رؤساء الكَهَنة هُم الكَهَنة ذَوي الرُّتبة الأعلى والأدوار الأهَمّ في النِّظام الكَهَنوتي اليَهودي. ماذا كانت هذه الأدوار، ولماذا يجب علينا أن نعرف عنهم؟ هذا ما سنُجيب عنه في المقال التالي.
نِظام الكَهَنوت الذي وَضَعَهُ الله وَسط شَعبِهِ تَضَمَّنَ دَرَجات كَهَنوتِيَّة مُختَلِفة، فبِالإضافة إلى الكَهَنة كانَ يوجَد اللَّاوِيِّين الذينَ كانوا مُساعِدين لِلكَهَنة خاصَّةً فيما يتَعَلَّق بِخَيمَة الإجتِماع¹ وتابوت العَهد والعِناية بِهِ. فقَد اختارَ الله هارون كأوَّل رَئيس لِلكَهَنة (سِفر اللَّاوِيِّين الإصحاح 8) إذ نَقرَأ في هذا الإصحاح المَراسِم الأولى لِتَعيين الكَهَنة. ورَئيس الكَهَنة هو الوَحيد المُخَوَّل بالدُّخول إلى قُدس الأقداس²، فهذا المَكان المُحَرَّم دُخولهُ في خَيمَة الإجتِماع، كانَ يَدخُل إليهِ فقَط رَئيس الكَهَنة مَرَّة واحِدة في السَّنَة في عيد الكَفَّارة اليَهودي. وغاية هذا العيد هي تَقديم ذَبائِح عن خَطايا الأُمَّة، ولكن رَئيس الكَهَنة لم يَكُن بِاستِطاعَتِهِ الدُّخول إلى ذاكَ المَكان المُقَدَّس قبلَ أن يُقَدِّم ذَبيحة عن ذُنوب نَفسِهِ أوَّلاً لِيَتَطَهَّر طَقسِيّاً أمامَ مَحضَر الله لأنَّ هذا التَّطَهُّر يَرمُز للطَّهارة الرُّوحِيَّة. لكن هذا الكَهنوت لم يَكُن كامِلاً لأنْ ليسَ بإمكانِهِ نَزع الخَطايا، بَل إنَّ المَعنى الحَقيقي لهذا الكَهَنوت تَمَّ في المَسيح لأنَّ عَمَل رَئيس الكَهَنة هذا كانَ يُشير لِما قامَ بِهِ المَسيح على الصَّليب:
فَالْمَسِيحُ، رَئِيسُ كَهَنَتِنَا، لَمْ يَدْخُلْ إِلَى «قُدْسِ الأَقْدَاسِ» الأَرْضِيِّ، الَّذِي صَنَعَتْهُ يَدٌ بَشَرِيَّةٌ وَمَا هُوَ إِلاَّ ظِلٌّ لِلْحَقِيقَةِ، بَلْ دَخَلَ إِلَى السَّمَاءِ عَيْنِهَا، حَيْثُ يَقُومُ الآنَ بِتَمْثِيلِنَا فِي حَضْرَةِ اللهِ بِالذَّاتِ.
الرِّسالة إلى العِبرانِيِّين 24:9
يَقول الكِتاب المُقَدَّس أنَّ المَسيح هو رَئيس كَهَنَتنا، في حين أنَّ دَور رؤساء الكَهَنة في العَهد القَديم كانَ أن يَدخُلوا إلى مَحضَر الله نِيابَةً عن الشَّعب من وَقتٍ لِآخَر، لكِنَّهُم كانوا يَدخُلون هذا المَسكَن الأرضي المَعروف بِخَيمَة الإجتِماع سابِقاً أو الهَيكَل لاحِقاً. أمَّا المَسيح فقَد دَخَلَ إلى قُدس الأقداس السَّماوي حَيثُ حُضور الله مُباشَرَةً في السَّماء وليسَ قُدس الأقداس الأرضي الذي هو مُجَرَّد رَمز لِحُضور الرَّب، فالمَسيح هو رَئيس كَهَنَتنا الكامِل الذي يَقودنا بِاستِمرار إلى مَحضَر الله، وهو غَير مُضطَرّ لأن يُقَدِّم ذَبيحة عن نَفسِهِ أوَّلاً كَما كانَ يَفعَل رَئيس الكَهَنة الأرضي لأنَّ المَسيح كامِل بِلا خَطيئة، لذلك لم نَعُد بِحاجة إلى هَيكَل أورشَليم ولا لِخَيمَة الإجتِماع، ولا لِكَهَنوت خاص لِيَكونَ وَسيطاً بَينَنا وبينَ الله لأنَّ الوَسيط الآن هو يَسوع المَسيح وَحدهُ.
