استخدمَ حِنكتهُ لكي يكسب رِزقهُ عبر أذِيَّة الآخرين، فكيف عادَ عليه هذا الأمر؟
تقطَّعت السُّبل مع جحا الذي يجلس في منزل والديهِ دونَ عمل لأنَّه لم يجد حتَّى الآن عمَلاً مُربِحاً يدرّ عليه الأموال حسَب قَوله. وفي أحد الأيَّام انتَهرتهُ والدتهُ وقالت له: كلّ رفاقك الذينَ في نَفس سِنّك قد تزوَّجوا وأنجَبوا أولاداً وأصبحوا آباء، وها أنتَ عاطِل عن العمل تتنقَّل من مكانٍ لآخر دون فائدة.
فكَّرَ جحا في كلام أُمّه، وقرَّر أن يبحث مُجدَّداً عن عمل يدرّ عليه المال كي يُثبت لها أنّه قادر على تأمين عيشهِ. فذهب إلى أحد النَّجَّارين سائلاً إيَّاه أن يعمل عنده لمدَّة أُسبوع كتجربة، وافقَ النَّجَّار على ذلك وطلبَ من جحا أن يُصغي جيّداً إلى النَّصائح التي سوف يُسديها إليه خلال هذا الأُسبوع، وأن يُركِّز على طريقة العمل كي يتعلَّم ويستفيد.
وبعد أُسبوع طلبَ جحا من النَّجَّار من أن يُعلِّمه كيفَ يصنع عُكّازاً خشبيّاً، وحين أتقنَ الطَّريقة صنعَ عُكّازاً جميلاً ومَتيناً، ثمَّ أخذهُ وقصدَ إحدى المستشفيات طالباً رؤية المسؤول هناك، وعندما رآهُ عرَضَ عليه العُكَّاز وقال له: تفحَّصهُ جيِّداً يا سيِّدي وأخبِرني بكم تشتريه منّي؟ فقال له المسؤول: كل شيء يُثمَّن حسب حاجته، أنا لا أحتاجه، لكن إن كان شخص ما قد كسرَ ساقهُ فسوف يدفع بسَخاء كي يشتري العُكَّاز منك.
حماقة جحا
غادر جحا المستشفى وراح يُفكِّر في الأمر، فقرَّرَ أن يصنع عدداً لا بأسَ به من العكائز، ثمَّ اشترى قِرطاً من الموز وجلسَ في الشَّارع القريب من المستشفى وابتدأ يأكل الموز ويرمي القُشور في الطَّريق، وخلال يوم واحد وقعَت عشرات حوادث الانزِلاق لأشخاص كِبار في السِّن كانوا قد تعثَّروا بقُشور الموز. كان جحا يقف في مكانٍ قريب يُراقب كل من يسقط على الأرض ليركُض إليه بحجَّة المُساعدة حين يقَع ويعرِض عليه شِراء عُكَّازه بثمَن ليس بقليل. وهكذا ازدهرَت تجارة جحا بالعُكَّازات خلال مدَّة قصيرة وباعَ منهم الكثير.
لكن بعد فترة انتبهت المستشفى للأمر ووظَّفت عامِلاً خاصّاً كي يُنظِّف الطَّريق ويُراقب كل من يحاول أن يرمي القُشور. فاغتاظَ جحا، وقرَّر أن ينتقل لتجارة ثانية، فذهب إلى نفس النَّجَّار وقال له: أرجوك علِّمني أن أصنع تابوتاً خشبيّاً، فخاف النَّجَّار من جحا أشَدّ الخوف وقال له: ألا يكفيني أنَّ ساقي كُسِرَت بسبَبك، وأنَّني ما زِلتُ أُعاني منها حتَّى الآن ولم أُشفَ بعد؟ أتُريدني أن أنسى ما فعلتَهُ بي وأن أُعلِّمكَ كيف تصنع تابوتاً، كي أكونَ بذلك أَدُقُّ مسماراً في نَعشي بنَفسي؟ هيَّا اغرُب عن وجهي أيُّها الجاهل فلا أُريد أن أراكَ في دُكَّاني بعد اليوم. وهكذا لم يعُد أحد يُريد أن يُعلِّم جحا أيَّة مِهنة جديدة لأنَّ صِيتهُ ذاعَ في المدينة كُلّها.
العبرة
لا تُعلِّم الجاهل إن كان سيستخدِم ما تعلَّمَهُ للشَّر والأذِيَّة وليسَ لمنفَعة الآخرين، فالكثير من النَّاس يستغِلُّونَ حاجة غيرهم كي يكسبوا رِزقهم بطريقة لا أخلاقيَّة دون التَّفكير إلَّا بأنفُسهم ومصالحهم الخاصَّة. لكن ممَّا لا شَكَّ فيه أنَّ الأعمال الشِّرِّيرة سوف تعود على صاحبها بالشَّر لا محالة.
“رُدَّ عَلَى الْجَاهِلِ حَسَبَ جَهْلِهِ لِئَلاَّ يَضْحَى حَكِيماً فِي عَيْنَيْ نَفْسِهِ.” (سِفر الأمثال 5:26)