هذه قصَّة حقيقيَّة لشخص كان يضطِّهد كل من لا يؤمن بنفس مُعتقده، لكن ما رآهُ في الحُلم كان السَّبب في كشف الغشاوة عن عينيه وجعله إنساناً جديداً.
نشأَ زياد وكَبُرَ وهو يتَّقي الله ويُحاول أن يُرضيه، فهو يصوم ويُزَكِّي ولا يترك فرض صلاة دون أن يتمِّمه. لكنَّه كَبُرَ مُعتقداً بأنَّ كل الذين يعتنِقون ديانة أُخرى غير ديانته، هُم كُفَّار ومصيرهم نار جهنَّم. كان يشعُر بقشعَريرة وانزعاج كُلَّما رأى نموذجاً مُصغَّراً للصَّليب. فإن كان الصَّليب من خشَب يُسرِع ويُحرقه، وإن كان من زُجاج يكسِرهُ، وإن كان من فضَّة أو من ذهب يدوسهُ بقدَمهِ ويطمِرهُ في التُّراب.
وفي إحدى المرَّات رأى فِتيةً يلعبون الكُرة وكان أحدهم يرتدي قِلادة ذهبيَّة مُعلَّق فيها نموذج للصَّليب، كان الولد يسعُل بشدَّة ويكاد يختنق بسبب نَوبَة الرَّبو التي انتابتهُ بعد الرَّكض واللَّعب لساعات مع أصدقائه الآخرين الذين راحوا يحاولون فعل أيّ شيء لصديقهم كي يتنفَّس، فأسرعَ زياد وانتشلَ القِلادة من رقبة الصَّبي دون أن يفكِّر في مُساعدته أو يصطحِبهُ لأقرب صيدليَّة، ومشى في طريقهِ والقِلادة لا تزال في يده ثمَّ رماها بعيداً في التُّراب. بعد عدَّة ساعات عَلِمَ زياد بأنَّ الصَّبيّ قد مات نتيجة نَوبَة الرَّبو لأنَّه لم يستعمل البخَّاخة الخَّاصة للتَّنفُّس في تلك النَّوبات، فاضطَّربَ زياد وشعرَ بتأنيب الضَّمير على الرّغم من أنَّ الشّرطة أعلنت أنَّ موت الفتى كان نتيجة أزمة تنفُّس تفاقمَت بسبب الرَّكض المستمرّ، إلَّا أنَّ زياد لم يُفارقهُ الإحساس بالذَّنب.
الرؤيا
في تلك اللَّيلة عينها غفى زياد بعد جهدٍ جهيد، فرأى نوراً بهيئة إنسان مثقوب الرِّسغين والقدمين يقترب منه ويقول له: زياد زياد لماذا تضطَّهِدني؟
فاستيقظَ مرعوباً من ذاكَ الحُلم، وحين حاولَ النَّوم ثانيةً رأى نفس الحُلم ونفس الرَّجُل صاحب الثُّقوب الذي يُردِّد عليه نفس الكلمات، استفاقَ مذعوراً من الخوف. لم يكُن يعلَم زياد أنَّ نفس هذه الكلمات قالها المسيح حين ظهرَ لشاوُل (بولُس الرَّسول) الذي كان أحد مُضطَّهِدي المسيحيِّين الأوائل.
“… شَاوُلُ! شَاوُلُ! لِمَاذَا تَضْطَهِدُنِي؟” (أعمال الرُّسل 4:9)
ذهب زياد لأحد رجال الدِّين وأخبرهُ بالحُلم الذي يؤرِّق مضجعه، وكُلّه أمل بأنَّه سيفسِّرهُ له ويُعطيه حلّاً يُنقِذهُ ممَّا هو فيه. لكنَّ رَجُل الدِّين لم يستطع أن يساعدهُ بشيء، بل اتَّهمهُ بالكُفر والابتعاد عن الإيمان القويم وأمَرهُ بالتَّوبة والرُّجوع إلى الله.
لاحقاً وبعدَ يأس زياد وتكرار الحُلم بشكل مستمرّ، ذهبَ أخيراً لرَجُل دين مسيحي (قِسّ) وحكى له كل شيء عَلَّهُ يجد عندهُ جواباً على أسئلته، فابتسمَ القِسّ وأعطاهُ كتاباً وقال له: خُذ هذا الإنجيل يا بُنَيّ واقرأهُ وستجد فيه أجوبةً عن أسئلتك. وكالأرض العطشى كانت روح زياد ترتوي من ماء الكَلِمة كلمَّا قرأ في الإنجيل، وفُتِحَت عينيه على الحقيقة وفَهِمَ أنَّ ثُقوب اليدين والقدَمين التي كان يراها هي مكان المسامير التي دُقَّت في جسد يسوع المسيح، فآمنَ بالرَّب وبخلاصه العظيم وتاب عن كل خطاياه.
لن أستطيع أن أُخبركم عن جميع تعامُلات الرَّب مع زياد لأنَّ الكلام سيطول كثيراً، لكن زياد اليوم يُبشِّر النَّاس ويُخبرهم بأنَّ يسوع هو المُخلِّص الوحيد والشَّفيع الوحيد والطَّريق الوحيد للسماء. ويشهد أمام الجميع بأنَّه بعد أن تكبَّرَ كثيراً وتجبَّر، إلَّا أنَّه تابَ أخيراً وتحرَّر.
“فَإِنْ حَرَّرَكُمْ الاِبْنُ تَصِيرُونَ بِالْحَقِّ أَحْرَاراً.” (إنجيل يوحنَّا 36:8)