إن أرادَ أحَد اعتِناق المَسيحِيَّة، فعَليهِ أن يَتوب ويؤمِن بفِداء المسيح، أي بأنَّ المسيح ماتَ وقامَ في اليَوم الثَّالِث لكي يصنَع فِداءً لكُل من يؤمِن بهِ من بَني البشَر.
إن كنتَ تريد أن تُصبح مسيحي أو تريدين أن تُصبحي مسيحيَّة، فمن المُهمّ أن تُدرِك المفاهيم الأساسيَّة للإيمان المسيحي، كما يجب أن تتبع خطوات عمليَّة في طاعتك للمسيح. لكي تعتنق المسيحيَّة يجب أن تؤمن بما تُعلِّمه وأن تُطيع هذه التَّعاليم. إن صِرتَ مسيحيّاً فهذا يعني أنَّ المسيح أصبحَ سيِّداً ورَبَّاً على حياتك، ممَّا يعني أنَّ عليكَ طاعة وصاياه مُتمثِّلاً به حتَّى تصير مُشابهاً له أكثر فأكثر مع تقدُّمكَ في الحياة الرُّوحيَّة.
ما هي رسالة المسيح؟
قبلَ خِدمَة المسيح ظهَر شَخص اسمهُ يوحَنَّا المَعمَدان، كانَ هدَف هذا الرَّجُل هو تَحضير الشَّعب لمَجيء المسيح، وتُلَخَّص رسالَتهُ تِلك في الإعلان الذي نادَى بهِ لِلجُموع قائِلاً:
“قَدِ اكْتَمَلَ الزَّمَانُ وَاقْتَرَبَ مَلَكُوتُ اللهِ. فَتُوبُوا وَآمِنُوا بِالإِنْجِيلِ!” (إنجيل مَرقُس 15:1)
العنصُر الأوَّل في هذه الدَّعوة هو طَلَب التَّوبة، أمَّا العنصُر الثَّاني فهو الإيمان بالإنجيل، ثُمَّ بعدَ ذلك عَمَّدَ يوحَنَّا التَّائِبين كإشارة للتَّطهير الرُّوحي وإعلانهم لقُبول الإيمان. دَعوَة يوحَنَّا هذهِ كانَت مَبنِيَّة على ما سيَقوم بهِ المسيح واقتِراب ذلك الحدَث، ألا وهو تأسيس المسيح للملَكوت. ودعوة النَّاس للتَّوبة بدأها المسيح حين كان على وَشك أن يُؤَسِّس الملَكوت، وذلك لأنَّه يريد خلاص النُّفوس وضَمّهم إلى الكنيسة ليعكِسوا صورته في هذا العالَم، أي ليكونوا نوراً للعالَم ومِلحاً للأرض.
قبلَ صُعود المسيح للسَّماء أوصى التَّلاميذ بأن يَكرِزوا بالإنجيل للخَليقةِ كُلِّها، ونقرأ في سِفر أعمال الرُّسل كيفَ أنَّ وَصايا يسوع دَخلَت حَيِّز التَّنفيذ بعدَ صُعودهِ للسَّماء مُباشرةً حينَما بدأَ الرُّسل بالكِرازة بأنَّ يسوع هو المسيح ابنُ الله، وبأنَّهُ ماتَ وقامَ في اليوم الثَّالث صانِعاً بِدَم صَليبهِ المُصالَحة بيننا وبين الله، وساتِراً عنَّا ذُنوبنا. وكانت هذهِ الدَّعوة شَبيهة بدَعوة يوحَنَّا لكِنَّها أصبَحَت مُكتَمِلَة المَعالِم، فملَكوت الله الرُّوحي الخَلاصي قَد أُسِّسَ وسَوفَ يتَوَسَّع ليَشمل مؤمِنين من جَميع الأُمَم. أتَت الدَّعوة الأولى من بطرُس بعدَ تَذكير الشَّعب اليَهودي بخَطاياهُم ومِنها صَلب المسيح. وعندما سمعَ اليَهود عِظة بطرُس نُخِسوا في قُلوبِهِم وأرادوا حَلّاً يُكَفِّر عن ذُنوبِهم:
“فَلَمَّا سَمِعَ الْحَاضِرُونَ هَذَا الْكَلاَمَ، وَخَزَتْهُمْ قُلُوبُهُمْ، فَسَأَلُوا بُطْرُسَ وَبَاقِي الرُّسُلِ: مَاذَا نَعْمَلُ أَيُّهَا الإِخْوَةُ؟ أَجَابَهُمْ بُطْرُسُ: تُوبُوا، وَلْيَتَعَمَّدْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ بِاسْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، فَيَغْفِرَ اللهُ خَطَايَاكُمْ وَتَنَالُوا هِبَةَ الرُّوحِ الْقُدُسِ” (سِفر أعمال الرُّسُل 37:2-38)
ما هي التوبة؟
التَّوبة كَلِمة وَرَدَت كَثيراً في الكِتاب المُقدَّس، الكَلِمة العِبرِيَّة المُستَخدَمة للتَّوبة في العَهد القَديم تَعني تَغيير مَسار الطَّريق¹، فالشَّخص التَّائِب هو الذي يُغَيِّر طُرُق الخَطيئة ويَسلُك في طُرُق البِرّ التي يَرسُمها لَهُ الله. والكَلِمة اليونانِيَّة المُستَخدَمة للتَّوبة في العَهد الجَديد تَعني تَغيير الفِكر²، لأنَّ التَّائِب هو الذي يُغَيِّر الله فِكرهُ ليَتَوافَق مع فِكر المسيح فيَسعى لحَياة الطَّاعة والبِرّ.
