عيد الفصح هو ذكرى خروج شعب إسرائيل من أرض العبودية في مصر. في هذ العيد يتذكر العبرانيون ما طلبه الرب منهم قبيل الضربة الأخيرة لفرعون والتي هي قتل الأبكار، عندما أمرهم بأن يذبحوا خرافا ويضعوا دماءها على عتبات أبواب بيوتهم، لكي ينجي أبكارهم من الموت، وفي المسيحية أخذ الفصح معناه الحقيقي “المعنى الروحي” إذ أصبح يرمز إلى فداء المسيح الذي أخرج شعبه من عبودية الخطية، ومات لأجلهم وصار الحمل المذبوح عنهم لخلاص شعبه من الموت الأبدي، ليصبح الفصح في المسيحية هو ذكرى موت وقيامة المسيح.
نشأة العيد
عندما دَعا الله موسى، أخبرَهُ أنَّهُ سيَستَخدِمهُ في إخراج شَعبِهِ “بَني إسرائيل” من أرض العُبودِيَّة في مصر. وجَّهَ الرَّب تِسعَ ضَرَبات للمِصريّين كإنذارٍ لهُم لكي يُطلِقوا شَعبه، لكن بعدَ كُل ضَربة كانَ عِناد فرعون يزداد أكثَر وأكثَر، وكانَ يأبى أن يُطلِق الشَّعب على الرَّغم من العَجائِب التي أجراها الرَّب في وَسطِهِم. بعدَ ذلك أعلَنَ الله لموسى عن الضَّربة العاشِرة والأخيرة التي من خِلالها سَيُعاقِب الله المِصرِيُّون بمَوت أبكارِهِم. لكن قبلَ إنزال هذهِ البَلِيَّة طَلَبَ الرَّب من كُل عائِلة في بَني إسرائيل أن تَذبَح حَمَلاً سَليماً وبِلا عَيب، فيأكلونَهُ ويضَعونَ دِمائَهُ على عَتَبات أبوابِهِم وقَوائِمِها.
“وَيَأْخُذُونَ الدَّمَ وَيَضَعُونَهُ عَلَى الْقَائِمَتَيْنِ وَالْعَتَبَةِ الْعُلْيَا فِي الْبُيُوتِ الَّتِي يَأْكُلُونَهُ فِيهَا.” (سِفر الخُروج 7:12).
لأنَّ الله كانَ سَيَعبُر من أمامِ بُيوتِهِم في تِلكَ اللَّيلة لِيُهلِك جَميع أبكار المِصرِيِّين كَعِقابٍ لَهُم، لذلك طَلَبَ من شَعبِهِ أن يَدهَنوا من دَم الذَّبيحة على أبوابِهم لكي لا يَضرِبَ بُيوتَهُم بالمَوت، وبذلك يَكون هذا الدَّم عَلامةً أمامَ الله لِنَجاتِهِم.
“… فَأَرَى الدَّمَ وَأَعْبُرُ عَنْكُمْ، فَلاَ تَنْزِلُ بِكُمْ بَلِيَّةُ الْهَلاَكِ حِينَ أَبْتَلِي بِهَا أَرْضَ مِصْرَ.” (سِفر الخُروج 13:12).
وبذلك يَكون هذا الدَّم عَلامةً أمامَ الله لِنَجاتِهِم
وهذا ما حَصَل، لذلك أمَرَ الله شَعبَهُ بإحياء هذهِ الذِّكرى كَفَريضة سَنَوِيَّة لَهُم، طالِباً مِنهُم أن يَذبَحوا ذَبيحة في كُل سَنة بنَفس تاريخ خُروجِهِم من مصر، فيَأكلونَ الذَّبيحَة ليَتَذَكَّروا ما صَنَعَهُ من أجلِهِم هذا الإله العَظيم وكيفَ أخرَجَهُم بِذِراعٍ قَديرة من أرض العُبودِيَّة. وبذلك يَكون هذا العيد قَد نَشَأَ في أيَّام موسى النَّبي، وسُمِّيَت هذهِ الذِّكرى بعيد الفِصح أي عيد الخُروج أو العُبور¹، ولا زالَ اليَهود يُعَيِّدونَ عيد الفِصح إلى أيَّامِنا هذه كتذكارٍ لعُبورِهِم من أرض العُبودِيَّة في مصر.
