Paul writing Romans

تعرَّف في المقال التالي عن أهم ما يجب أن تعرفه قبل بدئك بقراءة رسالة بولس الرسول إلى كنيسة روما.

هدف المقدِّمة لأيّ سِفر من أسفار الكتاب المقدَّس هو التمهيد للمواضيع المطروحة في السِّفر وكيفيَّة ارتباطها بتعاليم الكاتب ككُل، ومعرفة زمن وهدف الكتابة، والتَّحقُّق من المصداقيَّة التاريخيَّة، والنَّوع الأدبي للسِّفر والأُسُس التفسيريَّة المتَّبَعة. كل هذه الأُمور مهمَّة جداً وأساسيَّة قبل البدء في تفسير أيّ نص كتابي. سوف تقتصر هذه المقدِّمة على بعض النّقاط الأساسيَّة المهمَّة التي ستفيدك قبل أن تبدأ في قراءة الرِّسالة.

الأمل

التسمية

سُمِّيت مدينة روما باسمها نسبةً إلى رومولوس وريموس المؤسِّسَين لها بحسب الأُسطورة. وكلمة روما قد تعني في اللَّاتينيَّة القديمة “القوَّة”، وقد كانت اسماً على مسمَّى لقُرونٍ من الزَّمن، فقد كانت روما عاصمة الإمبراطوريَّة الرُّومانيَّة واستمرَّت كعاصمة للإمبراطوريَّة الغربيَّة بعد تقسيم ديوقلديانوس لها مع نهاية القرن الثالث إلى حين سقوطها على يد الغوط سنة 476 بعد الميلاد، لتبدأ بعدها مرحلة جديدة لأوروبا سياسياً مع ظهور The Merovingian dynasty كسُلالة حاكمة بأهداف توسُّعيَّة داخل أوروبا مع استمرار روما بتطوير سُلطة دينيَّة وسَطوة سادت لحوالي ألف سنة في أوروبا خضع لها فيها أسياد ومُلوك.

الاضطهاد

اضطّهَد ديوقلديانوس الكنيسة بأحد أشرس وأعنف الاضطهادات التي تعرَّض لها المسيحيُّون عبر التاريخ، فهو حاول أن يُبيد المسيحيِّين، وقاد اضطِّهاد ممنهَج شمل كل أرجاء الإمبراطوريَّة وتخطَّى العقد من الزَّمن. انتهى هذا الاضطِّهاد مع موت ديوقلديانوس، وتحوَّلت المسيحيَّة إلى ديانة شرعيَّة مع الإمبراطور قسطنطين سنة 313 م. فيما يُعرَف بمرسوم ميلان لتُصبح بعدها في عصر ثيودوسيوس خليف قسطنطين غير المباشر الدِّيانة الرَّسمية للإمبراطوريَّة الرُّومانيَّة سنة 380 فيما يُعرَف بمرسوم تسالونيكي.

طرد اليهود من روما

هذه الكنيسة بعظمتها بدأت كأقلِّيَّة ضعيفة ومضطَّهَدة في مدينة روما التي كانت تضم حوالي مليون نسمة معظمها من الأُمم وبأقلِّيَّة يهوديَّة ربَّما وصل عددها إلى حوالي 50,000 نسمة. طُرِد اليهود من روما حوالي سنة 47 م. على يد كلاوديوس قيصر بعد خلاف بينهم حول شخص المسيح بحسب ما يذكُر المؤرِّخ الرُّوماني سيوتونيوس في كتاب “حياة كلاوديوس” الحدث الذي يُصادِق عليه سِفر أعمال الرُّسل، هذا يعني أنَّ المسيحيَّة بدأت بالانتشار في تلك الكنيسة قبل هذا العام لدرجة أنَّهم أحدثوا جدلاً في المدينة. كان ينظر الرُّومان من الأساس إلى اليهود بريبة في مدينة روما نظراً لبعض ممارساتهم كالامتناع عن العمل يوم السَّبت ونظامهم الغذائي واختلافهم بجوانب معيَّنة عن الثقافة السَّائدة في تلك المدينة، لذلك وجود جدَل آخر بين اليهود أيقظَ مساعي الرُّومان المكبوتة تجاههم فطرَدوهم. من هؤلاء اليهود الذين طُرِدوا من روما كان أكيلَّا وزوجته بريسكيلَّا المؤمنان بالمسيح اللَّذَين التقى بهما بولس في مدينة كورنثوس (أعمال الرُّسل 2:18).

