كتاب مقدس مع ألوان

في هذا المقال ستجد شرحاً بسيطاً ونبذة مختصرة عن ماهيَّة الأناجيل، ممَّا سيفيدك قبل بداية قراءتك للأناجيل.

أسَّسَ المسيح عهداً جديداً كتميمٍ منه لوَعد الله الذي قال فيه أنَّه سيأتي اليوم الذي سيصنع فيه عهداً جديداً مع شعبه (إرميا 31:31) أفضل من العهد السَّابق، لتصبح كل تعاملات الله مع شعبه قبل المسيح “عهداً قديماً” (العبرانيِّين 13:8) لأنَّ هذا الأخير تمَّمَ غايته عبر التَّمهيد لرسالة المسيح. وقد أُطلِقَت تسمية “العهد الجديد” من المسيحيِّين الأوائل على كل الأسفار التي كُتِبت بعد مجيء المسيح، سواء من الذين كَتبوا باللَّاتينيَّة كتِرتِليانوس، واليونانيَّة كإكليمندُس الإسكندري.¹

تضم أسفار العهد الجديد أربعة أناجيل نتعرَّف فيها على شخص المسيح ابتداءً من ولادته، مروراً بتفاصيل مختلفة عن خدمته كمُعجزاته، أقواله، صلبه، وقيامته. تُصنَّف الأناجيل على أنَّها سِيرة حياتيَّة تنتمي إلى أدب السِّيَر الذي تميَّزت به الحضارة اليونانيَّة-الرُّومانيَّة وتُعرَف بِاسم Lives، نعرف ذلك عبر مقارنتها بالنُّصوص التَّاريخيَّة المتوفِّرة لدينا من تلك الحقبة، حيث باتت الأكثرية السَّاحقة من عُلماء العهد الجديد تُوافق على ذلك، كما يقول كريغ كينر وهو أحد هؤلاء العُلماء: “ليس من المفاجئ أنَّ معظم عُلماء الأناجيل اليوم يتبنَّون وجهة النَّظر القائلة بأنَّ الأناجيل هي سيرة حياتيَّة قديمة.”² ففي نهاية المطاف، الأناجيل هي عبارة عن أعمال تروي نشاط شخصيَّة تاريخيَّة واحدة، وهو ما كان بحُكم التَّعريف بمثابة سيرة حياتيَّة. لكن وبما أنَّ أحداً لم يكتب قبل خدمة يسوع قصصاً عنه، أو ربَّما عن أيّ شخص يُشبِهه، فإنَّ الأناجيل فريدة من نوعها إلى حدٍّ ما. فهذا الاختلاف ينبع من تميُّز الشَّخصيَّة الرَّئيسيَّة للأناجيل، لأنَّها سيرة حياة شخصيَّة مميَّزة.

Good News in Arabic

قبول الأناجيل من الكنيسة

نجد مبكِّراً جدّاً في الكنيسة وابتداءً من القرن الأوَّل أنَّ كل الذين كَتبوا من المسيحيِّين استخدَموا هذه الأناجيل بإسهاب وأعطوها سُلطة خاصَّة ومميَّزة، ممَّا جعلها مقبولة بشكل واسع من الكنيسة في وقت مبكِّر وفي كل أماكن انتشارها. كانت هذه المجموعة الرُّباعيَّة من الأناجيل تُعرَف في الأصل بِاسم “الإنجيل” بصيغة المُفرَد، وليس بِاسم “الأناجيل” بصيغة الجمع، أي كانت تُعتبَر إنجيلاً واحداً يُروى في أربعة نصوص، تُميَّز فيما بينها بأنَّها “الإنجيل بحسب متَّى أو مَرقُس أو لوقا أو يوحنَّا”.

في حوالي عام 115 م، أشارَ إغناطيوس أُسقُف أنطاكية إلى “الإنجيل” باعتباره كتاباً واحداً، وبما أنَّه كان يَعرف الأناجيل الأربعة، فهذا يعني أنَّه يقصد بـ “الإنجيل” المُفرَد (عبارة تَجمع الأربعة أناجيل)، وقد تَبِعَهُ في ذلك آخرون أيضاً.³ كما نعرف من المخطوطات أنَّ المسيحيِّين هم أوَّل من بدأ بتجميع المخطوطات المختلفة للأناجيل الأربعة مع بعضها، وهي التي كانت عبارة عن لفائف تُخَيَّط مع بعضها على شِبه الكُتب الذي نعرفها اليوم والتي كانت تسمَّى Codex. هذا يوضح أنَّه وفي وقت مبكِّر جدّاً كانت الأناجيل الأربعة مُتَّحدة في مجموعة واحدة، ولا بُدّ أنَّ المسيحيِّين قد جمعوها معاً بعد وقت قصير جدّاً من كتابة آخر إنجيل منها.

