ظهرت على مر التاريخ مباني دينيّة عديدة. فكُل مجموعة تنتمي لمُعتقد مُعيّن، أسست مبنى لممارسة عقائدها وفروضها. وكأن حجارة المبنى هي من تتضمن استمراريّة عقيدة معيّنة. ونتيجة لذلك اقترنت كلمة “الكنيسة” في أذهان الكثيرين بأنه مبنى دينيّ. وأن أي شخص يُريد أن يُصلي، وجب عليّه أن يذهب إلى هذا المبنى. لكن هل هذا صحيح؟ هل هذا هو مفهوم الكنيسة في الإيمان المسيحيّ؟ هل هذا هو مفهوم الكنيسة في الكِتاب المُقدس؟
إن فهم وإدراك المعنى الصحيح لكلمة ” الكنيسة” هو من الأمور الهامة المُرتبطة بالمبادئ الأساسيّة للإيمان المسيحيّ. فإذا كانت الصلاة في الإيمان المسيحيّ هي الحوار مع الله،-الجزء-الأو/ غيّر المرتبط بوقت أو مكان، فمنطقيًّا العبادة غير مرتبطة بمكان أو زمان. إذًا فما معنى كلمة الكنيسة؟
المعنى اللُغويّ
إن كلمة كنيسة هي كلمة مُشتقة من الكلمة اليونانيّة “إككليسيا” وهذه الكلمة تتكون من جزئين: “إك” وتعني “الخارجة من مكانها.” والجزء الثاني “كليسيا” وتعني “خارجة بناءًا على دعوة أو نداء.” فالكلمة بمُجملها تعني “جماعة خارجة بناءًا على دعوة” فحتى المعنى اللُغوي لكلمة “كنيسة” عكس كلمة الارتباط بالمكان فهي تعني الجماعة الخارجة.
المعنى الكتابيّ
أيضًا كلمة “الكنيسة” في الكتاب المُقدس لا تشير إلى مكان مُعيّن يجتمع فيه المؤمنين للصلاة، بل أن المسيح علم عكس ذلك حين سألته السامريّة أين المكان الصحيح للعبادة، فأجاب المسيح وقال لها:
فَأَجَابَهَا يَسُوعُ: «صَدِّقِينِي يَا امْرَأَةُ، سَتَأْتِي السَّاعَةُ الَّتِي فِيهَا تَعْبُدُونَ الآبَ لَا فِي هَذَا الْجَبَلِ وَلا فِي أُورُشَلِيمَ…… فَسَتَأْتِي سَاعَةٌ، بَلْ هِيَ الآنَ، حِينَ يَعْبُدُ الْعَابِدُونَ الصَّادِقُونَ الآبَ بِالرُّوحِ وَبِالْحَقِّ. لأَنَّ الآبَ يَبْتَغِي مِثْلَ هؤُلاءِ الْعَابِدِينَ. اللهُ رُوحٌ، فَلِذلِكَ لابُدَّ لِعَابِدِيهِ مِنْ أَنْ يَعْبُدُوهُ بِالرُّوحِ وَبِالْحَقِّ»
إنجيل يوحنا 24-21: 4
فقد قدم المسيح الإجابة هنا ليس فقط بطريقة روحيّة لكن منطقيًّا أيضًا. فإذا كان الله روح غير مُرتبط بمكان، فالعبادة لا ترتبط بمكان معيّن. فالله ليس جماد محدود لينتظرنا في مكان معين، ولكنه روح غيّر محدود يتواصل معنا في أي مكان وزمان. ووضع المسيح المعنى والمغزى من العبادة الصحيحة في أن العبادة الصحيحة هي تلك العبادة الحقيقية بالروح والحق وليس المكان هو من يحدد العبادة الصحيحة. وأيضًا نقرأ:
سَلِّمُوا عَلَى الْكَنِيسَةِ الَّتِي فِي بَيْتِهِمَا.
الرسالة إلى أهل رومية 5: 16
فواضح أنه من تأسيس الكنيسة الأولى بعد صعود المسيح، كانت كلمة كنيسة تشير إلى مجموعة مؤمنين في أي مكان وليس في مبنى معين. فهي تشير إلى مجموعة أشخاص، وليس مجموعة جامدة من الحجارة. حيث يذكر في هذه الآية “الكنيسة التي في بيتك” إذا ما هي الكنيسة بحسب فكر الكتاب المقدس؟
لقد أشار الكتاب المقدس إلى مفهومين لكلمة الكنيسة، ويمكننا تصنفيها كالتالي:
- الكنيسة بالمعنى العام
- الكنيسة بالمعنى المحلي
الكنيسة بالمعنى العام
كلمة “الكنيسة” بالمعنى العام تشير إلى جماعة المؤمنين بالمسيح في كل زمان ومكان الذين قبلوا المسيح كمخلص شخصيّ لحياتهم. وبدأوا رحلة التلمذة، والنمو في المسيح. وصاروا أبناء لله. وبالتالي انضموا إلى عائلة المسيح.
الكنيسة بالمعنى المحليّ
أما الكنسية بالمعنى المحليّ فهي تشير إلى مجموعة من الأشخاص المُرتبطين معًا بعضهم ببعض، والمتحدين معًا بالمسيح، ويجتمعون معًا، ويدرسون الإنجيل معًا، وينمون معًا، ويصلون من أجل بعضهم البعض. فكلمة “كنيسة” ليست مجرد مجموعة مؤمنين يقيمون اجتماع معًا ولكن هم جماعة المؤمنين المتحدين معًا، الذين ينمون معًا، ويحملون أثقال بعضهم البعض.
إن مفهوم كلمة الكنيسة بحسب الكتاب المقدس هو أغنى وأعمق من مجرد مبنى لإقامة الشعائر الدينيّة. الكنيسة هي روعة عمل المسيح العجيب عندما يوحد المؤمنين به. فيصيروا مُتحدين معًا، يعيشون المحبة الحقيقيّة، ويختبرون المفهوم الحقيقيّ للعائلة. فيتقابلون في أي مكان، في المنزل، في الشارع، أو في أي مكان ليعيشوا المحبة التي اختبروها في المسيح، وينمون معًا مُختبرين عمل الله المُغيّر فيهم ومن خلالهم.
الكاتبة: لمياء نور
Masters of Arts in Theology, ETSC
مقالات مُشابِهة
كيف يمكنني السفر إلى بلد مسيحيّة لأمارس عقيدتي بحريّة؟
لا يوجد كنيسة في بلدي، فماذا أفعل؟
ما هي الطوائف المختلفة في المسيحية؟
آيات عن الكنيسة (جسد المسيح)