كائِنانِ مُتَساويان لكِنَّهُما مُختَلِفان، هكذا يُمكِنُنا تَعريف وَصف الكِتاب المُقدَّس للرَّجُل والمَرأة على حَدٍّ سواء، لكن ما هي أوجُه المُساواة والاِختلاف بينَهُما؟ هذا ما سنُجيب عنه في المقال التَّالي.
في مِصر القَديمة كانَ يُطلَق على فرعون لقَب “صورَة الله”، والمَقصود بهذه التَّسمِية أنَّهُ يُمَثِّل آلِهَة المصريِّين على الأرض بالنِّسبة للشَّعب، وكانَت دِيانات شُعوب الشَّرق الأدنى خِلال الألفِيَّة الثَّانية قبل الميلاد تُعَلِّم أنَّ الذُّكور مَخلوقين على صورَة الله مُستَثنينَ بذلك النِّساء،¹ لكن يأتي الكِتاب المُقدَّس ويُقَدِّم صورة مُختَلِفة، حيثُ يقول عن الإنسان بشَكل عام (الذُّكور والإناث) أنَّهُ مَخلوق على صورَة الله:
“فَخَلَقَ اللهُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ اللهِ خَلَقَهُ. ذَكَراً وَأُنْثَى خَلَقَهُمْ.” (سِفر التَّكوين 27:1)
كانَت النِّساء أيَّام الإمبراطوريَّة الرُّومانيَّة لا يَتَمَتَّعنَ بكافَّة حُقوقِهنَّ المَدَنِيَّة، فرَأيُهنَّ لم يكُن مُهِمّاً ولا يؤخَذ بالحسبان، وكُنَّ مَمنوعاتٍ من الإدلاء بأصواتِهنَّ في الاِنتِخابات، وأيضاً كانَ يُنظَر لَهُنَّ على أنَّهُنَّ أقَلّ شَأناً وأقَلّ قُدرة فِكريَّة مُقارنَةً بالرِّجال.² لكن تَعاليم بطرُس الرَّسول تُغايِر هذا المَفهوم المُجحِف بحَقّ النِّساء، وقَد عَلَّم بطرُس تَعليماً مُختَلِفاً كُلِّيّاً عن تَفكير تِلكَ الشُّعوب في أيَّامهِ:
“وَأَنْتُمْ، أَيُّهَا الأَزْوَاجُ، إِذْ تُسَاكِنُونَ زَوْجَاتِكُمْ عَالِمِينَ بِأَنَّهُنَّ أَضْعَفُ مِنْكُمْ، أَكْرِمُوهُنَّ بِاعْتِبَارِهِنَّ شَرِيكَاتٍ لَكُمْ فِي وِرَاثَةِ نِعْمَةِ الْحَيَاةِ، لِكَيْ لاَ يَعُوقَ صَلَوَاتِكُمْ شَيْءٌ. وَالْخُلاَصَةُ، كُونُوا جَمِيعاً مُتَّحِدِينَ فِي الرَّأْيِ…” (رسالة بطرُس الأولى 7:3-8)
في هذه الآية نجِد بطرُس يَتجاهَل الفِكرَة السَّائِدة عن ضَعف النِّساء فِكريّاً، حيثُ يوصي الرَّجُل أن يأخُذ برَأي امرَأتهِ، وأن يُكرِمها، ويُحَذِّرهُ بأنَّهُ إن تَصرَّفَ عَكس ذلك فإنَّ هذا الأمر سَيُعيق شَرِكَتهُ مع الله. لهذهِ الدَّرَجة اعتَبَرَ الوَحي إكرام المَرأة أَمراً أساسِيّاً في حَياة الإيمان.
أيضاً نرى أنَّ شَهادَة المَرأة كانَت غَير مَقبولة في المَحاكِم في تِلكَ المُجتَمَعات وخاصَّة في المُجتَمَع اليَهودي. لكن أعظَم حَدَث يُسَجِّلهُ الكِتاب المُقدَّس قَد ذُكِرَ أوَّلاً بحَسب شَهادَة نِساء، وهو حَدَث قِيامَة المسيح من الأموات. وبحَسب فيلون الإسكَندري أحَد عُلَماء اليَهود فإنَّ حَوَّاء هي أساس الخَطيئة وسُقوط الجِنس البشَري، أمَّا بولُس فيَنسِب السُّقوط إلى آدَم (روما 14:5).
نُلاحِظ دائِماً في الكِتاب المُقدَّس هذه الوَتيرة التي يُظهِر فيها المَرأة أنَّها ذات كَرامة مُساوِية للرَّجُل بالتَّبايُن مع البيئة المُحيطة، وأن لا امتِياز مُتَأصِّل في طَبيعَة الرَّجُل يَجعَلهُ أفضَل من المَرأة في شَيء.
