين أنَّه يتغافل عن قصد عن ذِكر تفاصيل شخصيَّات أُخرى كانت مُشارِكة في الحدث.
  6. التَّبسيط: وهو عدم ذِكر الأحداث المُعقَّدة، والاكتِفاء بسَرد الأحداث التي لها تداعِيات على المعنى المُراد إيصاله بهدَف عدم تشويش القارئ بكثرة التَّفاصيل.
  7. شرح تفصيلي: وهي حين يذكُر الكاتب تفاصيل صغيرة من القصَّة قد لا تبدو لنا أنَّها مُهمَّة في البداية، لكن غرَض الكاتب من ذلك هو أن تُشكِّل هذه التَّفاصيل حَبكة دراميَّة للقصَّة الرَّئيسيَّة التي يريد أن يخبرنا إيَّاها.
  8. إعادة الصِّياغة: هذا يحصل عندما يكتب الكاتب الحدَث من خلال تفسيره هو لما حصل مُستخدِماً مُفرَداته الخاصَّة.

كيف طبق كُتّاب الأناجيل ذلك؟

بلوتارك أبرَز المؤرِّخين وكُتَّاب السِّيَر الذَّاتيَّة الرُّومان، كتبَ في أكثر من كِتاب عن نفس الأحداث، وفي كل مرَّة كان يُعيد صِياغة الحادثة نفسها لكن بطريقة مختلِفة بُغية تسليط الضَّوء على حدث معيَّن يتوافَق مع محتوى رسالته.
مثالاً على ذلك ما يُخبره بلوتارك عن حادثة اغتيال يوليوس قيصَر في كِتابه “حياة يوليوس” الذي يُلخِّص فيه حياة القيصَر هذا إذ يقول أنَّ الكثيرين جُرِحوا في حادثة الاغتيال، أمَّا في كِتابه “حياة بروتوس” والذي يتحدَّث فيه عن سيرة حياة رفيق يوليوس الذي خانَهُ في النِّهاية فلا يذكُر بلوتارك الآخَرين بل يتحدَّث عن جُروح بروتوس فقط بُغيَة تسليط الضَّوء عليه، وهذا يتوافق مع الكتاب ككُل.

يقول مايك لايكونا:” بلوتارك كما كل مؤرِّخي عصره، يُعيد صِياغة الأحداث من المصادر التي يأخذ منها، الأمر الذي لا يُوافقنا في السِّيَر الذَّاتيَّة أيَّامنا هذه، لكن إضافة تفاصيل في القصَّة هدفها توضيح القصَّة لكي تصبح مفهومة من الجمهور… فأهداف المؤرِّخين حينها تختلف عن أهدافنا اليوم، كانوا مُستعدِّين للتَّضحِية بجزئيَّة تاريخيَّة لكي يحقِّقوا أهدافهم، هذه الأُمور يجب أن تؤخَذ بالحسبان من القرَّاء المُعاصرين للسِّيَر الذَّاتيَّة التَّاريخيَّة”³، وهذا لا يُعتبَر تشويهاً للحدَث التَّاريخي ولا تحريفاً له، واتِّهامنا لهم بذلك هو مُفارَقة تاريخيَّة.

متَّى، مَرقُس، لوقا ويوحنَّا كتبوا في القرن الأوَّل للميلاد لذلك من الطَّبيعي أن يكتبوا وفق هذه المعايير التي كانت تُعتبَر اُسلوباً صحيحاً وبليغاً لذِكر الأحداث التَّاريخيَّة. ونلاحظ ذلك في الأناجيل كلّها، كما نلاحظ كيف أنَّ كل كاتب له توجُّه معيَّن ويحاول جعل الأحداث التي يذكرها تتوافق مع رسالته اللَّاهوتيَّة التي يريد إيصالها.


