لقد تم تشويه معنى الإيمان على مر العصور. فكثير من الناس ينادون بأن الإيمان عكس المنطق والفكر، بل ينادي البعض بعدم إعمال العقل من الأساس في فكرة الإيمان. فهل الإيمان ضد المنطق والتفكير؟
إن هذا السؤال هام ليس فقط لكثرة التساؤل فيه، ولكن أيضًا لأن الإجابة عن هذا السؤال تُشكل طريقة تعاملنا مع الأفكار التي نؤمن بها. في البداية، يوجد عدة معاني للإيمان. فمثلًا قد نستخدم كلمة الإيمان بمعنى الإيمان بدين معين، وقد يعني الإيمان بالله، وقد يعنى الثقة في الله أو بمعنى أخر أن الله سيحل مشكلة ما في حياتي.
ما سنتناوله في هذا المقال ينطبق على كل معاني الإيمان ولكن بأكثر تحديدًا ينطبق على فكرة الإيمان بالله او بإطار إيماني معين مثل الإيمان المسيحي. يوجد علاقة وثيقة بين الإيمان بكافة معانيه وألوانه وبين الفهم والاقتناع. فمثلًا أن تؤمن بوجود الله إيمان أعمى دون اقتناع فكري ومنطقي بفكرة وجود الله، فهذا ليس إيمان.
إن معنى الإيمان الحقيقي هو الاقتناع المنطقي بفكرة معينة، ثم بعدها يأتي الإيمان بالقلب والوجدان أو ما يطلق عليه الاختبار الشخصي، ثم بعدها أن أعيش هذا الإيمان بطريقة عمليّة في حياتي اليوميّة أو بمعنى أخر أن أطيع هذا الإيمان. إذًا فهل الإيمان يتعارض مع المنطق؟
في الكتاب المقدس في سفر إشعياء في العهد القديم الإصحاح الأول والآية 18 مكتوب
هَلُمَّ نَتَحَاجَجْ، يَقُولُ الرَّبُّ.
فالله يدعونا ان نتناقش ونتحاجج، فما صعوبة الإيمان إذًا؟
الإيمان لا يتعارض مع المنطق والتفكير، لكن الإيمان يتعارض مع العيان. في عبرانيين ١١: ١ مكتوب:
وَأَمَّا الإِيمَانُ فَهُوَ الثِّقَةُ بِمَا يُرْجَى وَالإِيقَانُ بِأُمُورٍ لاَ تُرَى.
لاحظ هذه الآية لا تقول : “الإيقان بأمور لا تعقل” ولكن الآية تقول: “الإيمان بأمور لا ترى” . فالإيمان ليس عكس التفكير ولكن عكس العيان، أي عكس ما يُرى. بل أن الكتاب المقدس يشدد على ان الإيمان منطقي لذلك مثلًا في رومية ١: ٢٠ يقول:
لأَنَّ أُمُورَهُ غَيْرَ الْمَنْظُورَةِ تُرىَ مُنْذُ خَلْقِ الْعَالَمِ مُدْرَكَةً بِالْمَصْنُوعَاتِ، قُدْرَتَهُ السَّرْمَدِيَّةَ وَلاَهُوتَهُ، حَتَّى إِنَّهُمْ بِلاَ عُذْرٍ.
أي أن الله أعطى أدلة منطقية على وجوده. على سبيل المثال نحن كبشر اليوم نتعامل مع موجات كهرومغناطيسية لا تُرى مثل موجات الراديو والتليفزيون والموبايل وغيرها، نحن لا نرى هذه الموجات بعيوننا ولكن نصدق انها موجودة، لأن عقولنا استنتجت وجودها من تشغيل الراديو والتليفزيون.
إذًا فالايمان ليس عكس المنطق والتفكير، بالعكس فالله أعطى الإنسان ملكة العقل، لكي يفكر ويستخدم عقله، ويبحث به عن الحقيقة، لذلك على كل إنسان أن يفكر هل ما يؤمن به منطقي أم مجرد أمور متوارثه متناقضة. أبدأ اليوم رحلة بحثك منطقيًا عن الحق ولا تضيع يومًا اخر من عمرك. لا تخف من التفكير، فالإيمان الحقيقي المُرسل من الله لابد أن يكون منطقي.
الكاتبة: لمياء نور
Masters of Arts in Theology, ETSC
مقالات مُشابِهة
الإيمان بكلمة الله
إقرار الإيمان الرسولي
هل الشك في الأفكار الإيمانيّة خطيّة؟