كانت الأحداث قديماً تُؤَرَّخ بناءً على زمَن حُكم المُلوك والأباطِرة، مثلاً يُقال: “حصلَ هذا الأمر في زمَن حُكم المَلِك فُلان…”، لكنَّ وَضع التَّواريخ بناءً على فترات حُكم المُلوك لم يكُن أمراً ثابتاً في التَّاريخ البشري، فكلَّما تغيَّرَ مَلِكٌ ما تتغيَّر معه التَّواريخ وتوضع تواريخ جديدة للأحداث بحسب زمَن حُكم المَلِك الجديد، ناهيكم عن أنَّ كُلّ شعب كان لديه مَلِكٌ خاصّ به، وبالتَّالي سوف يختلف تأريخ الأحداث من شعب إلى آخر.
لكن وفي مِلء الزَّمان، جاءَ مَلِكٌ غير كُلّ الملوك وقسَمَ بميلاده التَّاريخ إلى قِسمَين، ومنذُ ولادته أصبحت الأحداث جميعها تؤرَّخ وتُنسَب إلى ما قبلَ ميلاده أو بعدَ ميلاده. هذا المَلِك لم يكُن كسائر الملوك فهو ليسَ مَلِكاً أرضيّاً عاديّاً، بل هو سَيِّد الأرض كلّها والمُوجِد لها أصلاً، هو الذي خُلِقَ الكَون به، وهو الذي سينتهي الكَون بنفخة من فمه، هو الذي كانَ مُعادِلاً لله في الجوهَر لكنَّه تركَ عرشَهُ وتنازلَ إلى أرضنا بعدَ أن غَرِقنا بخَطايانا كي يصنع المُصالَحة بيننا وبين الله الآب ويضَع يديه الطَّاهرتَين على كِلَينا ويكون جِسراً يوصلنا إلى السَّماء، هو الذي عاشَ حياةً كاملةً على الأرض بِلا خطيئة كي يترُك لنا مثالاً عن العيش بقَداسة، هو الذي صنعَ المعجزات وشفى العُميان والبُرص ومشى على الماء، هو الذي أقامَ الأموات من قُبورهم، هو الذي تفَرَّدَ في تعليمه عن محبَّة الأعداء وعدم مُجازاة الشَّر بالشَّر، هو البريء الذي حملَ آثامنا ونالَ العقاب العادِل عِوَضاً عنَّا فماتَ ودُفِنَ ثمَّ قامَ من الموت غالباً منتصراً كي يُقيمنا معه في اليوم الأخير، هو الذي غفرَ لصَالِبيه طالباً لهم الغُفران، هو الذي صعدَ إلى السَّماء بعد قيامته وجلسَ في يمين العظَمة في الأعالي كي يشفع فينا كلّ حين ويُعِدَّ لنا مَنازِلَ ليُكافئنا بها حين نلقاهُ في المجد الأبدي، هو الذي سيأتي ثانيةً كي يُدين الأحياء والأموات ويُحاسب كل من لم يؤمن به، هو الذي أتى من عذراء قبل حوالي 2024 سنة وتمَّمَ بوِلادته المُعجزيَّة جميع نُبوءات الأنبياء التي تحدَّتث عنه في العهد القديم، نعم هذا هو يسوع المسيح مَلِك المُلوك ورَبُّ الأرباب الذي قسمَ بميلاده التَّاريخ إلى نِصفَين.
لكن قد يتساءل أحد ويقول: كيف يمكن أن يكون المسيح مَلِكاً إن كانَ قد صُلِبَ ولم يستطع حتَّى أن يُنقِذ نفسه؟ ألم يستطع أن يطلب جُنداً من الملائكة كي تحميه وتنقذه من أيدي المُجرِمين؟ فلماذا استسلمَ ولم يفعل ذلك؟
الإجابة تكمُن في صفحات الكتاب المقدَّس الذي يسرد لنا خطَّة الله لخَلاص البشر منذُ البدء، فمجيء المسيح وصَلبه وقيامته تمَّت بحسب المشيئة الإلهيَّة وتتميماً للنُّبوءات الكثيرة التي تحدَّثت عن ذلك، والمسيح اختارَ بمِلء إرادته أن يترك عرشه ويتواضع ويتجسَّد بهيئة بشر كي يتمِّم العدالة الإلهيَّة بنفسه ويكون صِلَة الوَصل بيننا وبين الله الآب الذي كانت خطايانا فاصِلة بيننا وبينه. فالمسيح لم يؤسِّس ملَكوتاً أرضيّاً بل ملَكوتاً سماويّاً ومملَكة روحيَّة هي كنيسته التي اقتناها بدَمهِ، وهو الآن يَملك على قلوب المؤمنين به ويَسود على كل هذا الكَون وعلى التَّاريخ أيضاً، وهو وعدَ بأنَّ ملَكوته سيبقى ثابتاً إلى الأبد.
“وَفِي عَهْدِ هَؤُلاَءِ الْمُلُوكِ [يقصد الأباطرة الرومان] يُقِيمُ إِلَهُ السَّمَاوَاتِ مَمْلَكَةً لاَ تَنْقَرِضُ إِلَى الأَبَدِ، وَلاَ يُتْرَكُ مُلْكُهَا لِشَعْبٍ آخَرَ، وَتَسْحَقُ وَتُبِيدُ جَمِيعَ هَذِهِ الْمَمَالِكِ. أَمَّا هِيَ فَتَخْلُدُ إِلَى الأَبَدِ.” (سِفر دانيال 44:2)
هذا المَلِك يدعوكَ اليوم كي تخضع له وتؤمن بما فعله من أجلك قبل فوات الأوان، لأنَّك بلا عُذر بعد الآن ولأنَّه لم يترك نفسهُ بلا شاهد، وانقسام التَّاريخ هو أكبر تذكير لكَ ولغيرك بأنَّ هناكَ مَلِكاً عظيماً وُلِدَ في القرن الأوَّل الميلادي وغيَّر بوِلادته وجه التَّاريخ قاسماً إيَّاه إلى نصفين، فسَلِّم حياتك لهُ دون ترَدُّد واجعلهُ مَلِكاً عليها، واطلُب منه أن يُولَد في قلبك ويجعل منك إنساناً جديداً كي يصبح تاريخ ولادته في حياتك نقطة تحوُّل بين ما قبل الإيمان وما بعده.
“قَدِ اكْتَمَلَ الزَّمَانُ وَاقْتَرَبَ مَلَكُوتُ اللهِ. فَتُوبُوا وَآمِنُوا بِالإِنْجِيلِ!” (إنجيل مَرقُس 15:1)
مقالات مُشابِهة
الفرح والسلام الحقيقي
النضج الروحي المبكر
أقوال مسيحية شهيرة