يؤكِّد على ذلك العالِم مايكل كروغر إذ يقول: “إنَّ الطَّريقة التي تَربط بها المخطوطات المسيحيَّة المبكِّرة الأناجيل الأربعة القانونيَّة تؤكِّد قانونيَّتها، بالإضافة إلى أنَّنا لا نملك أيّ مثال تمَّ فيه ربط الأناجيل الملفَّقة (التي تسمَّى أبّوكريفيَّة، وهي كتابات متأخِّرة يعود أقدَمها للقرن الثَّاني) بالأناجيل القانونيَّة في مخطوطة واحدة. ومن الواضح أنَّ المسيحيِّين اعتادوا ربط بعض الأناجيل الأربعة معاً في مخطوطة واحدة.”

هذه الأناجيل هي جزء ممَّا يُعرَف اليوم بقانون العهد الجديد، ونقول عنها “الكُتب القانونيَّة”. نقصد بهذه التَّسمية “النُّصوص المُعتمَدة من الكنيسة المسيحيَّة”، وقد اعتُمِدَت هذه النُّصوص ليس وفق خيار مُحدَّد من بين مجموعة، بل قُبِلَت كما تَسلَّمَتها الكنيسة من الرُّسل، وبكلمات أحد المُختصِّين “الكُتب لا تصبح قانونيَّة، إنَّها (بحدّ ذاتها) قانونيَّة لأنَّها الكُتب التي أعطاها الله كدليل دائم لكنيسته. ومن هذا المنظور، فإنَّ مُجرَّد وجود الأسفار القانونيَّة هو من يحدِّد قانونيَّتها.”

نص الإنجيل: التاريخ، الكُتّاب، الترتيب

كُتِبت الأناجيل بعد فترة قصيرة جدّاً من الأحداث التي تذكُرها إذا ما قارَنَّاها بنصوص تاريخيَّة أُخرى تعود إلى تلك الأيَّام، وكما يقول مايكل كروغر: “إحدى الحقائق الواضحة التي لا ينبغي إغفالها هي أنَّ المسيحيِّين الأوائل كَتبوا الأناجيل في وقت مبكِّر جدّاً. حتَّى النُقَّاد من العُلماء اليوم يُرجِعون الغالبيَّة العظمى من أسفار العهد الجديد السَّبعة والعشرين إلى القرن الأوَّل، ومعظمها كُتِبت بين خمسينيَّات وتسعينيَّات القرن الأوَّل.” وهذا يشمل الأناجيل بشكل رئيسي.

التَّرتيب الحالي للأناجيل في الكُتب التي بين أيدينا تبدأ بمتَّى، مَرقُس، لوقا، ويوحنَّا. وذلك لأنَّ هذا هو التَّرتيب التَّقليدي لتاريخ كتابة الأناجيل عند المسيحيِّين، فالشَّهادة الأقدَم من الآباء هي أنَّ متَّى كُتِب أوَّلاً، لكن اليوم الغالبيَّة من العُلماء يقولون إنَّ مَرقُس كُتِب أوَّلاً لسبب رئيسي وهو أنَّه الأقصر فيما بينها، وهذا الرَّأي لديه أدلَّة أُخرى أيضاً. لكن هناك رأياً آخر من مختصِّين أيضاً يقول إنَّ مَرقُس كَتبَ بعد متَّى ولوقا إنجيلاً هدفه أن يكون مُلَخَّصاً عن الرِّسالة الكرازيَّة المسيحيَّة Kerygma بهدف أن يُقرأ شفهيّاً على مسامع الكنيسة كما جرَت العادة تلك الأيَّام. لن نعالج الآن موضوع من كَتبَ أوَّلاً، لكن الأدلَّة تقول إنَّ الأناجيل الأربعة كُتِبت مبكِّراً ومبكِّراً جدّاً، وهي النُّصوص التي يَرجع إليها أيّ باحث ليعرف عن شخص المسيح.

