لم يكُن أمام سُهى سوى الصَّبر والانتظار، لكن انتظار ماذا؟
ركعَت سُهى أرضاً في تلك اللَّيلة الحالِكَة السَّواد، وكان الصَّقيع يأكل روحها قبل جسدها وهي تتضرَّع للرَّب بأن يوقف هطول الأمطار الغزيرة التي لم تتوقَّف منذ عدَّة أيَّام. راحت تُراجِع في ذهنها كلام المهندس المسؤول الذي أرسلته الحكومة للكشف على هذه المنطقة، والذي أنذرَها بوجوب إخلاء منزلها لأنَّه قد صُنِّفَ بأنَّه آيِل للسُّقوط في أيّ لحظة بسبب أساساته المهترئة التي لم تعُد تحتمل أكثر.
لكنَّ ذلك المسؤول لم يُعطِها حَلّاً لمشكلتها ولا مكاناً بديلاً عن منزلها، فماذا ستفعل وأين ستسكُن؟ كان البرق والرَّعد يهُزّ الجدران، وصوت قطرات المياه التي تنزل من شقوق السَّقف وتصطدم في الأوعية البلاستيكيَّة التي وضعتها على الأرض يطِنّ في آذان سُهى وكأنَّه صوت صفَّارة إنذار تحثُّها على المغادرة، ولكن إلى أين؟
قضَت ليلَتها وهي تفكِّر، إلى أين ستذهب مع أطفالها الثَّلاثة الذين ترَكهم لها زوجها حين هرَب بطريقة غير مشروعة إلى بلدٍ أوروبّي ووعدَها بأنَّه سيُرسل في طلَبها وسيأخُذها مع أطفالهما بعد أن يستقرّ هناك، لكنَّ أخباره انقطعت منذ أن سافر، وهي لا تعلَم عنه شيئاً ولا حتَّى إن كان حيّاً أم ميتاً.
وفي اليوم التَّالي، توقَّفَ المطر وأشرقت الشَّمس، لكنَّ سُهى وأطفالها لم يستيقظوا لأنَّهم دُفِنوا تحت أنقاض ذلك المنزل الذي انهارَ قبل أن تجِد لنفسها ولأولادها مأوىً بديلاً عنه.
العبرة
ما أصعب أن تتحوَّل خيرات هذه الدُّنيا إلى مأساة، وما أجمل أن يقف الإنسان إلى جانب أخيه الإنسان في الظُّروف الصَّعبة، وخاصَّةً في هذه الأيَّام التي يعيش فيها الكثير من النَّاس في خِيامٍ لا تحمي من صقيع الشِّتاء، أو في بيوتٍ مُشقَّقة لا ترُدّ الماء عن ساكِنيها. لذلك اُشكر الله دوماً على عطاياه وقدِّر النِّعَم التي أنعمَ بها عليك، وساعد الآخرين كيفما استطعت، كي لا تتحوَّل البرَكة في حياتهم إلى لعنة.
يقول يعقوب الرَّسول
“يَاإِخْوَتِي، هَلْ يَنْفَعُ أَحَداً أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ، وَلَيْسَ لَهُ أَعْمَالٌ تُثْبِتُ ذَلِكَ، هَلْ يَقْدِرُ إِيمَانٌ مِثْلُ هَذَا أَنْ يُخَلِّصَهُ؟ لِنَفْرِضْ أَنَّ أَخاً أَوْ أُخْتاً كَانَا بِحَاجَةٍ شَدِيدَةٍ إِلَى الثِّيَابِ وَالطَّعَامِ الْيَوْمِيِّ، وَقَالَ لَهُمَا أَحَدُكُمْ: «أَتَمَنَّى لَكُمَا كُلَّ خَيْرٍ. الْبَسَا ثِيَاباً دَافِئَةً، وَكُلاَ طَعَاماً جَيِّداً!» دُونَ أَنْ يُقَدِّمَ لَهُمَا مَا يَحْتَاجَانِ إِلَيْهِ مِنْ ثِيَابٍ وَطَعَامٍ، فَأَيُّ نَفْعٍ فِي ذَلِكَ؟ هكَذَا نَرَى أَنَّ الإِيمَانَ وَحْدَهُ مَيِّتٌ مَا لَمْ تَنْتُجْ عَنْهُ أَعْمَالٌ. وَرُبَّمَا قَالَ أَحَدُكُمْ: «أَنْتَ لَكَ إِيمَانٌ وَأَنَا لِي أَعْمَالٌ». أَرِنِي كَيْفَ يَكُونُ إِيمَانُكَ مِنْ غَيْرِ أَعْمَالٍ، وَأَنَا أُرِيكَ كَيْفَ يَكُونُ إِيمَانِي بِأَعْمَالِي.” (رسالة يعقوب 14:2-18)