بولس

كاتب الرسالة

في حين أنَّ بعض رسائل بولس يتم التَّشكيك بنَسبِها له كالرَّسائل الرّعوِية ورسالة أفَسُس، إلَّا أنَّ جميع العلماء يقبَلون نَسب هذه الرِّسالة لبولس. طبعاً نحن كمسيحيِّين لا نعوِّل على ما يقوله العلماء العلمانيُّون أو اللِّيبراليُّون، بل نؤمن بنَسب جميع الرَّسائل البولسيَّة الموجودة في العهد الجديد لبولس، وهذا مبدأ لا نقبَله بالإيمان فقط بل نستطيع دعمه عبر تقديم أدلَّة للدِّفاع عمَّا نؤمن به، وهذا ليس موضوعنا في هذا البحث. كان هدفي من الإشارة إلى أنَّ الجميع يوافق على نَسب هذه الرِّسالة لبولس، هو التَّشديد على أهميَّة دراسة هذه الرِّسالة عند العلماء غير المسيحيِّين أيضاً ومحاولتهم ربط ما وُجد فيها بالممارسات والمعتقَدات الأقدم المعروفة اليوم عن الكنيسة الأولى.

يُعرِّف بولس عن نفسه أنَّه الكاتب في بداية الرِّسالة، كما يذكُر في نهايتها مساعديه في الكتابة ومنهم تَرتِيوس (روما 22:16). إنَّ استخدام كُتَّاب مساعدين كان شائعاً تلك الأيَّام، كما أنَّ الأُسلوب الأدبي يوحي بأنَّ بولس كان يُملي الكتابة على شخص آخر، كطُول الجُمَل وأُسلوب صياغتها الذي يتناسب مع إملاء الكلام وليس كتابته بشكل مباشر.

تاريخ كتابة الرسالة

كُتبت الرِّسالة إلى روما مع نهاية خمسينيَّات القرن الأوَّل حين كان بولس في منزل غايُس في كورنثوس (روما 23:16، كورنثوس الأولى 14:1)، أثناء رحلته التبشيريَّة الثالثة (أعمال الرُّسل 1:18) وكان يجمع التبرُّعات لكي يذهب بها إلى أورشليم (روما 25:15-26)، الأمر الذي حصل سنة 59 للميلاد وهناك اقتيدَ بولس أسيراً إلى مدينة روما، ممَّا يجعل تاريخ الكتابة حوالي سنة 57 للميلاد. في هذه الفترة كان أكيلَّا وبريسكيلَّا قد عادا إلى روما (3:16) بما أنَّ كلاوديوس قيصر قد مات. ناهيكم عن أنَّ بولس لم يذكُر بطرس الذي ذهب إلى روما في بداية ستِّينيَّات القرن الأوَّل، ولو كان هناك حين كتب بولس الرِّسالة لكان من الغريب جداً ألَّا يذكُره، هذا الأمر يدعِّم التاريخ المقترَح للرِّسالة.