بإمكاننا أن نعرف من كَتبَ الأناجيل وفق شهادة المسيحيِّين الأوائل، إضافةً إلى أدلَّة أُخرى أبرزها تَوافُق شهادة الكنيسة الأولى مع محتوى الأناجيل، كما أنَّ المخطوطات القديمة المتوفِّرة لدينا تشهد عن ذلك أيضاً. نقصد بشهادة المسيحيِّين الأوائل أنَّ أقرب كتابات موجودة عن الأناجيل تُجمِع على أنَّها تُنسَب إلى كُتَّابها الحقيقيِّين، دون أن نجد جدَلاً حول هذا الأمر في أوساط الإيمان المسيحي القويم.

church in arabic

مفهوم الوحي في المسيحية

يحاول البعض تطبيق مفهوم غريب عن الوَحي على المسيحيَّة، إذ يظنُّون أنَّ هناك كِتاباً أُنزِلَ على المسيح بنَصٍّ مكتوب من الله أو أحد الملائكة، وهذا غير صحيح ولا نجد له أثراً في تاريخ الكنيسة. الوَحي في المسيحيَّة (نتحدَّث هنا بشكل حصري عن الأناجيل) هو أنَّ الله استخدمَ كُتَّاباً بشَريِّين وفق قدراتهم الأدبيَّة والفكريَّة ليُدوِّنوا لنا ما رَأوه وسَمعوه من أفعال المسيح وأقواله. صحيحٌ أنَّ هذه النُّصوص كُتِبت من بشَر وبأُسلوبهم ووفق مصادر المعلومات التي توفَّرت لديهم آنذاك، لكن هذه النُّصوص دُوِّنَت بوَحيٍ من الله، بإرشاد وإلهام الرُّوح القدُس الذي كان يُذكِّرهم بما علَّمهُ المسيح ويَعصِمهُم في تبليغ الرِّسالة الإلهيَّة، لأنَّ الذي يُدوَّن هو الحقّ الإلهي.

لذلك لا مشكلة لدينا مع عِلم التَّحقُّق من النُّصوص الذي هو مقارنة المخطوطات القديمة التي كانت تُنسَخ يدويّاً فيما بينها، أي مقارنة المخطوطة التي تحتوي على أخطاء نَسخ بالمخطوطات الأُخرى لنصِل إلى القراءة الصَّحيحة، وهذا أمر ليس جديداً على المسيحيِّين بل يعود إلى عُلماء القرن الثَّاني منهم، لذلك إن قال لك أحد بأنَّ هناك آية في أحد النُّصوص موجودة في ترجمة دون الأُخرى أو شيء من هذا القبيل، فتأكَّد أنَّه غير مُدرِك لكيفيَّة حصولنا على العهد الجديد، ويُطَبِّق مفهومه هو عن الوَحي على الكتاب المقدَّس. نستطيع القول إنَّ العهد الجديد هو أكثر كِتاب مُوَثَّق تاريخيّاً، فخُطوط نَقل المخطوطات لدينا متعدِّدة أي أنَّها نُسِخَت بمعزل عن بعضها البعض وفي بُقَع جغرافيَّة مختلفة، ممَّا يمنع إمكانيَّة التَّحريف المُمنهَج للمخطوطات كلّها.

يكفي أن نقول اليوم أنَّ لدينا أكثر من 5000 مخطوطة قديمة باللُّغة اليونانيَّة وأكثر من 27000 بترجمات مختلفة، في حين أنَّنا نرى نصوصاً تاريخيَّة أُخرى لا يُشكِّك أحد في صِحَّتها ويكاد لا يتخطَّى رصيدها العشر مخطوطات وتاريخها بعيد جدّاً عن زمن كتابتها بعكس الأناجيل، لكن الغريب في الأمر أنَّ أحداً لا يُشكِّك بصِحَّة المعلومات المكتوبة فيها، فلو كان العهد الجديد كتاب تاريخ عِلماني لما توجَّه أحد له بالنَّقد، بل كان سيُنظَر إليه نظرة غير مسبوقة وذلك نظَراً لمدى موثوقيَّته بالمقارنة مع النُّصوص الأُخرى.