الفصح في المسيحية
نحنُ كمَسيحِيُّون نؤمِن أنَّ التَّوراة التي تَروي لنا هذهِ الأحداث هي وَحيٌ من الله، لذلك نَجِد فيها دُروساً رُوحِيَّة لحَياتِنا، وعِبَر لنَعتَبِر مِنها، كَما أنَّ هذهِ الأحداث فيها إيضاحات عن حَياة المسيح الذي يَشهَد لَهُ جَميع الأنبِياء كَما يَقول لوقا البَشير:
“لَهُ يَشْهَدُ جَمِيعُ الأَنْبِيَاءِ…” (سِفر أعمال الرُّسُل 43:10)
فالمسيح سَيُتَمِّم عَهد الله مع الشَّعب كَما أظهرَت لنا خِدمَة موسى التي لم تَكشِف عن العَمَل الإلهي النِّهائي والأسمى للفِداء، بَل كانَ لها غَرَض نَبَوي وهو تَوَقُّع عَمَل أعظَم سَيَحدُث، وهو عَمَل المسيح. تُخبِرنا حَياة المسيح أنَّهُ كانَ بِلا لَوم ودونَ خَطيئة، أي “بِلا عَيب كَما حَمَل الفِصح” وأنَّ دِمائَهُ سُفِكَت لأجلِنا لتَكونَ عَلامَةً أمامَ الله لِنَجاتِنا، وبذلكَ يَكون دَم المسيح هو الذي يَجعَل الهَلاك يَعبُر عنَّا إذ يَستُرنا الدَّم ويَحمينا من عِقاب الله، كَما يَقول بولُس الرَّسول بِحَسَب تَرجَمَة “البُستاني فاندايك”:
“أَنَّ فِصْحَنَا أَيْضًا الْمَسِيحَ قَدْ ذُبحَ لأَجْلِنَا.” (رِسالة بولُس الرَّسول الأولى إلى أهل كورِنثوس 7:5)
وبذلكَ يَكون دَم المسيح هو الذي يَجعَل الهَلاك يَعبُر عنَّا إذ يَستُرنا الدَّم ويَحمينا من عِقاب الله
الفِصح اليَهودي كانَ ظِلّاً للفِصح المَسيحي، فَكَما سُفِكَت دِماء الحَمَل البَريء وماتَ لكي يَستَحيي أبكارَ شَعب الرَّب ويُنَجِّيهِم من القَضاء الإلهي الآتي على مصر، هكذا تألَّمَ وماتَ المسيح البَريء من أجلِنا نحنُ الخُطاة لكي يُنَجِّنا من غَضَب الله ودَينونَتِه. كانَ الفِصح بِدايَة النِّهاية لِخُروج العِبرانِيِّين من العُبودِيَّة المصرِيَّة ولِاستِحياء أبكارِهِم. ما مَيَّزَ العِبرانِيِّين عن المصرِيِّين ونَجَّاهُم ليسَ أنَّهُم أبرار أو صالِحين بَل ما مَيَّزَهُم هو عَلامَة الدَّم التي وَضَعوها على أبوابِهِم، وقَد عَبَّرَ أحَد اللَّاهوتِيِّين عن هذهِ الحَقيقة بقَولِهِ: “في الفِصح الأوَّل أُنقِذَ اليَهود ليسَ فقَط من غَطرَسَة فرعون، بَل أُنقِذوا أيضاً من غَضَب الله على خَطاياهُم عبرَ المَوت البَديلي للحَمَل المَذبوح”².المسيح ماتَ لكي يُخرِجنا من عُبودِيَّة الخَطيئة وسُلطان الظُّلمة، ويَقودَنا في رِحلَة الخُروج لكَي نَرِث أرض المَوعِد الأبَدِيَّة، وقَد نَجَّانا من العَذاب الأبَدي بِفَضلِ دِمائِهِ الطَّاهِرة المَسفوكة فِداءَ نُفوسِنا، كَما أخبَرَنا بولُس الرَّسول في رسالَتِهِ إلى أهل كولوسّي.
يُعَيِّد المَسيحِيُّون اليَوم عيد القِيامة ويُسَمَّى بعيد الفِصح، وذلك لِسَبَبَين: أوَّلاً لِتَزامُن مَوت المسيح وقِيامَتِهِ مع عيد الفِصح اليَهودي. (إنجيل يوحَنَّا 14:19). وثانِياً لِما يحتَويه هذا من دَلالات رُوحِيَّة كَما أشَرنا سابِقاً عن التَّرابُط بينَ الفِصحَين حيثُ يُشيرالفِصح الأوَّل للثَّاني، لذلك يَقبَل المَسيحِيُّون تَسمِيَة ذِكرى آلام وقِيامَة المسيح “بعيد الفِصح”، وكَما وَرَدَ في كِتاب اللَّاهوت النِّظامي المُصلَح: “الفِصح الذي يُعَيِّدهُ المَسيحِيُّون هو ليسَ احتِفالاً بِخُروج بَني إسرائيل من أرض مصر، بَل لِتَذَكُّر هذا الخَلاص النِّهائي من الخَطيئة عبرَ جَسَد ودِماء المسيح المُقَدَّمة لنا بِمَوتِه”³. فكَما سَتَرَت دِماء الحَمَل الشَّعب من الهَلاك، هكذا تَستُرنا دِماء المسيح، وكَما وَضَعَ الشَّعب هذهِ العَلامة بالإيمان على أعتاب بُيوتِهِم، على المؤمِنين أيضاً أن يَضَعوا دِماء المسيح المَسفوكة من أجل سَتر مَعاصيهِم، على عَتَباتِ قُلوبِهِم.
“لأَنَّ حَيَاةَ الْجَسَدِ هِيَ فِي الدَّمِ. لِهَذَا وَهَبْتُكُمْ إِيَّاهُ لِتُكَفِّرُوا عَنْ نُفُوسِكُمْ، لأَنَّ الدَّمَ يُكَفِّرُ عَنِ النَّفْسِ. ” (سِفر اللَّاوِيِّين 11:17)
- H6453 – pesaḥ – Strong’s Hebrew Lexicon (kjv) (blueletterbible.org)
- Pierced for Our Transgressions: Rediscovering the Glory of Penal Substitution. Steve Jeffery
- Reformed Systematic Theology, Volume 1: Revelation and God. Crossway
مقالات مُشابِهة
الأساسيات في المسيحية
آيات عن عيد الفصح
صفحة الصوم الكبير