Timeline of Romans AR

رسالة خاصة أم عامة؟

شكَّك بعض العلماء ومنهم الألماني غوستاف أدولف ديسمان¹ بمركزيَّة رسائل بولس للَّاهوت المسيحي معتبراً إيَّاها من النَّوع الخاص الموجَّه لأشخاص معيَّنين ولا تنطبق على أيّ مجتمع مسيحي آخر، وقال إنَّ الرَّسائل العامَّة كانت تُكتب بأساليب معيَّنة موجَّهة لجمهور واسع وليس لجهة واحدة محدَّدة وتكون عادةً مخصَّصة للأجيال القادمة أيضاً. وُجِدَت رسائل من تلك الأيَّام كُتبت لمعالجة مواقف ومشاكل محدَّدة وخاصَّة، ولم يكن المقصود منها أبداً أن تكون مؤلَّفات أدبيَّة عامَّة. بالنِّسبة لديسمان كانت الرِّسالة العامَّة بحسب تعبيره عملاّ أدبيّاً فنيّاً، يقدِّم بشكل عام درساً أخلاقيّاً لعامَّة الجمهور، وكانت رسائل مخصَّصة للنَّشر على نطاق واسع كما رسالة سينيكا “Epistulae Morales”على سبيل المثال. يقارن ديسمان بين تلك المؤلَّفات وبين رسائل العهد الجديد ويستنتج أنَّ معظم رسائل العهد الجديد هي رسائل خاصَّة. فمعظم رسائل بولس الثلاثة عشر إلى جانب رسالة يوحنَّا الثانية والثالثة يجب تصنيفها على أنَّها رسائل خاصَّة، في حين أنَّ الرِّسالة إلى العبرانيِّين ورسالتَي بطرس، ويعقوب، ويوحنَّا الأولى، ويهوذا يمكن تصنيفها على أنَّها رسائل عامَّة. ولهذا النَّمط من التَّحليل نتائج تفسيريَّة على نصوص العهد الجديد إذ تُقلِّل من أهميَّة رسائل بولس ورسائل أُخرى على الحياة المسيحيَّة. تصبح إذاً رسائل بولس كأنَّها وثائق عرَضيَّة موجَّهة إلى مواقف معيَّنة في فترة زمنيَّة محدَّدة، فهي إذاً لا يجب أن تستمر في حياة الكنيسة عبر العصور كما هي الحال الآن.

الإجابة على هذا الاعتراض

هذا الطَّرح فيه ثلاث مشاكل رئيسيّة وهي:

• أوّلاً: صحيح أنَّ رسائل بولس فيها العديد من الأساليب المتَّبَعة في كتابة الرَّسائل تلك الأيَّام، إلَّا أنَّ بولس قال إنَّه لم يكن يتَّبع الأُسلوب اليوناني البلاغي كما ينبغي أو كما كان متعارفاً عليه تلك الأيَّام لأنَّ هدفه ليس حكمة العالَم بل توصيل رسالة الرُّوح القدُس بما اعتبره النَّاس جهالة الكِرازة، هذا لا يعني أنَّ أُسلوبه كان ركيكاً أو ضعيفاً بل لم يكن يُحسب أنَّ التزامه بمعايير أدبيَّة معيَّنة يقوِّي من رسالة الإنجيل أو يضعفها، لذلك لا نستطيع أن نُغالي بالمقارنة بين كتاباته وبين الرَّسائل من الأدب اليوناني والرُّوماني، وكان بولس يرُدّ على من انتقده لهذا السَّبب بالذَّات بمواضع كثيرة أذكُر منها:

“فَإِنَّ الْمَسِيحَ قَدْ أَرْسَلَنِي لاَ لأُعَمِّدَ، بَلْ لأُبَشِّرَ بِالإِنْجِيلِ، غَيْرَ مُعْتَمِدٍ عَلَى حِكْمَةِ الْكَلاَمِ، لِئَلاَّ يَصِيرَ صَلِيبُ الْمَسِيحِ كَأَنَّهُ بِلاَ نَفْعٍ.” (كورنثوس الأولى 17:1)

“وَأَنَا، أَيُّهَا الإِخْوَةُ، لَمَّا جِئْتُ إِلَيْكُمْ لأُعْلِنَ لَكُمْ شَهَادَةَ اللهِ، مَا جِئْتُ بِالْكَلاَمِ الْبَلِيغِ أَوِ الْحِكْمَةِ.” (كورنثوس الأولى 1:2)

“وَلَمْ يَقُمْ كَلاَمِي وَتَبْشِيرِي عَلَى الإِقْنَاعِ بِكَلاَمِ الْحِكْمَةِ، بَلْ عَلَى مَا يُعْلِنُهُ الرُّوحُ وَالْقُدْرَةُ. وَذلِكَ لِكَيْ يَتَأَسَّسَ إِيمَانُكُمْ، لاَ عَلَى حِكْمَةِ النَّاسِ، بَلْ عَلَى قُدْرَةِ اللهِ.” (كورنثوس الأولى 4:2-5)