نُسِخَت بمعزل عن بعضها البعض وفي بُقَع جغرافيَّة مختلفة، ممَّا يمنع إمكانيَّة التَّحريف المُمنهَج للمخطوطات كلّها


محتوى الأناجيل

الأناجيل تُكمِل قصَّة بدأت مع آدم والخَلق، فاليهود أيَّام المسيح كانوا ينظرون إلى قصَّة أسفار العهد القديم على أنَّها غير مُكتمِلة، أي لم يَنظُروا إلى نُصوصِهم على أنَّها شيء قد انتهى بل كَشيءٍ ينتَظِر أن يَكتمِل. والكُتب المقدَّسة في العهد القديم كانت تُقرأ في فترة الهيكل الثَّاني كقصَّة تبحث عن نهاية.

لذلك كان الأمر بالنِّسبة للمسيحيِّين الأوائل، أنَّ تاريخ إسرائيل وصلَ إلى ذُروَته مع مجيء المسيح وتُشير الأناجيل أنَّ هذا كان إعلان يسوع عن مهمَّته، فهو صرَّح بأنَّ وعود العهد القديم اكتملَت في مجيئه (لوقا 16:4-30، قارِن مع إشَعياء 1:61-2). نجد هذا في الرَّسائل أيضاً فقد أشار بولُس إلى أنَّه في المسيح أتت “أَوَاخِرُ الأَزْمِنَةِ.” (كورنثوس الأولى 11:10)، وقد أشارَ كاتب الرِّسالة إلى العبرانيِّين في أوَّل جملة من الرِّسالة “أَمَّا الآنَ، فِي هَذَا الزَّمَنِ الأَخِيرِ، فَقَدْ كَلَّمَنَا بِالابْنِ”. علاوةً على ذلك، غالباً ما يوصَف يسوع بأنَّه موسى الثَّاني الذي يُحدِث “خُروجاً” جديداً، فهو يُلَخِّص الخُروج الأصلي (متَّى 14:2-15، هوشَع 1:11)، كما يبدأ خدمته في الصَّحراء (مَرقُس 1:1-2، إشَعياء 3:40)، ويقدِّم نفسه كمُشرِّع جديد على قمَّة الجبل (متَّى 1:5)، وهو نبيٌّ عظيم مثل موسى (لوقا 19:24، أعمال الرُّسل 22:3-23)، يُقدِّم المَّنّ الحقيقي الذي نزلَ من السَّماء (يوحنَّا 32:6)، لكنَّه بكل تأكيد يتفوَّق على موسى كما هو واضح من الحادثة على جبل التَّجلِّي (لوقا 31:9).

الأناجيل سوف تثير اهتمام كل من يقرأها ولو مهما كانت الغاية من هذه القراءة، لأنَّها تخبرنا عن رسالة المسيح المُكَمِّلة والمُتَمِّمة لكل ما سبق، ففي المسيح ظهرت التَّعامُلات الأسمى لله مع شعبه وأُعلِنَ لنا عن الفداء العظيم، وفي المسيح يصير المؤمن خليقة جديدة كي ينمو على صورة المسيح وشَبَهه. ثمَّ يلي الأناجيل في العهد الجديد، سِفرا تاريخيّاً يسمَّى أعمال الرُّسل ويخبرنا عن تاريخ الكنيسة الأولى، ليُشكِّل صلة ربط بين الأناجيل ورسائل الرُّسل التي هي رسائل مختلفة من أتباع المسيح الأوائل الذين يتحدَّث عنهم سِفر أعمال الرُّسل، وينتهي العهد الجديد مع سِفر نبَوي يحضّ المؤمنين فيه على انتظار المجيء الثَّاني للمسيح.

وإليكم لمحة عامَّة عن كلٍّ من الأناجيل الأربعة:

إنجيل متّى

“لا أحد يُنكِر أنَّ متَّى كان مؤلِّفاً أدبيّاً ماهراً.”