فالمَسيح هو رَئيس كَهَنَتنا الكامِل الذي يَقودنا باستِمرار إلى مَحضَر الله
يُشَبِّه كاتِب العِبرانِيِّين عَمَل يَسوع على الصَّليب بِعَمَل رَئيس الكَهَنة في يَوم الكَفَّارة حَيثُ قَدَّمَ المَسيح الأُضحِيَة الكُبرى:
فَإِلَى «قُدْسِ الأَقْدَاسِ» فِي هَذِهِ الْخَيْمَةِ، دَخَلَ الْمَسِيحُ مَرَّةً وَاحِدَةً، حَامِلاً دَمَ نَفْسِهِ، لاَ دَمَ تُيُوسٍ وَعُجُولٍ. وَذَلِكَ بَعْدَمَا سَفَكَ دَمَهُ عِوَضاً عَنَّا. فَحَقَّقَ فِدَاءً أَبَدِيّاً.
الرِّسالة إلى العِبرانِيِّين 12:9
كُل هذا يُظهِر لنا مَدى أهَمِّيَّة الإمتِياز الذي أعطانا إيَّاهُ الله في المَسيح يَسوع، لأنَّ الشَّعب القَديم لم يَستَطِع الدُّخول إلى الأقداس، الكَهَنة فقَط هُم الذينَ استَطاعوا الدُّخول وبِشُروط مُعَيَّنة، لكن بعدَ مَوت يَسوع انشَقَّ حِجابُ الهَيكَل مِمَّا يُشير بِطَريقة رَمزِيَّة إلى أنَّ الطَّريق إلى الله أصبَحَت لِجَميع المؤمِنين عبرَ المَسيح. يُعَلِّم العَهد الجَديد أنَّ يَسوع حاضِر في كُلِّ حين لِيَشفَع فينا في مَحضَر الله لِتَقديم التِماسات نِيابَةً عَنَّا ولِيُعلِن طلباتنا. هذا هو الدَّور الذي كانَ يسوع الإله الكامِل والإنسان الكامِل، هو المُؤَهَّل الوَحيد لِتَحقيقِه.
فلنا الأن، أيها الإخوة حق التقدم بثقة إلى “قدس الأقداس” (في السماء) بدم يسوع.
الرِّسالة إلى العِبرانِيِّين 19:10
- خَيمَة الإجتِماع: أوصى الرَّب الشَّعب أن يَبنوا خَيمَة الإجتِماع لِكَي تَكون مَركَز العِبادة الخاص بِهِم. وهي المَكان الذي يَرمُز لِحُضور الله وَسط الشَّعب. وقَد استُبدِلَت لاحِقاً بِالهَيكَل في أيَّام سُلَيمان المَلِك.
- قُدس الأقداس: الجُزء الدَّاخِلي من خَيمَة الإجتِماع التي تَتَكَوَّن من ثَلاثَة أماكِن وهي: الدَّار الخارِجِيَّة، الأقداس التي كانَ دُخولها حِكراً على الكَهَنة، وقُدس الأقداس التي كانَ يَدخُلها رَئيس الكَهَنة فقَط.
مقالات مُشابِهة
الأُضْحِيَة الحَقيقيَّة
نظرة على الوصايا العشرة
قصة قيامة المسيح