سوق فيه عربة خضار

هذه قصَّة حقيقيَّة عايَشتُ أحداثها بنفسي، وهي عن شقيقتين قسَت عليهما الأيَّام لكنَّهما ثابرَتا وحقَّقتا مُبتغاهما دون استسلام.

كانت همسة في التَّاسعة من عمرها وأُختها نسمة في الخامسة من عمرها حين توفِّيَت والدتهما اليتيمة هي الأُخرى والتي تعرَّفت على زوجها وأحبَّته في دار الأيتام حيثُ نشَآ وترَعرعا كلاهما فيه. توفِّيَت الوالدة إثرَ مرضٍ عُضال، وكان الوالد يعتني كثيراً بطفلتيه محاولاً أن يعوِّضهما عن غياب الأُمّ. لكنَّه أُصيبَ بحادث إطلاق نار وهو عائد من عمله وأصبحَ عاجزاً لا يقوى على الوقوف ولا يشعر بساقَيه إطلاقاً.

بعد ذلك اضطُرَّت همسة لأن تكسر الحصَّالة التي كانت والدتها تخبِّئ بداخلها النُّقود لها ولشقيقتها، وأخذت المبلغ الذي فيها ودفعته للنَّجَّار القريب من منزلهم وطلبت منه أن يصنع لها عرَبة زهريَّة اللَّون مع صناديق زهريَّة للخُضار. وهكذا ابتدأت اِبنة التِّسع سنوات تجارتها التي بارَكها الرَّب بها واستطاعت أن تؤمِّن ثمن العلاج الفيزيائي والدَّواء لوالدها والتَّعليم المدرسي لأُختها الصَّغيرة.

المثابرة

مرَّت السَّنوات وكبُرت الأُخت الأصغر نسمة وأصبحت ممرِّضة تعمل في المستشفى القريب من منزلهم وتهتمّ بوالدها الذي كان دائم الحضور للمستشفى بسبب أمراضه الكثيرة. أمَّا الكبيرة همسة فأصبحت صاحبة أكبر متجر للخضروات في المنطقة، وأصبح يقصدها الكثير من النَّاس من مختلف المناطق كي يشتروا منها الخضار الطَّازجة والفاكهة.

وذات يوم اجتمعت هي وشقيقتها ووالدهما، فقال لهما: لقد أثقلتُ كاهِلكما أيَّتها الصَّغيرتان، فلو أنَّي متُّ لكنتما الآن في حالٍ أفضل. فتضايقت همسة وقالت له: أنت كنتَ دافعاً لنا كي نستمرّ في الحياة ونكافح هكذا، ونحن لا نريدك أن تموت قبل أن نتزوَّج أنا وشقيقتي وترى أطفالنا.

وبعد مدَّة تزوَّجت الممرِّضة نسمة وها هي الآن أُمّ لثلاثة أطفال استطاعَ جدّهم رؤيتهم قبل وفاته. أمَّا همسة فهي لغاية اليوم لا تزال تكافح في تجارتها وتساعد شقيقتها في تعليم أولادها ورعايتهم. وحين يسألها أحد: لماذا لا تتزوَّجين، ألا تشتهين أن تصبحي أُمّاً؟ تردّ وتقول: لا أُريد أن أُنجِب اِبنة تشعر حين أموت بما شعرتُ أنا به حين ماتت أُمّي وحين أُصيبَ أبي لأنَّه شعور لا أتمنَّاهُ لأحد.

العبرة

تُعلِّمنا هذه القصَّة دروساً كثيرة، أهمّها معرفة قيمة الأهل، والتَّمسُّك بنعمة الحياة رغم الصِّعاب، وعدم الاستسلام بحجَّة الظُّروف، لأنَّ الأمل والرَّجاء موجود دائماً.

“لَيْسَ هَذَا فَقَطْ، بَلْ نَفْتَخِرُ أَيْضاً فِي وَسَطِ الضِّيقَاتِ، لِعِلْمِنَا أَنَّ الضِّيقَ يُنْتِجُ فِينَا الصَّبْرَ، وَالصَّبْرُ يُؤَهِّلُنَا لِلْفَوْزِ فِي الامْتِحَانِ، وَالْفَوْزُ يَبْعَثُ فِينَا الرَّجَاءَ، وَالرَّجَاءُ لاَ يُخَيِّبُنَا، لأَنَّ اللهَ أَفَاضَ مَحَبَّتَهُ فِي قُلُوبِنَا بِالرُّوحِ الْقُدُسِ الَّذِي وَهَبَنَا إِيَّاهُ.” (رسالة بولُس إلى أهل روما 3:5-5)


مقالات مُشابِهة

التأجيل (قصة حقيقية)
عدالة السماء
قصة سارة



تبغى تتواصل مع مسيحي؟ تواصل معنا بكل امان الحين.