متَّى هو أحد التَّلاميذ الاِثنَي عشر الذين دعاهم يسوع. هذه الدَّعوة لمتَّى أتت حين كان يجلس في مكان الجِباية يُحصِّل الضَّرائب من الشَّعب. هذه الوظيفة كانت مكروهة من النَّاس لأنَّهم كانوا يعتبرون من يمارسها خائناً لشعبه لأنَّه يتواطأ مع الحكومة الرُّومانيَّة الغازِية بهدف تحصيل الضَّرائب من أبناء جِنسه، كما شاعَ عن هؤلاء الجُباة الذين يُعرَفون أيضاً بِاسم “العشَّارين” عدم الأمانة في مهنتهم وذلك لتحصيلهم أموالاً غير مشروعة. لكنَّ المسيح أتى ودعا خُطاةً للتَّوبة وجمَّعَ حوله أُناساً من مختلف طبقات المجتمع وفِئاته بتوجِّهاتهم الفكريَّة والسِّياسيَّة المختلفة، وهذا ما لا يحصل في الوضع الطَّبيعي لكنَّنا نراه اليوم في كنيسة المسيح حيث تجد أُناساً تفرِّقهم الكثير من الأُمور لكن يَجمَعهم الإيمان المشترَك ليكونوا جسداً واحداً رأسه المسيح.

كُتِبَ إنجيل متَّى في خمسينيَّات القرن الأوَّل، ويبدأ متَّى إنجيله بسلسلة نسَب المسيح، يقسِّمها إلى 14 جيلاً من إبراهيم لداود و14 جيلاً من داود للسَّبي البابِلي و14 جيلاً من السَّبي البابِلي للمسيح. يقسِّمها متَّى بهذه الطَّريقة عن قصد، فهو يُظهِر إلماماً بالتَّاريخ اليهودي والكتاب المقدَّس، وقد كان أمراً عاديّاً في تلك الأيَّام أن يُستخدَم أُسلوب تسليط الضَّوء في سلسلة الأنساب حيث يتمّ توصيل رسالة أو فكرة معيَّنة عبر حذف أسماء منها لكي يوصل الكاتب رسالة معيَّنة للقُرَّاء. كما أنَّ هناك دلالة خاصَّة للرَّقم 14 فهو رقم اِسم “داود” في عِلم حساب الأسماء الذي كان سائداً (ما يُشبِه الفَراسة في اللُّغة العربيَّة) ليشير متَّى بذلك إلى الفكرة التي يركِّز عليها في إنجيله وهي أنَّ المسيح هو اِبن داود المَلِك، وأنَّه هو المَلِك الموعود المُنتظَر لبني إسرائيل وللعالَم أجمَع.

إنجيل متَّى هو أكثر إنجيل يستشهد بنصوص العهد القديم ليُظهِر كيف أَنَّها أشارَت إلى المسيح وكيف تَمَّمها المسيح، ممَّا يعطي الانطباع أنَّ هذا الإنجيل كُتِبَ للجُمهور اليهودي على نحوٍ خاص، وللكنيسة الجامعة على نحوٍ عام. وقد ظهرَ تقليد في الكنيسة الأولى مصدره أحد الآباء واسمه “بابياس” بأنَّ متَّى كتبَ إنجيله بالعِبريَّة أوَّلاً، لكن الأدلَّة من المخطوطات لا تُظهِر أنَّ النَّص مُترجَم من العِبري لليوناني، وقد فسَّر البعض قول بابياس على أنَّه يقصد أنَّ متَّى كتبَ بطريقة أو أُسلوب يهودي، وهذا تفسير وارد جدّاً كَون الجُمهور الأوَّل لهذا الإنجيل كان يهوديّاً.

إنجيل مرقس

“بداية إنجيل مَرقُس مرتبطة بشكل واضح مع الوعود النَّبويَّة للعهد القديم.”

كانَ مَرقُس رفيقاً لبولُس وبرنابا في السَّفَر خلال الرَّحلات التَّبشيريَّة، وقد خدمَ مع بطرُس أيضاً في روما. وبحسب الشَّهادة المبكِّرة للمسيحيِّين، كتبَ مَرقُس إنجيله وفق رواية بطرُس عن المسيح الذي هو أحد التَّلاميذ الاِثنَي عشر (الحواريُّون) وهم أتباع المسيح الأوائل. كُتِبَ إنجيل مَرقُس خلال خمسينيَّات القرن الأوَّل، وفيه يتوجَّه مَرقُس إلى الكنيسة عامَّةً بطبيعة الحال، لكن يبدو أنَّ أوَّل من كتبَ لهم هم رومان بحسب شهادة الآباء، ويؤكِّد على ذلك احتواء الإنجيل على كلمات لاتينيَّة.

