يُخبرنا العهد الجديد من الكتاب المقدَّس في أكثر من موضِع منه (متَّى 9، مَرقُس 5، لوقا 8) عن قصَّة اِمرأة مريضة كانت تُعاني من نزيف الدَّم المُستمرّ والذي لازَمها لمدَّة اثنتي عشرة سنة دون شِفاء على الرّغم من أنَّها أنفقَت كلّ مالها على الأطبَّاء وجرَّبت كل أنواع العلاج دونَ جدوى، حتَّى بدا لها في النِّهاية وكأنَّه لا يوجد دواء لمرضها الذي يزداد سوءاً يوماً بعد يوم.
“وَكَانَتْ هُنَاكَ امْرَأَةٌ مُصَابَةٌ بِنَزِيفٍ دَمَوِيٍّ مُنْذُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً، وَقَدْ عَانَتِ الْكَثِيرَ مِنَ الأَلَمِ عَلَى أَيْدِي أَطِبَّاءَ كَثِيرِينَ، وَأَنْفَقَتْ فِي سَبِيلِ عِلاجِهَا كُلَّ مَا تَمْلِكُ، فَلَمْ تَجْنِ أَيَّةَ فَائِدَةٍ، بَلْ بِالأَحْرَى ازْدَادَتْ حَالَتُهَا سُوءاً.” (إنجيل مَرقُس 25:5-26)
كانت تلك المرأة في حال يُرثى لها لأنَّ ما تُعانيه لم يكُن فقط النَّزيف الذي أنهكَ جسدها، بل أيضاً نظرة النَّاس لها وابتعادهم عنها واحتقارهم لها في ذاك المجتمع اليهودي الذي كان يعتبِر أنَّ المرأة النَّازفة أو المرأة الحائِض هي نَجِسة بحسب الشَّريعة ولا يجب المساس بها أو التَّعامل معها كي لا تُنجِّس غيرها، وربَّما اعتقد البعض أصلاً بأنَّها استسلمَت لمرضها وتعايشَت معه وفقدَت الأمل بالشِّفاء.
لكن في الحقيقة هي لم تستسلم لأنَّها بمجرَّد أن سمعت بأنَّ يسوع النَّاصِري الذي كان يجول بين النَّاس يصنع معجزات ويشفي مرضى قد مرَّ بمنطقتهم، تجدَّد أملَها وراحَت تبحث عنه من كل قلبها موقِنةً بأنَّه قادر أن يشفيها. لكنَّها حين اقتربت ورأت جُموع النَّاس تُحيط به من كل مكان أدرَكت بأنَّ الوصول إلى يسوع والتَّحدُّث معه وسط هذه الجُموع ليس سهلاً، لكنَّها أيضاً لم تستسلم لذلك دخلت بين الجموع واقتربت من وراء يسوع ولمَست هُدبَ ثَوبهِ أي طرفَ رِدائهِ واثِقةً بأنَّ هذه اللَّمسة سوف تشفيها. وهذا ما حصل فعلاً ففي تلك اللَّحظة عينها توقَّف نزيفُ دمها.
“فَإِذْ كَانَتْ قَدْ سَمِعَتْ عَنْ يَسُوعَ، جَاءَتْ فِي زَحْمَةِ الْجَمْعِ مِنْ خَلْفِهِ وَلَمَسَتْ رِدَاءَهُ، لأَنَّهَا قَالَتْ: «يَكْفِي أَنْ أَلْمِسَ ثِيَابَهُ لأُشْفَى«. وَفِي الْحَالِ انْقَطَعَ نَزِيفُ دَمِهَا وَأَحَسَّتْ فِي جِسْمِهَا أَنَّهَا شُفِيَتْ مِنْ عِلَّتِهَا.” (إنجيل مَرقُس 27:5-29)
ومُباشرةً توقَّف يسوع والتفتَ وقال: من لمَسني؟ فأجابه تلاميذه: الكُل يُزاحِمكَ يا رب وها أنتَ تقول من لمَسني؟ لكنَّه أصرَّ قائلاً: هناك لمسة غير عاديَّة وقوَّة خرجت منِّي، فمن لمَسني؟ طبعاً السُّؤال الذي طرحهُ الرَّب يسوع هنا لم يكُن لأنَّه لا يعلم من الذي لمسَه، فهو الإله الكُلِّيّ المعرفة والعالِم بكل شيء، لكنَّه قال ذلك لكي تشهد المرأة أمام الجميع بما حصل معها وتكون شهادتها عِبرة وبرَكة لغيرها. فاقتربت منه المرأة خائفة ومُرتَبِكة وأخبرته أمام الجميع بما فعلَت، فأثنى عليها قائلاً لها: إيمانكِ قد شفاكِ.
