the galaxy in blue and light colors

لكي نُجيب على هذا السؤال يجب أن نثق بقُدرة أذهاننا على الوصول لاستِنتاجات منطقيَّة، وهذا غير ممكن دون أن يكون هناك تصميم هادف لهذه الخليقة، هذه الفكرة التي سنتوسَّع فيها في هذا المقال.

يبدأ قانون الإيمان المَسيحي بالقَول: “نؤمن بإلهٍ واحِد، أَبٍ ضابِط الكُل، خالِق السَّماوات والأرض، كُل ما يُرى وما لا يُرى…”. لكن هل بإمكانِنا حقّاً أن نُدرِك وُجود هذا الإله؟ يُخبِرنا بولُس الرَّسول أنَّ الله أظهَرَ وُجودَهُ للعالَم:

ذَلِكَ لأَنَّ مَا يُعْرَفُ عَنِ اللهِ وَاضِحٌ بَيْنَهُمْ، إِذْ بَيَّنَهُ اللهُ لَهُمْ.
رِسالة بولُس الرَّسول إلى أهل روما 19:1

لكن كيفَ ذلك؟ يُكمِل بولُس ويقول:

فَإِنَّ مَا لَا يُرَى مِنْ أُمُورِ اللهِ، أَيْ قُدْرَتَهُ الأَزَلِيَّةَ وَأُلُوهَتَهُ، ظَاهِرٌ لِلْعِيَانِ مُنْذُ خَلْقِ الْعَالَمِ، إِذْ تُدْرِكُهُ الْعُقُولُ مِنْ خِلاَلِ الْمَخْلُوقَاتِ. حَتَّى إِنَّ النَّاسَ بَاتُوا بِلاَ عُذْرٍ.
رِسالة بولُس الرَّسول إلى أهل روما 20:1

الكَلِمة المُتَرجَمة “ظاهِرٌ لِلعَيان” تُفيد وُضوح الشَّيء المُعلَن، أي أنَّ الوُجود نَفسَهُ المُتَمَثِّل بالخَليقة يُظهِر وُجود الخالِق لِلبَشَر بِشَكل واضِح ولا يَقبَل الشَّك، مِمَّا يَجعَل النَّاس أمامَ الله بِلا عُذر، الكَلِمة المُتَرجَمة “بِلا عُذر” تَعني أيضاً بِلا حُجَّة دِفاعِيَّة لذلك عِندَما يَقِف الإنسان أمامَ الله في اليَوم الأخير فَليسَ لَدَيهِ حُجَّة يُقَدِّمها لله تُمَكِّنهُ من القَول للخالِق أنَّكَ لم تُعلِن لي عن وُجودِك. نَفهَم من ذلك أنَّ كَتَبَة الوَحي كانوا يَفتَرِضونَ مُسبَقاً أنَّ الله مَوجود، وبِحَسَب الكِتاب المُقَدَّس فإنَّ وُجود الله هو أَمر بَديهي ومُسَلَّم بهِ ويَجِب أن يُدرَك من الإنسان، وذلك لأنَّ:

god the father in arabic

أوّلاً: الله أساس كل معرفة

نحنُ كبَشَر نَعرِف أنَّ الله مَوجود لأنَّ الله هو أساس كُل مَعرِفة، ولأنَّ وُصولَنا لِهَكذا استِنتاج يَعتَمِد على عُقولِنا التي تَفتَرِض في تَفكيرِها وُجود نِظام في الخَليقة. تَخَيَّل أنَّ أحَدهُم يَجلِس في الهَواء الطَّلق ويَستَنشِق الأوكسِجين ويَقول أن لا وُجود لِمادَّة الأوكسِجين، فإنَّ حُجَّتَهُ تَكون غَير مَقبولة أبَداً، لأنَّهُ يُناقِض أَمراً بَديهِيّاً يَعتَمِد عليهِ كُلِّيّاً لِكَي يَعيش ثُمَّ يَقول أنَّ هذا الأَمر غَير مَوجود. فهَل هذا مَنطِقي؟ كذلِكَ الذي يُنكِر وُجود الله فإنَّهُ يَعتَمِد على شَيء يَستَخدِمهُ ويَفتَرِض وُجودَهُ مُسبَقاً ألا وهو إمكانِيَّة الوُصول لِلأدِلَّة العِلمِيَّة، الأَمر الذي يُحَتِّم وُجود نِظام في الخَليقة، هذا النِّظام الذي لا يُعقَل أن يكون مَوجوداً لو كانَ الوُجود حَقّاً لا يَتعَدى الأشياء المادِّيَّة كَما يَعتَقِد هو.