يتميَّز إنجيل مَرقُس بوَتيرته السَّريعة ونجِده يذكُر على نحو متكرِّر كلمة “للوقت أو حالاً” في وصف مختلف الأحداث من خدمة يسوع المسيح (كما في إنجيل مَرقُس 18:1). لا يتطرَّق مَرقُس إلى ولادة يسوع بل يبدأ من تمهيد يوحنَّا المعمدان لخدمة المسيح العلَنيَّة، وهذا التَّغافل من مرقُس عن ذِكر تفاصيل ولادة يسوع لم يكُن أمراً غريباً بل طريقة طبيعيَّة في السِّيَر الحياتيَّة، ويعتمد على رؤية الكاتب وهدفه من الكتابة، والهدف هنا تصوير الوَتيرة السَّريعة لخدمة المسيح وكتابة إنجيل قصير، إذ يتميَّز بأنَّه أقصر الأناجيل، وقد كانت الرُّقوق تحدِّد حجم النَّص ممَّا يجعله سهل الاقتِناء من الكنائس أو القُرَّاء تلك الأيَّام. كما أنَّ الأناجيل لم تكُن تتوفَّر لكل إنسان في بيته كما اليوم بل كانت تُقرأ على مسامع الشَّعب في اجتماعات العبادة، ومن الممكن أن يكون إنجيل مَرقُس قد كُتِبَ بغرَض أن يُقرأ على مسمع الجمهور في جلسة واحدة، لأنَّ بالإمكان قراءته في غُضون ساعتين.

يصوِّر لنا إنجيل مَرقُس المسيح الخادم الذي يجول وسط النَّاس يصنع خيراً، يشفي الأمراض، يُقيِّد عمل إبليس، يجمع تلاميذه ويعلِّمهم، يدعو الخُطاة للتَّوبة، ويوبِّخ قُساة القلوب، ثمَّ يسرد لنا مَرقُس حادثة صلب المسيح بحسب ما سبق وتنبَّأ عنها المسيح، وينتهي الإنجيل كغيره من الأناجيل بقصَّة القبر الفارغ.

Peter in Arabic

إنجيل لوقا

“إنَّ الكاتب الذي يربط قصَّته بالسِّياق الأوسَع للتَّاريخ سيُثير المشاكل إذا لم يكُن حذِراً، كَونه سيَمنح النُّقَّاد الكثير من الفُرَص لاختبار دِقَّته. يأخذ لوقا هذه المُخاطرة ويصمد أمام الاختبار بشكل مدهش.”¹⁰

كانَ لوقا طبيباً، وتَظهر ثقافته ومدى بحثه ودِقَّة استقصائه للمعلومات بشكلٍ جلِّيٍّ وواضح في إنجيله، ناهيكم عن الأُسلوب اللُّغوي العالي جدّاً الذي يستخدمه في الكتابة. كانَ لوقا رفيق بولُس في السَّفَر وقد كتبَ إنجيله بعد بحث وتقصِّي من شهود العيان. يوسِّع لوقا نطاق كتاباته (إنجيل لوقا وأعمال الرُّسل) لتشمل أسماء مدن مع ذِكر طبيعتها الجغرافيَّة وأسماء مناصب ومُلوك وأُمور أُخرى بإمكانها أن تُعرِّض أيّ مؤرِّخ لخطَر الوقوع في الأخطاء، لكنَّنا نجِد لوقا يكتب بدِقَّة تاريخيَّة منقطعة النَّظير وإلماماً ثقافيّاً بالبيئة التي كتبَ فيها.

إنجيل لوقا يذكُر لنا تفاصيل كثيرة حول مختلف الأُمور التي لم تذكُرها الأناجيل الأُخرى، فمنه نعرف كيف كانت ولادة يوحنَّا المعمدان، وبعض التَّفاصيل عن طفولة المسيح. وفيه نرى حالة المسيح العبد المُتألِّم قبل الصَّلب حين كان في بستان الزَّيتون “جثسَيماني”، وكيف كانت قطرات العرَق تتصبَّب منه كالدَّم وهو يصلِّي صلاته الشَّهيرة ويعلِن خضوعه للآب بالرَّغم من عِلمه بما ينتظره.