“وَحَالَمَا شَعَرَ يَسُوعُ فِي نَفْسِهِ بِالْقُوَّةِ الَّتِي خَرَجَتْ مِنْهُ، أَدَارَ نَظَرَهُ فِي الْجَمْعِ وَسَأَلَ: «مَنْ لَمَسَ ثِيَابِي؟ «فَقَالَ لَهُ تَلاَمِيذُهُ: «أَنْتَ تَرَى الْجَمْعَ يَزْحَمُونَكَ، وَتَسْأَلُ: مَنْ لَمَسَنِي؟ «وَلَكِنَّهُ ظَلَّ يَتَطَلَّعُ حَوْلَهُ لِيَرَى الَّتِي فَعَلَتْ ذَلِكَ. فَمَا كَانَ مِنَ الْمَرْأَةِ، وَقَدْ عَلِمَتْ بِمَا حَدَثَ لَهَا، إِلاَّ أَنْ جَاءَتْ وَهِيَ خَائِفَةٌ تَرْتَجِفُ، وَارْتَمَتْ أَمَامَهُ وَأَخْبَرَتْهُ بِالْحَقِيقَةِ كُلِّهَا. فَقَالَ لَهَا: «يَاابْنَةُ، إِيمَانُكِ قَدْ شَفَاكِ. فَاذْهَبِي بِسَلاَمٍ وَتَعَافَيْ مِنْ عِلَّتِكِ!«” (إنجيل مَرقُس 30:5-34)
هذه هي لمسَة الإيمان، لمسَة الشِّفاء الذي نالتهُ هذه المرأة بسبب إيمانها وثقِتها ويَقينها بأنَّ يسوع وحده هو الطَّبيب الشَّافي والقادر أن يُبرِئها من مرضها دوناً عن كل أطبَّاء العالَم، وقد شعر يسوع بلَمسَتها من بين كل اللَّمسات لأنَّها لم تكُن لمسة عاديَّة بل لمسَة ضعف وعجز وحاجة والأهمّ من كل ذلك أنَّها لمسَة إيمان حقيقي وثِقة مُطلَقة بقُدرة الرَّب صانع المعجزات الذي يستطيع كل شيء ولا يعسُر عليه أمر.
لذلك إن كنتَ تُعاني من أيّ مرَض روحي أو جسَدي، أو إن كنتَ تُعاني من أيّ عبوديَّة لأيّ أمر لا يُمجِّد الله ويمنع عنك البرَكة، فاقترِب إلى الله بقلب تائب والمِسهُ في صلاتِك لمسَة صِدق وإيمان، وكُن على يقين بأنَّك ستنال الشِّفاء من الطَّبيب العظيم القادر أن يشفي إلى التَّمام، وليكُن لِسان حالك دائماً:
“اِشْفِنِي يَارَبُّ فَأُشْفَى. خَلِّصْنِي فَأُخَلَّصَ، لِأَنَّكَ أَنْتَ تَسْبِيحَتِي.” (سِفر إرميا 14:17) AVD
مقالات مُشابِهة
أين ستقضي الأبدية؟
الطريق الوحيد
الرجاء المؤكَّد