إنّ رِحلة البحث عن الحَق، وعن الطريق الصحيح لله، أحيانًا تكون رِحلة قاسيّة فِي بدايتها. فكما أنّ اكتشاف الحقيقة بعد طول انتظار هو شيء جميل ومريح، لكنه أيضًا يُوَلِد ألمًا على طول السنوات السابقة التي كان يعيشها الإنسان في الظلام وظلال الزيّف والخداع. وقد يُسبب أيضًا نوعًا من الغصب علَى الأفكار والأشخاص الذين كانوا يقفون كحاجز لمنع اكتشاف الحقيقة. فالسؤال الآن هُو: نحن كأشخاص نتبع المسيح الآن، هل تعاليم الكِتاب المٌقدس تُعلمنا أن نكره أتباع المُعتقدات الأخرى، وخصوصًا الذين كانوا يقفون كعائق في طريق اكتشافنا لمحبة المسيح؟
إن هذا السؤال من الأسئلة المُهمة لأنه يتعلق بجوهر إيماننا المسيحيّ، وعلاقته بسلوكنا اليوميّ، مُتلامسًا مع ألم داخليّ لكثيرين مِنّا مِمن يعيشون في أوساط لا تتبع المسيح.
حياة المسيح، الحُب المٌتجسد
إنّ إحدى الأمور التي كشفها لنا الله في المسيح يسوع، هي كيف نعيش صورة الإنسانيّة التي على حسب قلب الله. فجاء المسيح يُعلمنا كيّف نُفكر، وبماذا نعتقد، وكيّف نسلك. وعندما نُشاهد حياة المسيح من خلال كلمات الوحيّ المُقدس نجد أنّ المسيح كان يجول في الأرض يصنع خيّرًا، ويشفى الأمراض، ويحرر منكسرى القلوب حيث مكتوب في الإنجيل:
فَكَانَ يَنْتَقِلُ مِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ يَعْمَلُ الْخَيْرَ، وَيَشْفِي جَمِيعَ الَّذِينَ تَسَلَّطَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ.
أعمال الرسل 10: 38
فقد عمل المسيح المُعجزات لأولئكَ الذين رفضوه، لأولئكَ الذين كان يعلم أنهم سينادوا ويطالبوا بصلبه. فقد عاش بينهم المحبة العمليّة المُتجسدة. ليس ذلك فقط، بل نادى المسيح بمحبة كل البشر. فقد قالها كوصيّة بوضوح في الإنجيل:
فَبِهَذَا أُوصِيكُمْ إِذَنْ: أَنْ تُحِبُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضاً.
إنجيل يوحنا 15: 17
أَحِبّ الرَّبَّ إِلهَكَ بِكُلِّ قَلْبِكَ وَكُلِّ نَفْسِكَ وَكُلِّ فِكْرِكَ! هَذِهِ هِيَ الْوَصِيَّةُ الْعُظْمَى الأُولَى. وَالثَّانِيَةُ مِثْلُهَا: أَحِبّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ! بِهَاتَيْنِ الْوَصِيَّتَيْنِ تَتَعَلَّقُ الشَّرِيعَةُ وَكُتُبُ الأَنْبِيَاءِ!
إنجيل متى 22: 37- 40
فالمسيح كان يعيش وسط أشخاص رفضوه. كان يجول بينهم يصنع خيّرًا، ويشفى أمراضهم. لم يُمسك يومًا سيفًا ليقتل من يرفضوه ويهاجموه، بل بكل الحب كان يشفى أمراضهم. كان يتلامس مع ضعفهم، ويُظهر لهم محبة الله في كل موقف. فإذا كان المسيح فعل هكذا، يجب نحن أن نسلك هكذا أيضًا.
الإيمان العمليّ
إن الإيمان المسيحيّ ليس مُجرد مُعتقدات أو أفكار تؤمن بها فقط في عقلك، وترددها بفمك؛ لكن الإيمان المسيحيّ هو إيمان عمليّ، أي نوعيّة حياة مبنيّة على أساس هذه المُعتقدات. فإذا كان المُعتقد أو الفكرة لا تُحدث تغيير في حياتك وسلوكك اليوميّ، فأنت في الحقيقة لا تؤمن بها. لذلك مكتوب في الإنجيل أنّ عدم محبة الإنسان الآخر هي دليل على عدم معرفة الله حيث نقرأ في الوحيّ :
فَهَذِهِ الْوَصِيَّةُ جَاءَتْنَا مِنَ الْمَسِيحِ نَفْسِهِ: مَنْ يُحِبُّ اللهَ، يُحِبُّ أَخَاهُ!
رسالة يوحنا الرسول الأولى 4: 21
فعدم محبة الإنسان الآخر هي دليل على عدم معرفة الله. كما أنّ كلمة “أخوك” في الكتاب تعني “أخوك في الإنسانية” أي تعني “أي إنسان آخر” فإذا كنا نحب الله فعلًا ، يجب علينا أن نحب كل البشر أيًّا كانت مُعتقداتهم أو توجهاتهم الفكريّة.