تتضَمَّن التَّوبة النَّدَم، فتَحمِل في طَيَّاتِها ليسَ تَقييماً فِكرِيّاً فَحَسب، بَل أيضاً استِجابة عاطِفِيَّة وعَميقة. يَرتَبِط شُعور التَّوبة بالنَّدَم والشُّعور بالأسَف حِيالَ التَّصَرُّف بطَريقة مُعَيَّنة. وقَد خَسِر الإنسان الشَّرِكة مع الله لأنَّهُ سارَ بَعيداً عنهُ ومالَ في الطُّرُق الرَّديئة.
إذاً التَّوبة هي دَعوة لِلعَودة إلى المَكان الذي يجِب أن نَكونَ فيهِ بالأساس، أي إلى مَحضَر الله والشَّرِكة معَهُ بالإعلان عن الاِلتِزام بِطاعَة المسيح، لذلك الحَلّ يَتِمّ عن طَريق التَّوبة والإيمان وتَسليم الحَياة للرَّب يسوع المسيح، لأنَّهُ الوَحيد الذي صَنَعَ الكَفَّارة.
جَوهَر الإيمان المسيحي هو الغُفران المَبني على النِّعمة، والذي نَحصُل عليهِ بالتَّوبة والإيمان بفِداء المسيح، وهذهِ النِّعمة هي الهِبة المَجَّانِيَّة التي لا نَستَحِقَّها والتي تُعطينا الخَلاص، أي تُنَجِّينا من دَينونَة الله للبشَر في اليَوم الذي سَيُدين فيهِ الأحياء والأموات.³
جَوهَر الإيمان المسيحي هو الغُفران المَبني على النِّعمة
الولادة الجديدة
الخَلاص النَّاجِم عن التَّوبة مُقَدَّم مجَّاناً لكُل من يؤمِن بالمسيح ويَقبَلهُ مُخَلِّصاً شَخصِيّاً ومَلِكاً وَحيداً على حياتِه، المسيح الذي بِواسِطَة دِمائهِ مَنحَ الخَلاص الأبَدي للمؤمنين. تُسمَّى هذه المرحلة بالوِلادة الجديدة (يوحنَّا 3:3) أو الوِلادة من فَوق، وتتمّ عبر عمَل الرُّوح القدُس في حياة الإنسان لكي يقودهُ لمعرفة الرَّب. يقول يوحنَّا الرَّسول:
“كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ حَقّاً أَنَّ يَسُوعَ هُوَ الْمَسِيحُ، فَهُوَ مَوْلُودٌ مِنَ اللهِ. وَمَنْ يُحِبُّ الْوَالِدَ، فَلاَبُدَّ أَنْ يُحِبَّ الْمَوْلُودِينَ مِنْهُ أَيْضاً.” (رسالة يوحنَّا الأولى 1:5)
صيغة الفِعل اليوناني الثَّاني في هذه الآية المُترجَم للعربيَّة “مَولود” تُفيد أنَّ الوِلادة حصلَت قبل الفِعل الأوَّل “يؤمن”. هذا يعني أنَّ التَّجديد يَسبِق التَّوبة ويُعَرِّف ذلك أحَد اللَّاهوتيِّين: “التَّجديد أو الوِلادة الجَديدة هو عمَل نِعمة الله الذي فيهِ يُصبِح المؤمِنون مخلوقات جديدة في المسيح يسوع. هو تغيير في القَلب يُحدِثهُ الرُّوح القدُس من خِلال التَّبكيت على الخَطيئة، ويستَجيب لهُ الخاطِئ بالتَّوبة نحوَ الله والإيمان بالرَّب يسوع المسيح. اختِبارَي التَّوبة والإيمان الحَقيقي لا يُمكِن فَصلهُما عن نِعمة الله”.⁴ وبِناءً على التَّجديد الذي يقودنا للتَّوبة والإيمان نتبَرَّر أمامَ الله، وهذا التَّبرير هو تَبرِئة الله الكامِلة بحسب بِرِّهِ لجميع الخُطاة الذينَ تابوا وآمَنوا بالمسيح. فالتَّبرير يقود المؤمِن إلى سَلام مع الله.⁵
هذا يُعلِّمنا أنَّ الخَلاص هو عَطِيَّة مجَّانيَّة، أي هِبة، ونُسميّه بالمسيحيَّة “نِعمة” ونُعرِّفها على أنَّها عَطِيَّة مجَّانيَّة لا نستحَقّها ولا نستطيع الحصول عليها. لا يمكن أن نصير مسيحيِّين من غير الإيمان بعمَل المسيح ولا يمكن أن نتبرَّر أمام الله سِوى عبر عمَل المسيح، لأنَّه الوحيد الذي صنعَ كَفَّارة عن ذُنوبنا.