لكن على الرَّغم من كُل هذا السُّموّ بالتَّعليم الذي يَجعَل الرَّجُل والمَرأة مُتَساوِيانِ في الكَينونة، إلَّا أنَّ البَعض قَد يُحاوِل الاِصطِياد في الماء العَكِر، وذلك لأنَّ الكِتاب المُقدَّس يتحدَّث عن اختِلافات في الأدوار بينَ الرِّجال والنِّساء فيما يَتعَلَّق بالخِدمة في الكَنيسة، الأمر الذي يَستَغِلّهُ المُشَكِّكون من خلال استِخدامهِم لآية هُنا أو هُناك واجتِزائِها خارِج سِياقها التَّاريخي وقَرينَتها في النَّص، لكي يُعطوها مَعنىً مُختَلِف مُحاوِلينَ بذلك أن يُغَطُّوا على ما سَبَق وذَكرناه. وسوفَ أذكُر تِباعاً هذه الآيات مع تَفاسيرها ووَضعِها في إطارِها الصَّحيح.
ماذا يعني أن حواء أُغوِيَت أولاً؟
يقول بولُس الرَّسول:
“وَلَسْتُ أَسْمَحُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُعَلِّمَ وَلاَ تَتَسَلَّطَ عَلَى الرَّجُلِ. بَلْ عَلَيْهَا أَنْ تَلْزَمَ السُّكُوتَ. ذَلِكَ لأَنَّ آدَمَ كُوِّنَ أَوَّلاً، ثُمَّ حَوَّاءُ: وَلَمْ يَكُنْ آدَمُ هُوَ الَّذِي انْخَدَعَ (بِمَكْرِ الشَّيْطَانِ)، بَلِ الْمَرْأَةُ انْخَدَعَتْ، فَوَقَعَتْ فِي الْمَعْصِيَةِ.” (رسالة بولُس الأولى إلى تيموثاوُس 12:2-14)
يجِب أن نوضِح أوَّلاً أنَّ هذه الآية لا تُعَلِّم أنَّ الرِّجال قَوَّامونَ على النِّساء أو مُتَفَوِّقينَ عليهِنَّ من ناحِيَة تَركيبَتهِم الخَلقِيَّة، يقول أحَد عُلَماء العَهد القَديم جون والتون: “لم يجِد الله في الكائِنات الأُخرى أيّ نَظير أنطولوجي (في الكينونة) لآدَم. يُظهِر الله لآدَم من خِلال الرُّؤيا أنَّ حَوَّاء نَظيرهُ الأنطولوجي، وحينَما أفاقَ وحَضَرَت أمامهُ أدرَكَ هذه الحَقيقة حينَ قال: هي عَظمٌ من عِظامي ولَحمٌ من لَحمي…
كانَ الغَرَض من تَكوين 2 أن يُظهِر أنَّ حَوَّاء تُشارِك آدَم نَفس الطَّبيعة.”³ ما يجِب أن نُدرِكهُ هُنا أنَّ تَعليم بولُس هو عن اختِلاف بالأدوار وبِشَكل حَصري عن الخِدمة في الكَنيسة، فلم يكُن هَدَف بولُس إرساء تَعاليم اجتِماعيَّة اقتِصاديَّة بل روحِيَّة كَنَسِيَّة، فالنِّساء ليسَ لهُنَّ سُلطة على التَّعليم في الكَنيسة بَل الرِّجال، لأنَّ الرَّب بالطَّبيعة أعطى دَور القِيادة للرَّجُل ودَور المُعين للمَرأة. يقول جون ماك آرثر: “المَرأة ليسَت أدنى من الرَّجُل بأيّ ناحِية، لا فِكريّاً ولا روحِيّاً. ولكن من الواضِح أنَّها خُلِقَت لغاية مُمَيَّزة ومُختَلِفة. فإذا كانَ الكِتاب المُقدَّس في تَعالميهِ حَول الكَنيسة والعائِلة، يقول أنَّ النِّساء يجِب أن يَخضَعنَ لسُلطَة أزواجهنَّ، فإنَّهُ يُبَجِّل المَرأة ويَرفَع شَأنها فَوق الرَّجُل بناحِيَة مُختَلِفة تَماماً، على أنَّها مَجد الرَّجُل، ومَجد جِنس البَشَر الذي خُلِقَ على صورَة الله”.⁴
حَوَّاء أُغوِيَت أوَّلاً، هذا لا يَعني أنَّ الكِتاب المُقدَّس يُبرِئ آدَم من سُقوط الجِنس البَشَري (روما 5)، وهذا لا يَعني أنَّ المَرأة ليس لدَيها القُدرة على التَّعليم بالمُطلَق، فالرَّسول بولُس في رسالتهِ إلى تيطُس 4:2 يوصي النِّساء المُتَقَدِّمات في الإيمان بأن يُعَلِّمنَ النِّساء الصَّغيرات من تَجارِبهنَّ وخِبرَتهنَّ. آدَم خُلِقَ أوَّلاً، وهذا يَمنَحهُ دَور القِيادة، حَوَّاء خُلِقَت ثانِياً وهذا يُعطيها دَور المُعين.