• ثانياً: إنَّ رسائل بولس وبالرَّغم من أنَّها كُتِبت لجمهور محدَّد إلَّا أنَّها لم تكن مجرَّد رسائل فرديَّة خاصَّة يجب على المتلقِّي أن يحتفظ بها لنفسه، بل لقد كتبها بولس كرسول ليسوع المسيح، وتوقَّع أن يقرأها المجتمع المسيحي ويُطيعها (كورنثوس الأولى 37:14، تسالونيكي الأولى 27:5، تسالونيكي الثانية 14:3). مثلاً على الرَّغم من أنَّ رسالة كولوسّي تناولت مواقف محدَّدة، إلَّا أنَّ بولس قال إنَّها ستكون مفيدة لأهل لاوُدكيَّة (كولوسّي 16:4). من الواضح أنَّ بولس كان يعتقد أنَّ تعليماته المحدَّدة والعرَضية لأهل كولوسّي لها أهميَّة أوسع، بحيث كانت كلماته ذات صلة ليس فقط بأهل كولوسّي، بل أيضاً باللَّاوُدكيِّين.²

• ثالثاً: قال بولس بوضوح أنَّ كلماته كانت كلمة الله ذاتها (غلاطية 8:1). ولم يعتبر رسائله مجرَّد نصيحة بشريَّة. وقد كان للرَّسائل موثوقيَّتها باكراً جداً في تاريخ الكنيسة وقد تمَّ حفظها لهذا السَّبب. والرَّسائل المكتوبة إلى مجتمعات معيَّنة يمكن أن تنطبق على الكنائس الأُخرى أيضاً.³


كتبها بولس كرسول ليسوع المسيح، وتوقَّع أن يقرأها المجتمع المسيحي ويُطيعها


من أسس الكنيسة في روما؟

يقول البعض أنَّ بطرس هو من أسَّس الكنيسة في روما، لكن هذا الادِّعاء لا يتوافق مع الأدلَّة وهو تقليد متأخِّر يعود لنهاية القرن الثاني، ففي حوالي عام 180 م. قال إيرانيوس أنَّ بطرس وبولس أسَّسا معاً الكنيسة الرُّومانيَّة (ضد الهرطقات 3.1.2)، بينما يُسمِّي تقليد لاحق أنَّ بطرس هو مؤسِّس الكنيسة وأوَّل أُسقُف فيها، ولكن لا يمكن قبول أيّ من التَّقليدَين. يوضح بولس في الرِّسالة نفسها أنَّه كان غريباً عن الكنيسة في روما، وليس من المحتمَل أيضاً أن يكون بطرس قد ذهب إلى روما في وقت مبكِّر بما يكفي ليؤسِّس كنيسة هناك إذا ما لاحظنا ما ذُكِر عن خدمته في سِفر أعمال الرُّسل. وبما أنَّه لم يكن هناك أيّ رسول آخر مرتبط بتأسيس الكنيسة في روما، فقد نتَّفق مع ما قاله “أمبروسياستر” في القرن الرَّابع بأنَّ المسيحيِّين الذين أمِنوا من الرُّومان أنفسهم هم من أسَّسوا الكنيسة في روما، وكان أغلبهم من اليهود الذي آمنوا بالمسيح في يوم الخمسين (أعمال الرُّسل 10:2) الذي هو أوَّل من ساهم في نشر الإنجيل إلى روما.

لكن بإمكاننا أن نكون أكثر تفاؤلاً حول التَّقليد الذي يقول إنَّ بطرس ذهب في آخر أيَّامه إلى روما وصُلب هناك على يد الإمبراطور نيرون الذي اضطّهَد الكنيسة في روما بشراسة، كَونه تقليداً يعود إلى بداية القرن الثاني وربَّما نهاية القرن الأوَّل. ومن الممكن أن يكون بطرس قد لمَّح لوجوده في روما في رسالته الثانية. يقول جوش ماكدويل بعد معالجته لكل الأدلَّة التاريخيَّة حول هذا الأمر في كتابه مصير الرُّسل: “التَّقليد المسيحي المبكِّر يقول بالإجماع أنَّ بطرس في نهاية حياته كان في روما… عند أخذ كل الأدلَّة في عين الاعتبار، فإنَّ وجهة النَّظر التَّقليديَّة القائلة بأنَّ بطرس قد صُلب في عهد نيرون تقف على أساس تاريخي متين.”

