judgement gavel

لا نستطيع أن نُقارن الحالة النفسيَّة لمُتَّهم مُدان في جلسة مُحاكمتِه مع تلك التي للقاضي الذي يترأّس هذه المحاكمة، إذ لا مجالَ لأن نُشَبِّه بُؤس المُتَّهم وخَوفه بِجَبروت القاضي ونَشوَته.

فالمُتَّهم في انتظار إصدار الحُكم وبماذا نُشَبِّه وضعه؟ فحالَتَهُ عادةً ما تُشبَّه بها الظُّروف الصَّعبة وتُضرَب بها الأمثال.

ترقُّبٌ مَهيبٌ للحُكم، يتباطئ معهُ الوقت، ترتجفُ معهُ أوصال جسد المحكوم عليه، يتأوَّه وليس من مُجيب، يتمنّى أن يتوقّف الوقت أو يشتهي حصول معجزة أو رُبَّما كارثة لكن ليس من يَسمع.

أمّا القاضي فهو صاحب السُّلطة والقرار، يأمُرُ فيكون، يُشيرُ فيُسمَع لهُ، كيف لا وَهُو وَجهُ القانون ومُمَثِّل العدالة القائم علی رأس عمله، يُحَدِّد البريء من المُذنِب، يُرسل إلی السجن أو يُطلِق إلی الحُرِّيّة.

لكن تبادُل الأدوار يستحق أن نُشَغِّل المُخَيِّلة من أجلهِ، أي عندما تَنعكس الحالة النفسية بينهما.

“إرتَعَبَ فيلِكس” أعمال الرسل ٢٥:٢٤، هكذا يَصِفُ لنا الكتاب المقدس حالة القاضي الذي يقف أمامه بولس الرسول أي (المُتَّهم).

لكن ما الذي حصل؟ ولماذا انقلبت الأدوار هكذا؟

ألَيسَ الرُّعب في هذه الحالة مُقتَصَر على المُتَّهم، والثِّقة بالنَّفس حِكراً على القاضي؟

الجواب يَكمُن في نوعيَّة المُتَّهم وفي طبيعة جُرمِهِ، فهو تلميذٌ للمسيح وجريمتَه أنَّه يشهد عن خلاصهِ، ويُخبِر القاضي الأرضي عن دَينونَة القاضي الأعلى، صاحب المِعيار الأسمى للخَطأ والصَّواب، الوَحيد القادِر مَوضوعيّاً أن يُبَرِّر أو يدين.

“إرتعب فيلِكس”، يبطُل العَجَب حينما نعرف هَوِيَّة المحكوم عليه ومن هو الحاكِم، وتزول الدهشة عندما نفهم مضمون رسالة بولس.

فيلِكس كانَ شريراً، مُنغَمِساً في العُنف والمَلَذَّات هكذا يصفُهُ المُؤرِّخ الرّوماني تاسيتوس، إذ يقول عنه “يُمارِس السُّلطة بقُوَّة مَلِك لكن بِرُوح عَبد” لم يصمد هذا الحاكِم صاحب النُّفوذ والسُّلطة الوَقتِيّة أمام رسالة الحاكِم الأعلی صاحب النفوذ والسُّلطان الأبديّ.

يقول لوقا البشير في كتاب أعمال الرسل:

وَلَمَّا تَحَدَّثَ بُولُسُ عَنِ الْبِرِّ وَضَبطِ النَّفسِ وَالدَّينُونَةِ الآتِيَةِ ارتَعَبَ فِيلِكْسُ، وَقَالَ لِبُولُسَ: «اذْهَبِ الآنَ، وَمَتَى تَوَفَّرَ لِيَ الْوَقْتُ أَسْتَدعِيكَ ثَانِيَةً».
أعمال الرسل ٢٥:٢٤

شهادة بولس عن يسوع المسيح أرعَبَت القاضي وكانت مصدَر قُوَّة ونُصرة للمُتَّهم. هذه هي الشهادة الحيَّة التي حسِبَ بولس كل شيء نِفاية من أجلها، بل ونفسَهُ أيضاً لم تعُد ثمينة لديه أمامَها، شهادة تنخُس ضمير كل من يسمعها وتُبَكِّته، فكُل الشرور التي ارتكَبَها فيلِكس في حياتهِ سَيُحاسَب عنها يوماً ما.

سَتتبدَّل الأدوار (الرسالة الأولى إلى أهل كورنثوس ٣:٦) وسيقف فيلِكس أمام خالِقهِ في النهاية مُجرِم مُدان مُستَحِق الدّينونة العادِلة إن لَم يتُب.

وهذا طبعاً حال جميع الناس،

فإن كان فيلِكس قد ارتَعَب هكذا، فماذا عن الآخرين؟ كُلُّنا مُدانين أمام العدالة الإلهيّة (الرسالة إلى أهل رومية ٢٣:٣).

والخلاص الوَحيد يكمُن في عَمل الرب يسوع وحدهُ (أعمال الرسل ١٢:٤) الذي تحمَّل الدّينونة عن شعبهِ (إشعياء ٤:٥٣) ومات وقامَ في اليوم الثالث من أجل تبرير كل من يؤمِن بهِ (الرسالة إلى أهل رومية ٢٥:٤).

فَاللهُ الآنَ يَأْمُرُ جَمِيعَ النَّاسِ فِي كُلِّ مَكَانٍ أَنْ يَتُوبُوا، مُتَغَاضِيًا عَنْ أَزْمِنَةِ الْجَهْلِ.
أعمال الرسل ٣٠:١٧


مقالات مُشابِهة

أين ستقضي الأبدية؟
قل لي من تعاشر.. أقول لك من أنت..
اِمرَأة في الثَّغَر


تبغى تتواصل مع مسيحي؟ تواصل معنا بكل امان الحين.