لماذا اختارَتْ أمُّ موسى، وأختُه والقابلاتُ عِصيانَ أمرِ فرعونَ على الرَّغمِ من خطورةِ الأمرِ على حياتِهنَّ؟
ما الّذي يُثبِتُ أنَّ موسى كان يَعْلَمُ أنَّه من أصلٍ عبرانيٍّ، على الرّغمِ من أنَّهُ تربّى في القصرِ كأنّه ابنُ فِرعَوْن؟
حدثٌ واحدٌ غيَّرَ حياةَ موسى كليًّا. وأنتَ، ما هو الحدثُ أو الأحداثُ الّتي غيرَتْ حياتَكْ؟
لمّا كانَ يوسفُ، ابنُ حفيدِ ابراهيمَ، واليًا كبيرًا على كلِّ مِصر، طلبَ إلى أبيهِ يعقوبَ وعائلتِهِ أنْ يأتوا للإقامةِ بالقربِ منْهُ. وعاشوا هناكَ حتّى ماتَ يعقوبُ، وماتَ يوسُفُ وكلُّ إخوتِهِ وكلُّ ذلكَ الجيلِ. وأمّا بَنو اسرائيلَ فتَوالَدوا وكثُروا جِدًّا، وامتَلأتْ مِنهُمْ أرضُ مِصرَ.
وقامَ مَلِكٌ جَدِيدٌ عَلَى مِصْرَ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ يُوسُفَ. وخافَ جدًّا منْ عددِ العبرانيّينَ، فقَالَ لِشَعْبِهِ: “فَلْنَتَآمرْ عليهِمْ لِكَيْ لا يَتَكَاثَرُوا وَيَنْضَمُّوا إِلى أَعْدَائِنَا إِذَا نَشَبَ قِتَالٌ فيُحَارِبُوننَا ثُمَّ يُخْرِجُوننا مِنَ الأَرْضِ.”
فَأمرَ بأنْ يُذِلُّوهُمْ بِأَعْمَالٍ شَاقَّةٍ. وَلَكِنْ كُلَّمَا زَادُوا مِنْ إذْلالِهِمْ، ازْدَادَ تَكَاثُرُهُمْ وَنُمُوُّهُمْ فَتَخَوَّفُوا مِنْ بَنِي اسْرَائِيلَ فَتَزَايَدَ عُنْفُ اسْتِعْبَادِ الْمِصْرِيِّينَ لِبَنِي اسْرَائِيلَ.
وقَالَ فرعونُ لِلْقَابِلَتَيْنِ الْعِبْرَانِيَّتَيْنِ: “حِينَ تُسَاعِدَانِ النِّسَاءَ العِبْرَانِيَّاتِ فِي الوِلَادَةِ انْظُرَا إلَى المَوْلُودِ، فَإذَا كَانَ وَلَدًا فَاقتُلَاهُ، وَإنْ بِنْتًا فَاترُكَاهَا لِتَعِيشَ.”
غَيْرَ أَنَّ الْقَابِلَتَيْنِ كَانَتَا تَخَافَانِ اللهَ فَلَمْ تُنَفِّذَا أَمْرَ فرعون فاسْتَحْيَتَا الأَطْفَالَ الذُّكُورَ.
ولمّا سَأَلَهُمَا: “لِمَاذَا فَعَلْتُمَا هَذَا الأَمْرَ واسْتَحْيَيْتُمَا الأولادَ؟”
أَجَابَتَاهُ: “إنَّ النِّسَاءَ الْعِبْرَانِيَّاتِ لَسْنَ كَالْمِصْرِيَّاتِ، فَإِنَّهُنَّ قَوِيَّاتٌ يَلِدْنَ قَبْلَ أنْ تَأتِيَهُنَّ الْقَابِلَةُ.”
ثُمَّ أمَرَ فِرعَوْنُ جميعَ شَعبِهِ بِأنْ يَطرَحوا كُلَّ ابنٍ يولَدُ في النَّهرِ.
وكانَتْ هناكَ امرأةٌ عبرانيَّةٌ لم تَرْضَ أنْ ترميَ ابنَها في النّيل. فخبَّأَتْهُ ثلاثَةَ شهورٍ. وَلَمَّا لَمْ تَسْتَطِعْ أَنْ تُخْفِيَهُ بَعْد، وضعَتِ الطِّفلَ في سَلَّةٍ منْ قصَبٍ عَلَى ضَفَّةِ النَّهْرِ. وَوَقَفَتْ أُخْتُهُ مِنْ بَعِيدٍ لِتَرَى مَا سَيَحْدُثُ لَهُ.
وبينما كانَتِ اِبنةُ فرعون تستحمُّ في النّهرِ معَ وصيفاتِها، رأتِ السّلةَ. وما إنْ رأتِ الطّفلَ حتّى عرَفَتْ أنَّهُ عِبرانيٌّ منْ شعبِ الله. فقالَتْ أُختُهُ لابنَةِ فِرعَوْنَ: “هل أذهَبُ وأدعو لكِ امرأةً مُرضِعَةً لتُرضِعَ لكِ الوَلَدَ؟”
فَقَالَت: “اِذهَبِي!”
فَذَهَبَتِ الفَتَاةُ وَدَعَتْ أُمَّ الطِّفلِ. وَقَالَتِ ابْنَةُ فِرعَوْنَ لَهَا: “خُذِي هَذَا الطِّفْلَ وَأرْضِعِيهِ لِي، وَسَأدفَعُ لَكِ أُجْرَتَكِ.”
فصارَ كذلِكَ.
وَحِينَ كَبِرَ الوَلَدُ بِمَا يَكْفِي لِيُفطَمَ، أحْضَرَتْهُ إلَى ابْنَةِ فِرْعَوْن، فَتَبَنَّتْهُ. وَدَعَتِ الطِّفْلَ مُوسَى. فتَرَبّى في القصرِ وصارَ متمكِّنًا منْ حكمةِ المِصريّين وعلومِهِم.
وفي يومٍ، خرجَ موسى ليتفقَّدَ شعبَهُ، فرَأى رَجُلًا مِصْرِيًّا يَضْرِبُ رَجُلًا عِبرَانِيًّا مِنْ إخْوَتِهِ. فقَتَلَ موسى المِصْرِيَّ وطَمَرَهُ في الرَّملِ.
ثُمَّ خرجَ في اليومِ الثّاني وإذا رَجُلانِ عِبرانيّانِ يتَخاصَمانِ، فقالَ للمُذنِبِ: “لماذا تضرِبُ صاحِبَكَ؟”
فقالَ: “مَنْ جَعَلكَ رَئيسًا وقاضيًا علَينا؟ أَعَازِمٌ أنتَ على قَتلي كما قَتَلتَ المِصريَّ؟”
فخافَ موسَى لأنَّهُ عرَفَ أنَّ الخبرَ قدْ ذاعَ. فسمِعَ فِرعَوْنُ هذا الأمرَ، فطَلَبَ أنْ يُقتَلَ موسَى.
فهَرَبَ موسَى مِنْ وجهِ فِرعَوْنَ وسَكَنَ في أرضِ مِديانَ، حيثُ تعرَّفَّ على حماهُ واشتغلَ عندَهُ راعِيًا للغنمِ.