كيف يمكنك الآن أن تقبل يسوع المسيح ربا ومخلصا لحياتك؟
الخُلاصة هي: إن أرَدتَ أن تُصبِح مَسيحِيّاً فعليكَ أن تَتوبَ أوَّلاً وتؤمِن برِسالَة الإنجيل، بأنَّ المسيح ماتَ من أجل خَطايانا، ودُفِن، ثُمَّ قامَ في اليوم الثَّالث من أجل تبريرنا وليُعطينا رَجاءً بقِيامة الأموات. وهذه التَّوبة تتِمّ بالصَّلاة التي فيها تَدعو الرَّب من كُل قَلبك وتُصَلِّي لَهُ تائِباً عن كُل ذُنوبِك، ثُمَّ تُطيعهُ عبر المعموديَّة وتطلُب منهُ أن يَقودك في حياة الإيمان أكثر وأكثر.
“فَاللهُ الآنَ يَدْعُو جَمِيعَ النَّاسِ فِي كُلِّ مَكَانٍ أَنْ يَرْجِعُوا إِلَيْهِ تَائِبِينَ، وَقَدْ غَضَّ النَّظَرَ عَنْ أَزْمِنَةِ الْجَهْلِ الَّتِي مَرَّتْ (سِفر أعمال الرُّسل 30:17)
هذه الخطوة هي بداية الطَّريق، فلا يمكن للمسيحي أن لا يهتمّ بتعاليم المسيح، فبالإضافة إلى ما ذكرناه وإلى المعموديَّة يجب أن تحصل على تلمَذة مسيحيَّة، وهي إحدى الأُمور التي أوصى بها المسيح تلاميذه، أن يُتَلمِذوا آخَرين (كَونهم تَتَلمَذوا من المسيح شخصيّاً) لكي يُعلِّموهم كلّ ما سبقَ وعَلَّمهُ المسيح، ولاحقاً سيكون دَورك أنت أيضاً أن تُتلمِذ النُّفوس عن ما تعلَّمتَه أنت. فالمسيح اشتَراكَ ودَفعَ ثمَن تحريركَ من خطاياك بدمائهِ الطَّاهرة، لذلك عليكَ أن تَسلُك كما يليق بمَن دُعِيَ عليهم اِسم المسيح، وأن تعكِس صورتهُ للعالَم من حولك لكي يرَوا المسيح فيك، ويُلاحِظوا أعمالك الصَّالحة ويُمجِّدوا أباكَ الذي في السَّماوات.
وَهُوَ نَفْسُهُ (المسيح) حَمَلَ خَطَايَانَا فِي جَسَدِهِ (عِنْدَمَا مَاتَ مَصْلُوباً) عَلَى الْخَشَبَةِ، لِكَيْ نَمُوتَ بِالنِّسْبَةِ لِلْخَطَايَا فَنَحْيَا حَيَاةَ الْبِرِّ. وَبِجِرَاحِهِ هُوَ تَمَّ لَكُمُ الشِّفَاءُ، فَقَدْ كُنْتُمْ ضَالِّينَ كَخِرَافٍ ضَائِعَةٍ، وَلَكِنَّكُمْ قَدْ رَجَعْتُمُ الآنَ إِلَى رَاعِي نُفُوسِكُمْ وَحَارِسِهَا! (رسالة بطرُس الأولى 24:2-25)
- H7725 – šûḇ – Strong’s Hebrew Lexicon (kjv)
- G3340 – metanoeō – Strong’s Greek Lexicon (kjv)
- What Is Repentance? R.C. Sproul.
- Systematic Theology: An Introduction to Biblical Doctrine. Wayne Grudem.
- Ibid
مقالات مُشابِهة
الأساسيات في المسيحية
آيات عن عيد الميلاد
تأملات عيد الميلاد: عيون الإيمان