painting of saint paul

قبول رسالة روما من الكنيسة

لاقت الرِّسالة إلى روما قبولاً واسعاً مبكِّراً جداً دون جدالٍ يُذكَر حول قانونيَّتها، واقتُبِس منها بإسهابٍ منذ بداية تاريخ الكنيسة. واحدة من أقدم الرَّسائل الموجودة اليوم خارج العهد الجديد هي رسالة من أحد أساقفة روما مع نهاية القرن الأوَّل واسمه إكلِمندُس الرُّوماني، في رسالته الأولى إلى كنيسة كورنثوس يقتبِس من رسالة بولس إلى روما في ثلاثة مواضع على الأقل (6:10، 2:33-32، 5:35-6) وأُسلوب الاقتباس يتوافق مع طريقته في الاقتباس من العهد الجديد (أي دون ذِكر المرجع المباشر) وهذا متوقَّع في تلك الأيَّام كَون الكتب لم تكن سهلة الاستخدام ومن دون أرقام للإصحاحات والآيات، لكنَّنا نجد لغة إكلِمندُس وأُسلوبه في الحديث عن المواضيع التي سبق وتحدَّث عنها بولس كدَور الإيمان في الخلاص وعمله في حياة المؤمن، مُشابهاً جداً لأُسلوب بولس ممَّا يُظهر دراية واسعة لإكلِمندُس بالرِّسالة إلى روما.

نفس الأمر يطبَّق على الرِّسالة الثانية المنسوبة لإكلِمندُس (يشكِّك معظم العلماء نَسبها إلى نفس إكلِمندُس) إذ نجد فيها تعاليم تنمّ عن إلمام في الرِّسالة إلى روما حيث اقتبَس منها (2:8) ولمَّح إليها الكاتب في أكثر من موضع. إغناطيوس أُسقُف أنطاكية الذي استشهد في روما كَتب سبع رسائل تعود لبداية القرن الثاني وفيها يقتبس من رسالة بولس أيضاً في مواضع عديدة (مثلاً في رسالته إلى أفَسُس 2:8)، وفي رسالة بوليكاربوس أُسقُف سْميرنا إلى أهل فيلبُّس في بداية القرن الثاني يقتبس من الرِّسالة إلى روما في موضِعين (2:6، 1:10). ترِد الرِّسالة إلى روما في القانون الموريتاني (حوالي 150م). أقدم تفسير لرسالة روما هو من أوريجانُس بداية القرن الثالث ويعلِّم منها بوليكاربوس وترتليانوس وإكلِمندُس الإسكندري بشكل كبير.


لاقت الرِّسالة إلى روما قبولاً واسعاً مبكِّراً جداً دون جدالٍ يُذكَر حول قانونيَّتها


الخلفية التاريخية للرسالة

الخلفيَّة التاريخيَّة للرِّسالة تعني ما كان يحصل في كنيسة روما تلك الأيَّام. وهذا يعطينا مفتاحاً لفهم الموضوعات الرَّئيسيَّة في الرِّسالة، على سبيل المثال لا الحصر، الكنيسة في روما تكوَّنت من مؤمنين يهود ورومان لذلك واحدة من الموضوعات التي عالجها بولس في هذه الرِّسالة هي وحدة اليهود والأُمَم في المسيح وعدم تفاخُر الواحد على الآخر، هكذا تساعدنا الخلفيَّة التاريخيَّة على معرفة ما كان يحصل ولماذا.

يبدأ بولس رسالته بتحيَّة تتضمَّن سلاماً يوجَّه لقرَّائه وتعريفاً عن نفسه. كان من عادة كُتَّاب الرَّسائل تلك الأيَّام أن يحدِّدوا هويَّتهم والسُّلطة التي على أساسها يجب أن تؤخذ كلماتهم بعين الاعتبار، ويُسمَّى ذلك عند اليونانيِّين بِاسم Ethos، يعرِّف بولس عن نفسه بأنَّه عبد، لا يقول إنَّه سيِّد أو معلِّم بل عبد. كانت مكانة العبد تلك الأيَّام تختلف بحسب اختلاف مكانة سيِّده الاجتماعيَّة، فعبيد أعضاء مجلس شيوخ روما كانوا أصحاب سَطوة أمَّا عبد الإمبراطور فكان أفضل حال وله صلاحيَّات كبيرة، لكن بولس هو عبد أعظم سيِّد فهو عبد للمسيح ومُرسَل منه لكي يبشِّر ويعلِّم، وهذا أعظم Ethosيمكن لأيّ إنسان أن يعرِّف به عن نفسه، وهو أعظم امتياز يستطيع أحد أن يحصل عليه. ثمَّ ينتقل لشرح معنى الإنجيل عبر إعطائه مُلخَّصاً لرسالة الإنجيل:

“فَأَنَا لاَ أَسْتَحِي بِالإِنْجِيلِ، لأَنَّهُ قُدْرَةُ اللهِ لِلْخَلاَصِ، لِكُلِّ مَنْ يُؤْمِنُ، لِلْيَهُودِيِّ أَوَّلاً ثُمَّ لِلْيُونَانِيِّ. فَفِيهِ قَدْ أُعْلِنَ الْبِرُّ الَّذِي يَمْنَحُهُ اللهُ عَلَى أَسَاسِ الإِيمَانِ وَالَّذِي يُؤَدِّي إِلَى الإِيمَانِ، عَلَى حَدِّ مَا قَدْ كُتِبَ: «أَمَّا مَنْ تَبَرَّرَ بِالإِيمَانِ، فَبِالإِيمَانِ يَحْيَا».” (رسالة بولس إلى أهل روما 16:1-17)

كان لهذه الكلمات وقع مغيِّر على مارتن لوثر إذ تغيَّرت توجُّهاته اللَّاهوتيَّة عبر فهمه لمضمون رسالة الإنجيل في هذه الرِّسالة المخالِف للتَّعليم السَّائد في كنيسة روما الكاثوليكيَّة في أيَّامه والمتأثِّر بدرجة كبيرة بحركات النَّسكيَّة والتَّقَوِيَّة التي تطوَّرت على مدى مئات السِّنين والمبنيَّة على قمع الجسد، بالإضافة إلى لمسات جيروم صاحب التَّرجمة اللَّاتينيَّة السَّائدة تلك الأيَّام والتي كانت على سبيل المثال لا الحصر تُترجِم الكلمة اليونانيَّة للتَّوبة بالكلمة التي تعني “كفِّر عن ذنوبك” في حين أنَّ الكلمة اليونانيَّة تعني تغييراً في الفكر والتي أحدثت فعلاً تغييراً بفكر لوثر بعدما عرف معناها الحقيقي، ترجمة جيروم تتوافق مع النِّظام الخلاصي لكنيسة روما الكاثوليكيَّة أمَّا المعنى اليوناني يتوافق مع مضمون رسالة الإنجيل بحسب ما أعلنها بولس الرَّسول.

المواضيع الرئيسية في الرسالة

أهم المواضيع اللَّاهوتيَّة المطروحة في هذه الرِّسالة هي الحاجة إلى المسيح، فبعد أن يتحدَّث بولس عن خطايا اليهود ومن ثمَّ الأُمَم، يقول إنَّ جميع النَّاس تحت الخطيَّة ويعلن عن ضرورة كفَّارة المسيح وكيفيَّة التَّبرير ومن ثمَّ يجيب على بعض الاعتراضات التي قد تترتَّب عن هذه العقيدة ومنها أُمور مختصَّة بالتَّقديس. يتحدَّث بعدها بولس عن مواضيع لاهوتيَّة مهمَّة كالاختيار والعدالة الإلهيَّة وعلاقة إسرائيل الأرضيَّة بالوعود الكتابيَّة، ومن ثمَّ يعطي تطبيقات عمليَّة عامَّة ويعلِّم المؤمن كيف يجب أن يعيش في ظلّ هذه الحقائق اللَّاهوتيَّة سواء مع الله أو مع إخوته المؤمنين ومع غير المؤمنين، وعلاقة المؤمن مع الحكومات البشريَّة.

Summary graphic for Book of Romans AR

  1. Interpreting the Pauline Epistles. Thomas R. Schreiner.
  2. Ibid
  3. Ibid
  4. ضد الهرطقات 3.1.2، إيرانيوس
  5. Ambrosiaster’s Commentary on the Pauline Epistles: Romans. Writings from the Greco-Roman World. Ambrosiaster.
  6. The Fate of the Apostles. Sean McDowell.
  7. The Apostolic Fathers in English. Michael W. Holmes.
  8. Ibid


مقالات مُشابِهة

أعمال الله المعلنة، صلاة للقديس إكليمندس الروماني
كيف نعيش الحياة المسيحية في ظل الحكومات الأرضية؟
نسألك يا سيدي، صلاة لإكليمندس الروماني


تبغى تتواصل مع مسيحي؟ تواصل معنا بكل امان الحين.