جوهر الإيمان المسيحيّ
إنّ جوهر الإيمان المسيحيّ هو أن تسكن في محبة الله، وتمتليء من محبة الله، ثم تنسكب منك هذه المحبة بصورة تلقائيّة لتُظهر للناس محبة. هذه إحدى علامات النمو الروحيّ الناتج عن التلمذة والنمو في الإيمان المسيحيّ، أنك بتتغيّر كُل يوم لتصير أكثر إنسان حقيقيّ يستطيع أن يعيش تعاليم المسيح. فمحبة الإنسان الآخر بغض النظر عن مُعتقده أو إيمانه هي إحدى الأمور الجوهريّة في الإيمان المسيحيّ، حيث نقرأ في الكتاب المُقدس:
أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، لِنُحِبَّ بَعْضُنَا بَعْضاً: لأَنَّ الْمَحَبَّةَ تَصْدُرُ مِنَ اللهِ. إِذَنْ، كُلُّ مَنْ يُحِبُّ، يَكُونُ مَوْلُوداً مِنَ اللهِ وَيَعْرِفُ اللهَ. أَمَّا مَنْ لَا يُحِبُّ، فَهُوَ لَمْ يَتَعَرَّفْ بِاللهِ قَطُّ لأَنَّ اللهَ مَحَبَّةٌ!
رسالة يوحنا الرسول الأولى 4: 7- 8
العدو الحقيقيّ
إنّ تعاليم العالم تقول أنّ أي شخص مٌختلف عن ما أعتقد فيه، هو عدو لي، لكن تعاليم الكتاب المقدس عكس ذلك تمامًا. فيعلمنا الكتاب المقدس أن هذه الفكرة غير صحيحة. بل أنّ الكتاب المُقدس يعلمنا أبعد من ذلك فيقول أن البشر مخلوقين على صورة الله، فمحبتي لله، تتجسد في محبتي لهم. كما يشرح الوحيّ بوضوح انه ليس لنا أعداء بشر، بل أعدائنا هي الأرواح الشريرة وليس البشر حيث يقول:
فَإِنَّ حَرْبَنَا لَيْسَتْ ضِدَّ ذَوِي اللَّحْمِ وَالدَّمِ، بَلْ ضِدُّ الرِّئَاسَاتِ، ضِدُّ السُّلُطَاتِ، ضِدُّ أَسْيَادِ الْعَالَمِ حُكَّامِ هَذَا الظَّلامِ، ضِدُّ قِوَى الشَّرِّ الرُّوحِيَّةِ فِي السَّمَاوَاتِ.
رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس 6: 12
كيّف نتعامل مع مَنْ يعتبرون أنفسهم أعدائنا
إن جازَ القوّل أن لنّا أعداء فهم الأرواح الشريرة، وليس البشر؛ بل أنّ وقت المسيح عندما كان الشعب يَظُن أن بعض البشر أعداء لهم، قال المسيح وعلمهم أنه يجب أن لا نجازي الشر بالشر، بل نحب البشر إن جاز التعبير وقولنا أنهم أعدائنا، ونُحسن إلى الذين يبغضوننا، ونصلي أيضًا لكل الذين يضطهدوننا حيث نقرأ في إنجيل متى:
وَسَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ: تُحِبُّ قَرِيبَكَ وَتُبْغِضُ عَدُوَّكَ. أَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ، وَبَارِكُوا لاعِنِيكُمْ، وَأَحْسِنُوا مُعَامَلَةَ الَّذِينَ يُبْغِضُونَكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَضْطَهِدُونَكُمْ، فَتَكُونُوا أَبْنَاءَ أَبِيكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ: فَإِنَّهُ يُشْرِقُ بِشَمْسِهِ عَلَى الأَشْرَارِ وَالصَّالِحِينَ، وَيُمْطِرُ عَلَى الأَبْرَارِ وَغَيْرِ الأَبْرَارِ. فَإِنْ أَحْبَبْتُمُ الَّذِينَ يُحِبُّونَكُمْ، فَأَيَّةُ مُكَافَأَةٍ لَكُمْ؟ أَمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ حَتَّى جُبَاةُ الضَّرَائِبِ؟ وَإِنْ رَحَّبْتُمْ بِإِخْوَانِكُمْ فَقَطْ، فَأَيَّ شَيْءٍ فَائِقٍ لِلْعَادَةِ تَفْعَلُونَ؟ أَمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ حَتَّى الْوَثَنِيُّونَ؟ فَكُونُوا أَنْتُمْ كَامِلِينَ، كَمَا أَنَّ أَبَاكُمُ السَّمَاوِيَّ هُوَ كَامِلٌ!
إنجيل متى 5: 43 – 48
لقد جاء المسيح مُجَسدًا الحُب لكل البشر حتى لأولئك الذين رفضوهُ، مُعلمًا إيّانا أنْ نعيش هذه المحبة مع كُل البشر. فليس لنا أعداء من البشر، بل المحبة شعارنا لكل البشر، أيًّا كانت مُعتقداتهم أو حتى أفكارهم تجاهنا. أن تعيش المحبة العمليّة مع كل البشر هو أمر هام وجوهريّ. فأطلب من الله الآن أن يسكب في قلبك سكيب الحب، لكي تستطيع أنْ تُحب الآخرين بغض النظر عن موقفهم تجاهك.
الكاتبة: لمياء نور
Masters of Arts in Theology, ETSC
مقالات مُشابِهة
الله مَحبَّة..
من هم السامريون؟
ثلاث خطوات سوف تساعدك ان تحب عدوك
درس مهم لنتعلمه من قصة السامري الصالح