ماذا يقصد بولس بقوله “لتصمت النساء في الكنائس”؟
“لِتَصْمُتْ النِّسَاءُ فِي الْكَنَائِسِ، فَلَيْسَ مَسْمُوحاً لَهُنَّ أَنْ يَتَكَلَّمْنَ، بَلْ عَلَيْهِنَّ أَنْ يَكُنَّ خَاضِعَاتٍ، عَلَى حَدِّ ما تُوصِي بِهِ الشَّرِيعَةُ أَيْضاً. وَلَكِنْ، إِذَا رَغِبْنَ فِي تَعَلُّمِ شَيْءٍ مَا، فَلْيَسْأَلْنَ أَزْوَاجَهُنَّ فِي الْبَيْتِ، لأَنَّهُ عَارٌ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تَتَكَلَّمَ فِي الْجَمَاعَةِ.” (رسالة بولُس الأولى إلى أهل كورِنثوس 34:14)
كانَ من الشَّائِع في المُجتَمعات تِلكَ الأيَّام أن تُمنَع المَرأة من الكَلام بحُضور الرِّجال في المَحافِل والاِجتِماعات الدِّينيَّة،⁵ لكن توبيخ بولُس للنِّساء في الكَنيسة أتى لأنَّهُنَّ كُنَّ يَشعُرنَ بالحُرِّيَّة في التَّحَدُّث، وهذا يوضِح لنا الاِنطِباع الذي وَفَّرَتهُ تَعاليم المَسيحِيَّة لهُنَّ، فحُرِّيَّتهُنَّ بالكَلام كانَت دَليلاً على فهمِهنَّ للحَياة المَسيحِيَّة وما تُعَلِّمهُ من مُساواة لا نَظيرَ لها في بيئَتهِم السَّابِقة.
“لاَ فَرْقَ بَعْدَ الآنَ بَيْنَ يَهُودِيٍّ وَيُونَانِيٍّ، أَوْ عَبْدٍ وَحُرٍّ، أَوْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى، لأَنَّكُمْ جَمِيعاً وَاحِدٌ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ.” (رسالة بولُس إلى أهل غَلاطية 28:3)
بولُس أمام هذا الأمر أرادَ أن يوضِح بَعض التَّفاصيل الخاصَّة بالعِبادة، فكَلامهُ كانَ بِحَسب سِياق الرِّسالة عن التَّعليم، النُّبوَّة، والتَّكَلُّم بألسِنة. ولأنَّ المَرأة ليسَ لها دَور تَعليمي في الكَنيسة كما في الآية التي ذَكَرناها سابِقاً، ومن غَير اللَّائِق على النِّساء أن يَتحَدَّثنَ ويَسألنَ في وَقت العِبادة لأنَّهُ ليسَ الزَّمان المُناسِب لذلك.
خُلاصَة الفِكرة أنَّ الكِتاب المُقدَّس يُرَكِّز على طَبيعة تَكامُلِيَّة بينَ آدَم وحَوَّاء إذ كُلٌّ منهُما يُكَمِّل الآخَر، لم تَكُن حَوَّاء أقَلّ من زَوجها بأيّ شَكل، لكنَّ الرَّب أعطاها دَوراً خاضِعاً لقِيادَة الرَّجُل. هذا التَّعليم يَضَع النِّقاط على الحُروف حَول الفَرق بينَ الجِنسَين مَوضوعِيّاً دونَ الاِنتِقاص من أحَدهِما وإعلاء شَأن الآخَر. كما أنَّ الكِتاب المُقدَّس يوصي الأزواج بأن يُحِبُّوا نِساءَهُم كما أحَبَّ المسيح الكَنيسة وأَسلَمَ نَفسهُ لأجلِها (أفَسُس 25:5). كيفَ أحَبَّ المسيح الكَنيسة؟ أحَبَّها حتَّى المَوت وبَذَلَ نَفسهُ فِداءً عنها مُظهِراً بذلك أسمى أنواع المَحبَّة. يُعلِّم يسوع أنَّ الزَّواج بينَ الرَّجُل والمَرأة هو اتِّحاد بينَ جَسَدَين لِكي يَصيرا جَسداً واحِداً (متَّى 19:5).
- Kingdom through Covenant: A Biblical-Theological Understanding of the Covenants (Second Edition). Gentry, Peter J., Wellum, Stephen J.
- Table of Contents – IVP New Testament Commentary Series. Bible Gateway.
- The Lost World of Adam and Eve: Genesis 2–3 and the Human Origins Debate. John H. Walton.
- Twelve Extraordinary Women. John Macarthur.
- Table of Contents – IVP New Testament Commentary Series. Bible Gateway.
مقالات مُشابِهة
ما هي مكانة المرأة في المسيحية؟
المسيح والمرأة السامرية
المرأة الفاضلة