يَقول كورنيليوس فان تيل: “الحُجَّة الأقوى لإثبات وُجود الله أنَّهُ مِن دُون الله لا يُمكِنكَ أن تُثبِت شَيء”. هو يَقصِد أنَّنا نَعرِف أنَّ الله مَوجود لأنَّ مِن دُون الله لا يُمكِننا أن نَعرِف شَيء. هذا يَعني أنَّ كُل مُلحِد يُريد تَقديم حُجَج ضِد وُجود الله فهو مُضطَرّ أن يَفتَرِض مُسبَقاً قَوانين المَنطِق والنِّظام في الطَّبيعة، الشَّيء الذي لا يَتَوَفَّر في الخَليقة إلَّا بِوُجود الله، لأنَّ الوُجود لَو اقتَصَرَ على الأشياء المادِّيَّة كَما يَعتَقِد المُلحِدون، فَكيفَ يَكون هُناكَ شَيء يُسَمَّى قوانين المَنطِق وهيَ ثابِتة دائِماً لا تتَغَيَّر؟ هذهِ القَوانين التي يَصِل من خِلالِها المُلحِد إلى القَول أنَّ الله غَير مَوجود هيَ لا تَعتَمِد على وُجود البَشَر لِكَي تَكون صَحيحة، يَعني أنَّ فِكرَة أن “لا وُجود لِلبَشَر” كانَت صَحيحة قَبلَ وُجود البَشر على الأرض، حتَّى لو لم يَكُن هُناكَ أحَد مَوجود لِكَي يُفَكِّر بِها. السُّؤال الذي يَطرَح نَفسَهُ هو كيفَ يُمكِن لقِوَى عَمياء في الطَّبيعة أن توجِد النِّظام الكَوني؟ إن كانَ الكَون هو نِتاج الصُّدفة والوَقت اللَّذانِ يَعمَلانِ على المادَّة فَكيفَ بإمكانِنا أن نَثِق أنَّ أدمِغَتَنا بإمكانِها الوُصول لِأيّ فِكرة عن هذا الكَون وبالأخَصّ فِكرَة أنَّ الله غَير مَوجود؟ لا يُمكِن الوُثوق بالدِّماغ إن كانَ وُجودَهُ مُقتَصِر على التَّفاعُلات الكيميائِيَّة دُونَ وُجود الإدراك الذَّاتي الحِسِّي الذي يَفوق تَفاعُلات الجِهاز العَصَبي، نَفهَم بذلك أنَّ قابِلِيَّة أدمِغَتِنا لِلوُصول إلى نَتائِج مَنطِقِيَّة، تَتَطَلَّب وُجود نِظام في الخَليقة مِمَّا يَقودنا لِوُجود الله.


لا يُمكِن الوُثوق بالدِّماغ إن كانَ وُجودهُ مُقتَصِر على التَّفاعُلات الكيميائيَّة


يَصِل كورنيليوس فان تيل لِاستِنتاج حَتمي في كِتابهِ (الدِّفاع عن الإيمان) أنَّ الذينَ هُم ضِد وُجود الله فإنَّهُم يَفتَرِضونَ مُسبَقاً أنَّهُ مَوجود. فَالمُلحِد عليهِ أن يَستَخدِم قَوانين الطَّبيعة ومِنها قَوانين المَنطِق لِيُبَرهِن عَدَم وُجود الله، وبِحَسَب المُلحِد فإنَّ الوُجود هو نَتيجَة الصُّدفَة وليسَ التَّصميم، الإنتِقاء العَشوائي وليسَ النِّظام، وهذهِ الفَرَضِيَّات تُشَكِّك في قابِليَّة تَصديقنا للإستِنتاجات التّي نَصِل إليها عن الوُجود، لأنَّهُ كيفَ لِلفَوضى أن تُنشِئ نِظام وبِالصُّدفة؟ المُلحِد عَبرَ حُجَجِه تِلك يأخُذ مِمَّا صَنَعَهُ الله ويُهاجِمهُ بِهِ في نَفس الوَقت، وهو يَعتَمِد أيضاً على النِّظام والتَّصميم في تَصَوُّرِهِ لِلكَون لِكَي يَبني عليهِما حُجَّتَهُ، مِمَّا يَجعَلهُ غَير مُتَوافِق مع وُجهَة نَظَرِهِ حَولَ تَصَوُّرِهِ للكَون، وهذا يُبطِل حُجَّتَهُ تَماماً لأنَّ تَصَوُّرِهِ لِلكَون لا يَتَمَتَّع بالتَّوافُق والتَّرابُط في تَركيبِه، الأَمر الذي يَجعَل هذا التَّصَوُّر خاطِئ بِالمُطلَق.

ثانياً: معرفة الله مُتأصِّلة فينا

نَعرِف أنَّ الله مَوجود لأنَّ مَعرِفَة الله مُتَأصِّلة بِكُل البَشَر إذ إنَّها مَغروسة بالفِطرة في أذهانِهِم. يَقول جون كالفِن: “…أنَّ عِبادَة الأوثان في حَدِّ ذاتِها بُرهان وافٍ على هذهِ الحَقيقة. نَحنُ نَعلَم أنَّ الإنسان لا يَضَع نَفسَهُ بإرادَتِهِ لِيَرفَع مَخلوقات أُخرى فَوقَهُ. إذاً، اختِياره أن يَعبُد الخَشَب والحَجَر كَي لا يُقال لَيسَ لَهُ إله، يوضِح كَم هِيَ قَوِيَّة فِكرَة الكائِن الإلهي هذا عِندَهُ، حَيثُ أنَّ طَمسَها مِن ذِهنِهِ أشَدّ صُعوبة مِن تَغيير مُيولِهِ الطَّبيعِيَّة لأنَّ هذهِ حَتماً تتغَيَّر عِندَما يَهبِط الإنسان طَوعاً مِن غَطرَسَتِهِ الطَّبيعية إلى الأعماق لِتَكريم الله.” كتاب اسس الدين المسيحي ج1 جون كالفن – دار منهل الحياة و كلية اللاهوت الشرق الادنى – تحميل. الإنسان في قَرارَة نَفسِهِ يَعرِف أنَّ الله مَوجود لكِنَّهُ يَحجِز هذهِ المَعرِفة، يَقول الكِتاب المُقَدَّس عن هَؤلاء:

…”الَّذِينَ يَحْجُبُونَ الْحَقَّ بِالإِثْمِ.”
رِسالة بولُس الرَّسول إلى أهل روما 18:1


الإنسان في قَرارَة نَفسِهِ يَعرِف أنَّ الله مَوجود لكِنَّهُ يَحجِز هذه المَعرِفة


إنَّ التَّفَكُّر في عَظَمَة الخَليقة مِن حَولِنا بالإضافة إلى مَعرِفَتِنا لذَواتِنا سَتَقودُنا حَتماً الى مَعرِفَة وُجود الله، الذي خَلَقَنا على صورَتِهِ ومِثالِه. تَخَيَّل مَعي أنَّ وُجودَك هو نَتيجَة انتِقاء طَبيعي عَشوائي وأنَّكَ سَوفَ تَندَثِر بَعدَ المَوت، وتَخَيَّل أنَّ كُل حَواسك ومَشاعِرك وعَواطِفك جَميعها لا تَتخَطَّى كَونَها مُجَرَّد تَفاعُلات كيميائِيَّة في الجِسم دُونَ أن يَكون لَها بُعد أسمى ومَعنى حَقيقي، تَخَيَّل أنَّ كُل شَرّ في هذهِ الدُّنيا لن يُعاقَب وأنَّ الظُّلم سَيَسُود والعَدل لا وُجودَ لَهُ، لا يُمكِن للإنسان العاقِل أن يَتَقَبَّل هذهِ الأشياء. لا نُنكِر أنَّ الإنسان لدَيهِ مَعرِفة، لكِنَّها مَعرِفة مُستَعارة، مَأخوذَة مِنَ الرُّؤية المَسيحِيَّة لِلوُجود، فهو لَيسَ لدَيهِ مَعرِفة مُتَأصِّلة في ذاتِهِ بَعيداً عن وُجود الله، لأنَّهُ من حَيثُ مَبدَئِهِ فإنَّ تَفكيرَهُ لا يُمكِن أن يَكون لَهُ أيّ مَعنى دُونَ الاِستِناد إلى الرُّؤية المَسيحِيَّة لِلكَون، لِتَكون بذلك المَعرِفَة التي لَهُ هي لَيسَت حَقّاً مُلكهُ. إذا صَحِيَ ضَمير السَّارِق وقَرَّرَ أن يَتوب، فهو إمَّا سَيَتَوَقَّف عن السَّرِقة أو سَيضطَرَّ لِقَول الصِّدق. وإذا كانَ الإنسان مُخلِصاً لِافتِراضاتِه وقَناعاتِهِ المُسبَقة، فهو إمَّا سَيَعتَرِف بأنَّهُ لَيسَ لدَيهِ مَعرِفة على الإطلاق ولا يُمكِنهُ مَعرِفَة أيِّ شَيء، أو أنَّهُ سَيَستَخدِم ما خَلَقَهُ الله ويَعتَمِد على الخالِق في مَعرِفَتِهِ باعتِبارِ أنَّ الله هو المَصدَر الوَحيد فقَط لِلمَعرِفة والمَبدَأ الحَقيقي لِلفَهم.

يؤكِّد الإيمان المَسيحي أنَّهُ بِمَعزِل عن الله لا يُمكِن فَهم شَيء حَقّاً، لأنَّ كُل ما في الكَون قَد خَلَقَهُ الله ولا يَستَمِدّ مَعناهُ إلَّا مِن إرادَتِهِ السِّيادِيَّة وهَدَفِهِ الخَلَّاق.

السَّمَاوَاتُ تُحَدِّثُ بِمَجْدِ اللهِ، وَالْفَلَكُ يُخْبِرُ بِعَمَلِ يَدَيْهِ بِذَلِكَ تَتَحَادَثُ الأَيَّامُ أَبْلَغَ حَدِيثٍ، وَتَتَخَاطَبُ بِهِ اللَّيَالِي. لاَ يَصْدُرُ عَنْهَا كَلاَمٌ، لَكِنَّ صَوْتَهَا يُسمَعُ وَاضِحاً.
سِفر المَزامير 1:19-3


مقالات مُشابِهة

كيف يعمل الله في العالم؟
الله يستخدم الناس العاديين
ماذا يعني أن الله روح؟
الله يملك قلباً رحيماً


تبغى تتواصل مع مسيحي؟ تواصل معنا بكل امان الحين.