كُتِبَ إنجيل لوقا في بداية ستِّينيَّات القرن الأوَّل، صحيحٌ أنَّ لوقا لم يكُن بنفسه شاهد عيان، لكنَّه كان مُقَرَّباً من الرُّسل، وربَّما رأى المسيح بالجسد أو سمعه يُعلِّم في إحدى المرَّات خلال سَفراته لليهوديَّة. آخر ما يُذكَر عن لوقا أنَّه كان مع بولُس الرَّسول في أيَّامه الأخيرة حين كان على وَشك أن يموت شهيداً لأجل إيمانه بالمسيح.

إنجيل يوحنا

“لا يوجد دليل أقوى على دِقَّة وصِحَّة الإنجيل الرَّابع من الطَّريقة التي يعكس بها الفكرة المسيانيَّة (النَّظرة اليهوديَّة للمسيح المُنتظَر) السَّائدة في أيَّامه.”¹¹

عندما نبدأ في إنجيل يوحنَّا نلاحظ نمطاً مختلفاً عن الذي عهِدناه في الأناجيل الثَّلاثة الأولى. ففيه نرى أنَّ يوحنَّا هو الشَّاهد المثالي كَونه كان مقرَّباً من المسيح ويوصَف بأنَّه التِّلميذ الذي يحبُّه يسوع (إنجيل يوحنَّا 24:19)، ليستطيع بذلك أن يدوِّن لنا تفاصيل دقيقة عن حياة المسيح وعن النَّاس الذين كانوا قريبين منه جداً وعن مشاعِره تجاههم (إنجيل يوحنَّا 5:11). نجِد في إنجيل يوحنَّا حِوارات طويلة مع شخصيَّات مختلفة وذلك بخِلاف الأناجيل الأُخرى، وهذا لأنَّ يوحنَّا كتبَ مع نهاية القرن الأوَّل وأرادَ أن يُغطِّي المواضيع الهامَّة المُكمِّلة للأناجيل الأُخرى مركِّزاً على خدمة المسيح في أورشَليم/القُدس بعكس الأناجيل الثَّلاثة التي تُسَلِّط الضَّوء على خدمة المسيح في الجليل ومناطق أُخرى، وهناك تقليد كنَسي مفاده أنَّ يوحنَّا كان حيّاً عندما تسلَّمت الكنيسة الأناجيل الأُخرى وقد صادَقَ على صِحَّتها بنفسه.

من الواضح أنَّ الكاتب يعرِف الأناجيل التي سبقته ويفترِض أنَّ قُرَّاءه يعرفونها أيضاً (اُنظر إنجيل يوحنَّا 24:3، 2:11، وقارِنها بالتَّسلسُل الزَّمني لنفس الأحداث المذكورة في إنجيل مَرقُس).

يُركِّز إنجيل يوحنَّا على أُلوهيَّة المسيح، لكن هذا لا يعني أنَّ الأناجيل الأُخرى لا تخبرنا عن هذا الأمر، وذلك لا يعني أنَّ إنجيل يوحنَّا لا يخبرنا عن بشرِيَّة المسيح، إنَّما كل إنجيل يُسلِّط الضَّوء على أفكار معيَّنة تتوافق مع الرِّسالة العامَّة للإنجيل.

لطالما اعتقدَ البعض أنَّ الإصحاح الأوَّل من إنجيل يوحنَّا يستعير أفكاراً من الفلسفة اليونانيَّة ويبني نظرَته للمسيح وفقها، لكنَّ مكتشَفات مخطوطات قمران تُظهِر أنَّ يوحنَّا يستنِد إلى تعاليم يهوديَّة، فالمقارَنة بين النُّور والظُّلمة، الحياة والموت، السَّماء والأرض، وغيرها من الأُمور التي بدَت للبعض أنَّها مبنيَّة على ثُنائيَّة غَنُّوصِيَّة مصدرها فلسلفة أفلاطون، تُبيِّن أنَّها تصنيفات مُتأصِّلة في الفِكر اليهودي وأنَّها مبنيَّة على ما جاء في نَصّ الخَلق من التَّوراة، ما يُظهِر لنا القيمة الفكريَّة والمعرفة اليهوديَّة لهذا الكاتب.


مقالات مُشابِهة

متى كتبت الأناجيل؟
معجزات يسوع في الأناجيل
ماذا عن الأناجيل الأخرى؟


تبغى تتواصل مع مسيحي؟ تواصل معنا بكل امان الحين.