كل كاتب له توجُّه معيَّن ويحاول جعل الأحداث التي يذكرها تتوافق مع رسالته اللَّاهوتيَّة التي يريد إيصالها


مثلاً يذكُر لنا يوحنَّا مريم المجدليَّة فقط من النِّساء اللَّواتي ذهبنَ للقبر، هو لم يذكُر الأُخرَيات ولكن من الواضح أنَّه كان على دِراية بأنَّ هناك من رافق المجدليَّة إلى قبر المسيح وذلك نِسبةً للضَّمير الذي استخدمته مريم في الحديث وهو ضمير الجمع للمتكلِّم (يوحنَّا 2:20). أرادَ يوحنَّا تسليط الضَّوء عليها، لكي يُرينا كيف تغيَّرت حياتها وصارت تتبع الرَّب، لأنَّه كان يُركِّز على التَّغيير الذي حصل في حياة من اتَّبعوا المسيح. وذِكر الأناجيل الباقية لنِساء أُخرَيات كُنَّ مع مريم عند القبر لا يعني أنَّ تناقُضاً قد حصل، فهذا الأُسلوب قام به يوحنَّا مُتعمِّداً، مُراعِياً الأساليب البَلاغيَّة الأدبيَّة المُتَّبعة تلك الأيَّام.

أمَّا عدم ذِكر لوقا لقُدوم قائد المِئة شخصيّاً فلا يعني أنَّه لم يأتِ في النِّهاية أو لم يتبع رُسُله، لكن كل كاتب أراد تسليط الضَّوء على فكرة، فمتَّى يريد أن يُظهر تواضع قائد المِئة مُقارَنةً بالفرِّيسيِّين لأنَّه كان يكتب لجمهور يهودي، بينما لوقا يريد أن يُظهر اهتمام رجال الدِّين اليهود برَجُل أُمَمي. وحتَّى لو لم يحضُر الرَّجُل شخصيّاً، يكون متَّى قد استخدم طريقة تحويل الكلام من شخص لآخر لتوضيح رسالته.

بالنِّسبة لمتَّى يجب أن تكون ذروة كل حدَث بارز على جبل لأنَّه يريد أن يوحي للجمهور اليهودي المقصود كيف أنَّ المسيح هو مُتمِّم التَّوارة وغايَتها، وبالنِّسبة لليهود فإنَّ الشَّريعة أتت من الجبل حيث كلَّمَ الله الشَّعب، بالإضافة إلى صُعود موسى إلى الجبل والعديد من الأحداث المُهمَّة في مراحل الشَّعب القديم وارتباطها بالجبل، لذلك أراد متَّى أن يُظهر يسوع بأنَّه النَّبي الذي أخبرَ عنه موسى وفي نفس الوقت أنَّه المُشرِّع الجديد الذي أعطى المَوعظة على الجبل (متَّى 5 ،6 ، 7) التي يُثنِّي فيها يسوع على الشَّريعة المُعطاة من جبل سيناء مع إعادة صِياغتها في إطار العهد الجديد الذي كان على وشك تأسيسه.

new testament in arabic

بالنِّسبة للوقا يجب أن تكون ذروة الأحداث في أورشَليم كما يذكُر في مواضع أُخرى (لوقا 22:2-38، 41:19-45، 36:24-49) لذلك نقلَ التَّجربة الثَّانية إلى التَّجربة الأخيرة، وأقول أنَّه هو الذي نقلَ لأنَّه استخدمَ في الوَصل بين الجُمَل حرف عطف يوناني لا يُفيد التَّرتيب (أستخدم مُصطَلحات قواعد اللُّغة العربيَّة كمِثال توضيحي)، بعكس ما وردَ في إنجيل متَّى الذي يذكُر التَّرتيب الصَّحيح للأحداث بحسب الكلمة اليونانيَّة التي استُخدِمت كصِلة وَصل بين الجُمَل.

هذه المبادئ تُطبَّق على كل الاختلافات الظَّاهريَّة في الأناجيل، وأقول ظاهريَّة لأنَّها تبدو اختلافات للوَهلة الأولى، لكن بعد البحث والتَّدقيق يتبيَّن أنَّ بالإمكان التَّوفيق بين كل تلك الأحداث إذا ما حكَمنا عليها ليس وفق معاييرنا المُعاصرة بل وفق معايير تلك الثَّقافة الأدبيَّة.

وردَ في كِتاب المِصداقيَّة التَّاريخيَّة للأناجيل ما يلي: “يوجد تشبيه مذهل للاختلافات الظَّاهريَّة التي تبدو في الأناجيل الأربعة، وهو في الرِّوايات الأربعة الموجودة عن عُبور يوليوس قيصَر لنهر روبيكون وخوضه الحرب الأهليَّة التي من شأنها أن تجعلهُ إمبراطوراً وتحوِّل الجمهوريَّة الرُّومانيَّة إلى إمبراطوريَّته الخاصَّة. لكن لا أحد يعرف على وجه اليقين التَّاريخ أو الموقع الدَّقيق لمَعبر هذا النَّهر. وليست جميع التَّفاصيل في كل رواية تتطابَق بسهولة مع بعضها البعض، حتَّى أنَّ إحدى الرِّوايات تحتوي على معجزة مُرافقة للعبور، ومع ذلك، ليس لدى العُلَماء أدنى شَكّ في أنَّ هذا الحدَث قد حصلَ تاريخيّاً (وله دلالة تاريخيَّة يمكن معرفتها).” يقول أيضاً موراي هاريس: “وجود اختلافات في ذِكر تفاصيل الأحداث المحيطة ليس دليلاً على أنَّ الحدَث بنفسه هو ليس حقيقة تاريخيَّة.”

هذا الأُسلوب في صِياغة المعلومات حول الأحداث التَّاريخيَّة المذكورة في الكتاب المقدَّس بعيد كل البُعد عن التَّحريف، فالرِّسالة اللَّاهوتيَّة المُراد إيصالها هي حقيقيَّة، فأيّ تغيير في التَّفاصيل بُغيَة إيصالها لا يُغيِّر في كَون الحقيقة حقيقة، وكما يقول العالِم غريغ بلومبارغ: “إعادة الصِّياغة الحُرَّة لأقوال المسيح تُعطينا المعنى الصَّحيح لأقواله تماماً كما الصِّيغة الحَرفيَّة”.


أيّ تغيير في التَّفاصيل بُغيَة إيصالها لا يُغيِّر في كَون الحقيقة حقيقة


ما أرادَ أن يوصله لنا كُتَّاب الأناجيل هو الحقائق التَّاريخيَّة المحطية بحياة المسيح، وعملهم على تعديل التَّفاصيل هو بُغيَة تركيزهم على حقّ من هذه الحقائق لتوضيح فكرة معيَّنة كما أشَرنا سابقاً في الأمثلة أعلاه. وما يمُرّ عادةً دون أن يتمّ ذِكره هو أنَّ أوجُه التَّشابُه في رِوايات الأناجيل تتفوَّق بشكل كبيرعلى كل الاختلافات الظَّاهريَّة. وكل الاختلافات التي تظهر، تُحَلّ بكل بساطة، فهي تفسيرات لاهوتيَّة محدَّدة للأحداث التَّاريخيَّة، ولو بدا لنا أنَّ هناك اختلافات فهذا لا يُعطينا الحقّ في التَّشكيك بالطَّابع التَّاريخي الأساسي للأحداث نفسها.

  1. Misreading Scripture with Western Eyes. E. Randolph Richards, Brandon J. O’Brien, Allan Robertson.
  2. Why Are There Differences in the Gospels?: What We Can Learn from Ancient Biography. Michael R. Licona, Craig A. Evans.
  3. Ibid
  4. المفارفة التاريخية تحصل عندما يطبّق شخص معايير عصره على معايير زمن آخر. في الإنجليزية Anachronism
  5. The Historical Reliability of the New Testament: Countering the Challenges to Evangelical Christian Beliefs (B&H Studies in Christian Apologetics). Craig L. Blomberg, Robert B. Stewart.
  6. Raised Immortal: Resurrection and Immortality in the New Testament. Murray J. Harris.
  7. The Historical Reliability of the New Testament: Countering the Challenges to Evangelical Christian Beliefs (B&H Studies in Christian Apologetics). Craig L. Blomberg, Robert B. Stewart.


مقالات مُشابِهة

ماذا عن الأناجيل الأخرى؟
معجزات يسوع في الأناجيل
مقارنة الأناجيل الأربعة


تبغى تتواصل مع مسيحي؟ تواصل معنا بكل امان الحين.